“الكيان الصهيوني سيندم على جريمته وسيُجازى عليها بيد المجاهدين” جاء هذا التهديد واضحًا في رسالة التعزية التي أرسلها آية الله علي خامنئي معزِّيًا بالجنرال محمد رضا زاهدي ورفاقه الذين قُتلوا في هجوم إسرائيلي استهدف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. وأعلن الحرس الثوري الإيراني أن الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، يوم الاثنين الأول من أبريل/نيسان 2024، أدى إلى مقتل قائديْن في الحرس الثوري و5 مستشارين عسكريين آخرين، وقال بيان الحرس: إن الهجوم أدى إلى مقتل العميد محمد رضا زاهدي، أحد قادة فيلق القدس البارزين، ومساعده، العميد محمد هادي حاج رحيمي.كما قتل في الهجوم 5 مستشارين عسكريين آخرين، وتحدثت وكالات الأنباء عن أن عدد القتلى في الهجوم الإسرائيلي بلغ 11 قتيلًا، هم 8 إيرانيين وسوريان ولبناني واحد. ويعد زاهدي من أبرز قادة الحرس المكلفين بسوريا ولبنان والمسؤولين عن ملف التسليح والتنسيق مع حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة، ولديه سجل طويل في هذه المؤسسة مما يجعله أهم شخصية عسكرية إيرانية يتم اغتيالها بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بغداد، مطلع العام 2020.
واعتبرت هيئة البث الإسرائيلية أن هذه الضربة “رسالة من الجيش إلى حزب الله اللبناني”. وأضافت أن الجيش الإسرائيلي انتظر مغادرة القنصل الإيراني، ثم استهدف محمد رضا زاهدي القائد في فيلق القدس، مشيرة إلى أن العملية تمت بناء على معلومات استخباراتية دقيقة.
1
العميد زاهدي: 40 عامًا في الحرس الثوري واسم مدرج على قائمة العقوبات الأميركية (وكالة فارس)
محمد رضا زاهدي تولى مناصب عسكرية متعددة داخل الحرس الثوري الإيراني خلال ما يزيد عن 40 عامًا.
وُلِد في أصفهان عام 1960، وانضم إلى الحرس منذ تأسيسه في مطلع الثمانينات من القرن العشرين.
خلال الحرب العراقية-الإيرانية، شغل عدة مناصب في الحرس الثوري، بما في ذلك قيادة فرقة الإمام الحسين الـ14.
شغل منصب قائد القوات البرية في الحرس.
في عام 2005، تولى قيادة قاعدة “ثأر الله” حتى عام 2008، وهي القاعدة المسؤولة عن منطقة طهران.
في عام 2008، انتقل إلى فيلق القدس وأصبح من كبار القادة حتى عام 2016، ثم شغل منصب قائد لقوة القدس في الحرس الثوري لسوريا ولبنان.
عمل كنائب للعمليات في حرس الثورة الإسلامية عام 2017 لمدة ثلاث سنوات.
وضعته وزارة الخزانة الأميركية على قائمة العقوبات، عام 2010، بتهمة “دعم الإرهاب” على خلفية دوره في مجموعات حليفة لإيران في مقدمتها حزب الله اللبناني.
وقد سارعت الولايات المتحدة الأميركية لترسل رسالة إلى طهران تنفي “أي تورط لها في العملية” وفقًا لمسؤول أميركي تحدث لموقع أكسيوس، بل نفت علمها مقدمًا بالعملية. وقال الموقع: إن إسرائيل أخطرت البيت الأبيض قبل دقائق قليلة من تنفيذ الضربة، من دون أن تطلب الضوء الأخضر الأميركي ودون تحديد أن الهدف هو مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، كما وصل الإخطار عندما كانت الطائرات العسكرية الإسرائيلية في الجو بالفعل.
وتوعد المتحدث باسم الحرس الثوري، رمضان شريف، إسرائيل بأنها ستشهد في وقت قريب ضربات أكثر فتكًا. وقال: إن “جبهة المقاومة ستقوم بواجبها ضد الاحتلال الإسرائيلي قريبًا”. وصدر تهديد آخر عن كبير مستشاري خامنئي والقائد السابق للحرس الثوري، رحيم صفوي؛ إذ صرَّح بأن “الجريمة الإسرائيلية لا تُغتفر وأن العقاب مؤكد”. فالهجوم وفق ما يراه القيادي السابق في الحرس الثوري، حسين كنعاني مقدم، “يعني استهداف الأراضي الإيرانية، وهذا يمنح الحق لإيران ومحور المقاومة بأن يجعلا جميع سفارات وقنصليات إسرائيل حول العالم ضمن بنك أهدافهما”.
