بالتزامن مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى العراق وتوقيع العشرات من الاتفاقيات للتعاون المشترك، يبدو أن ملف عودة ضخ النفط العراقي عبر تركيا ما زال مستعصيا نتيجة خلافات معقدة بين حكومتي بغداد والإقليم، ما دفع الحكومة الاتحادية، لمحاولة إعادة تأهيل خط الأنابيب الاستراتيجي القديم، لتصدير النفط بعيدا عن الخط الكردي إلى ميناء جيهان التركي.
وبالرغم من أن المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أعلن بعد زيارة اردوغان، أن ملف إعادة استئناف تصدير النفط العراقي عبر تركيا «أشبه بالمحسوم» وأن «تركيا أبلغت العراق قبل أكثر من شهر بأنها جاهزة لضخ النفط عبر أنبوبها إلى ميناء جيهان» إلا أنه أقر أن «المشكلة هي بين إقليم كردستان والحكومة المركزية». وأوضح العوادي أن «المشكلة حاليا هي بين الإقليم والحكومة المركزية وبالتحديد حقوق الشركات المستخرجة للنفط في الإقليم، ووفقا للقرارات الجديدة أن هذه الشركات يجب أن تتعامل مع الحكومة الاتحادية وشركة سومو، بالتالي هناك عقود وشركات جديدة ومفاوضات جديدة».
والحقيقة أن نتائج زيارة الرئيس التركي رجب طيب إلى بغداد والإقليم، لم تكن ملبية لآمال الإقليم بمعاودة ضخ النفط العراقي عبر تركيا، نظرا لكون المشكلة تتعلق بخلافات مستعصية بين بغداد وأربيل والشركات الأجنبية، وليس من الجانب التركي.
الخبير الاقتصادي الكردي محمد حسين، تحدث لـ«القدس العربي» قائلا إن «بعد زيارة الرئيس التركي إلى بغداد وأربيل، تبين ان تركيا ليس لديها مشكلة في إعادة ضخ النفط العراقي مجددا عبر ميناء جيهان التركي، وهو ما أعلنته قبل أشهر، إلا أن المشكلة هي بين حكومتي بغداد والإقليم، وخاصة ما يتعلق بمطالبات شركات استخراج وتصدير النفط الأجنبية العاملة في الإقليم، التي تريد من بغداد تسديد ديون الإقليم التي تصل إلى مليارات الدولار نتيجة اتفاقيات مبرمة بين الشركات وحكومة الإقليم تنفي حكومة بغداد مسؤوليتها عنها». وأكد حسين أن زيارة اردوغان للعراق لم تحرك ملف إعادة تصدير النفط العراقي عبر تركيا بسبب تعقد الخلافات بين بغداد والإقليم، إضافة إلى شروط تطالب بها تركيا، أبرزها منحها تخفيض على أسعار النفط الذي تشتريه أنقرة بقيمة تقل بنحو 13 دولارا للبرميل الواحد عن السعر العالمي، إضافة إلى مطالبة بغداد بإغلاق ملف التعويضات التي أقرتها محكمة دولية على تركيا حول الموضوع. وحول امكانية إعادة حكومة بغداد تأهيل خط النفط الاستراتيجي القديم، الممتد من الموصل إلى الأراضي التركية، أبدى الخبير امكانية حصول ذلك بعيدا عن الخط الكردي، نتيجة تعقد الخلافات بين بغداد والإقليم، وللبحث عن خط بديل يؤمن مواصلة تصدير النفط العراقي عبر تركيا». مؤكدا قدرة بغداد على إصلاح الأنبوب الاستراتيجي الذي تعرض للتخريب على يد داعش عام 2014 واحتمال إعادة العمل به خلال أشهر.
خلافات مستعصية بين بغداد وأربيل
ومنذ سنوات، لم تستطيع جولات عديدة من المباحثات بين حكومتي بغداد والإقليم والشركات الأجنبية في الإقليم، من التوصل إلى حلول للخلافات المعقدة بينها، حيث تطالب الشركات بغداد بتسديد ديون متراكمة بالمليارات بذمة حكومة الإقليم، نتيجة استخراج وتصدير النفط العراقي عبر تركيا. وهو ما ترفضه بغداد لكون الاتفاق تم بين الإقليم والشركات من دون علم أو موافقة الحكومة المركزية. فيما تطالب أنقرة بقيام إقليم كردستان بدفع التعويضات المفروضة عليها من قبل هيئة التحكيم الدولية للعراق، والمقدرة بمليار و400 مليون دولار، أو إعفاء العراق تركيا من دفع تلك التعويضات، وغيرها من النقاط الخلافية.
وردا على المطالب التركية، صرح عضو اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي (من التحالف الشيعي) «إن كان شرط تركيا هو إعفاؤها من دفع المبلغ المفروض عليها، فذلك ليس من صلاحية الحكومة العراقية، بل من صلاحيات البرلمان، ومن الصعب ان يوافق مجلس النواب العراقي على ذلك. لذا نأمل خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى العراق ان يتم حسم هذا الموضوع».
ويذكر أن حكومة إقليم كردستان، أبرمت في السنوات الأخيرة، عشرات العقود مع الشركات الأجنبية لاكتشاف واستخراج النفط، من دون علم أو موافقة الحكومة الاتحادية، وهو ما تعتبره بغداد حقا لها بموجب الدستور.