5
متظاهرون بميدان فلسطين في طهران يطالبون بالرد على إسرائيل (أ.ف.ب)
ويأتي اغتيال زاهدي مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وعقب هجوم على ميناء إيلات وحديث عن إصابة قاعدة بحرية عسكرية إسرائيلية، وعلَّقت الصحافة الإسرائيلية على الهجوم بأن “إيلات لم تعد آمنة”، وتبنَّت “المقاومة الإسلامية في العراق” الهجوم الذي تم بالمسيرات وقالت إنها قصفت “هدفًا حيويًّا في الأراضي المحتلة بالأسلحة المناسبة”. وأعقبته بهجوم بالمسيرات أيضًا على مطار حيفا، صباح الأربعاء 3 أبريل/نيسان 2024.
وإن كانت إيران تتوعد بالرد وهي تبتلع الضربة تلو الأخرى مفضِّلة حرب الظل مع إسرائيل، ومؤكدة على تفويت الفرصة على نتنياهو الذي يحاول جرها إلى حرب واسعة مفتوحة، إلا أن الهجوم الأخير على قنصليتها في دمشق يتجاوز حدود المساحة الرمادية بكثير؛ فقد جاء بعد تدرج في الضربات وحساب لردود الفعل الإيرانية، فمنذ مطلع العام 2024 نفذت إسرائيل 29 ضربة ووصل عدد الضربات في 2023 إلى 40ضربة و28 ضربة عام 2022 وكذلك الحال عام 2021. وقد استهدفت في معظمها أهدافًا وشخصيات إيرانية.
تقدم إيران نفسها لمواطنيها على أنها القوية في الإقليم، ولكن تكرر الاستهداف لنخبتها العسكرية فضلًا عن مواقعها الحيوية، يجعل عدم الرد كمن يسحب من رصيد قوته دون أن يودع فيه في المقابل، وقد بدأت الأصوات التي تطالب طهران بالرد تتصاعد حتى داخل التيار الأصولي الداعم لحكومة رئيسي، كما أن الاستهداف المتكرر يجعل موقفها حساسًا أمام حلفائها والمجموعات التي تتبع لها إذ يعول جميعهم على “إيران القوية القادرة”. وهذه الضربات الموجعة المتتالية التي تلقتها إيران في سوريا تصيب صورتها كدولة قوية أمام منافسيها في الإقليم، وتطرح أسئلة بخصوص قوة الردع الإيرانية.
الرد والمعادلة الصعبة
ليس من المستبعد أن يأتي الرد الإيراني بتكثيف لهجمات محور المقاومة المنخرط بنسب مختلفة في مساندة غزة، ولكن طهران اليوم تحتاج إلى وصفة رد تحمل توقيعها، مع ضبط لإيقاعها بحيث لا تقود إلى الحرب التي تسعى طهران لتجنبها. وفي المجموع هناك سيناريوهات محتملة للرد الإيراني، يمكن سرد أهمها:
السيناريو الأول: أن تواصل إيران إستراتيجيتها القديمة في عدم الرد المباشر أو القيام بعمليات دون الإعلان عنها، مع سجل للاستهدافات الإسرائيلية توثقه طهران منتظرة الفرصة السانحة لتوجيه ضربة ترد على القديم والجديد، وهذا الاتجاه تدعمه التقديرات التي ترى بضرورة تفويت الفرصة على نتنياهو الذي يسعى بشتى الطرق لجر إيران إلى مواجهة مدمرة. وهذه السياسة المحتاطة التي نشأت تبعًا لمعطيات كثيرة تشكل في بعض جوانبها مأزقًا لطهران، خاصة فيما يتعلق بصورتها وقدرتها على الردع وحجم الضرر والخسائر التي لحقت بإيران ماديًّا ومعنويًّا جرَّاء هذه الهجمات.
السيناريو الثاني: البقاء في دائرة حرب الظل ولكن بمستويات أعلى من السابق، وقد يشمل ذلك استهداف مصالح وسفارات وشخصيات إسرائيلية، وقد نشهد تصاعدًا في حرب السفن ومهاجمة أهداف إسرائيلية في البحر بمستوى يتجاوز إرسال الرسائل إلى إيقاع خسائر فعلية.
السيناريو الثالث: رفع مستوى عمليات محور المقاومة في مساندة غزة ومواجهة إسرائيل، وهذه يعني تصاعد العمليات كمًّا ونوعًا، وقد سبق للقائد في الحرس الثوري، مجتبى أبطحي، أن قال: إن مشاركة المحور في المواجهة لا تتجاوز الـ5% من قوته. والعيون هنا تتجه إلى حزب الله رغم ما يحيط بمشاركته من إشكاليات وعقبات داخلية، وكذلك تتجه إلى أنصار الله الذين يواصلون الدخول بصورة أعمق إلى بؤرة المواجهة.
السيناريو الرابع: سيناريو المواجهة الواسعة، وهو السيناريو الذي تسعى إيران لتجنبه ويسعى نتنياهو لجعله أمرًا واقعًا، وإذا ما وقع فلا أحد في المنطقة سيكون بمنأى عن تبعات هذه المواجهة التي ستكون مكلفة للكثيرين.