إحياء الأنبوب الاستراتيجي
ويبدو أن بغداد قد وصلت إلى قناعة بتعقيدات الخلاف النفطي بين بغداد وحكومة أربيل، ووصوله إلى طريق مسدود، ما دفعها للبحث عن حلول بديلة أخرى تعيد ضخ النفط العراقي عبر تركيا، ولذا عاد للواجهة مجددا الحديث عن إعادة استخدام خط الأنابيب الاستراتيجي القديم، والمتروك منذ سنوات.
وكان وكيل وزارة النفط العراقية لشؤون الاستخراج باسم محمد، أعلن مؤخرا أن «بغداد تعمل على تأهيل خط أنابيب كركوك- جيهان الذي يمكن أن يتيح ضخ 350 ألف برميل يوميا من النفط إلى تركيا بحلول نهاية الشهر الجاري». وأضاف أن إصلاح الأجزاء المتضررة داخل العراق واستكمال إنشاء محطة ضخ أساسية ستكون المرحلة الأولى من عمليات إعادة خط الأنابيب إلى طاقته الكاملة.
وتأكيدا على هذا التوجه، أعلن المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، محمد مظهر صالح، «أن خط تصدير النفط العراقي نحو تركيا والمعروف دوليا باسم خط الأنابيب العراقي التركي (آي تي بي) قد جرى إصلاحه مؤخرا، حيث كان الضرر الأكبر في الخط ضمن حدود محافظة نينوى» مبينا أن الضخ التجريبي للخط سيبدأ قريبا بما يعادل 150 ألف برميل يوميا.
وفيما يتعلق بمستقبل خط تصدير النفط الكردي التابع للإقليم، قال صالح إن تفعيل الخط العراقي يعني من حيث المبدأ توقف الخط الكردي، بيد أن تشغيل الخط العراقي سيفتح بابا أوسع للتفاوض بين بغداد وأربيل، لا سيما أن تصدير نفط الإقليم يصب في نهاية المطاف في مصلحة الحكومة الاتحادية وميزانيتها، بعد أن قضت المحكمة الاتحادية بسيطرة شركة تسويق النفط العراقية «سومو» على عمليات تصدير النفط في الإقليم، مبينا أن المفاوضات ستتمحور حول عمل الشركات وطبيعة العقود، وفق قوله.
وكانت وزارة النفط العراقية، أعلنت إنه ستتم إعادة فتح خط أنابيب نفط قديم يصل إلى تركيا متجاوزا الخط الذي تديره حكومة إقليم كردستان العراق. وذلك ضمن محاولة حكومة بغداد، لتجاوز مشكلة إعادة تصدير النفط العراقي عبر خطوط النفط المارة بإقليم كردستان، إلى ميناء جيهان التركي، والتي يبدو انها ما زالت معقدة ومستعصية.
ويعد خط نقل النفط الاستراتيجي الممتد من كركوك نحو الموصل عبر تركيا لمسافة 960 كم، أحد خطط النظام السابق لإيجاد خطوط نقل نفط بديلة، خلال الحرب العراقية الايرانية (1980 ـ 1988) وخوفا من تعرض موانئ البصرة للدمار وتعطل تصدير النفط العراقي عبرها. وكان يصدر قرابة 400 ألف برميل يوميا. وقد تعرض هذا الأنبوب عام 2014 إلى التخريب من قبل مسلحي تنظيم داعش. ومن شأن إعادة تشغيل خط أنابيب كركوك- جيهان التركي المغلق، أن يوفر لبغداد مسارا جديدا لاستئناف تصدير النفط عبر خط الأنابيب التركي.
ومعروف ان خطي نقل النفط العراقي (الكردي والاستراتيجي) يلتقيان عند الحدود العراقية التركية، ويستخدمان الخط التركي الممتد من منطقة فيشخابور نحو ميناء جيهان التركي. ويمكن لبغداد وأربيل استخدام واستغلال الخط الكردي في حال اتفق الجانبان، شريطة أن يخضع تصدير النفط الكردي لسيطرة الحكومة الاتحادية، وهو ما سيعزز من قدرة العراق على تصدير نفطه إلى تركيا. ويشير الدستور العراقي في المادتين 111 و112 إلى أن الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز ملك للشعب العراقي، ولا يحق لأحد أن ينفرد بإدارتها، على أن تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة هذا الملف، مع مراعاة توزيع واردات النفط بشكل منصف على جميع المناطق والأقاليم.
وهكذا يبدو ان آمال حكومة الإقليم بعودة ضخ النفط العراقي في الخط المار في أراضيها عبر تركيا، قد باتت شبه معدومة في الوقت الحاضر، وخاصة بعد نتائج زيارة رئيس الحكومة محمد السوداني إلى واشنطن وزيارة الرئيس التركي رجب اردوغان إلى العراق، نظرا للخلافات المعقدة بين بغداد وأربيل، واستمرار تعثر المفاوضات بينهما. ومع غياب مرجع قانوني لحل الخلافات النفطية في العراق، وهو قانون النفط والغاز، الذي ينظم حقوق الإقليم والمركز والمحافظات، والذي يبدو إقراره حاليا غير وارد في حسابات أحزاب السلطة، فإن المشكلة ستبقى قائمة، وبانتظار قرار سياسي من الطرفين. وبالتالي فإن إحياء خط الأنابيب الاستراتيجي القديم، يبدو مرجحا تحقيقه قريبا، وهي خطوة يعدها المراقبون، من المرجح أن تثير حفيظة شركات النفط الأجنبية وحكومة إقليم كردستان التي تسعى جاهدة لاستئناف تصدير النفط عبر الخط الحالي المار في الإقليم.
كلمات مفتاحية
مصطفى العبيدي