تزامن استيلاء إسرائيل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني والتهديد بقرب اجتياح المدينة مع تطورين مهمين، الأول تصريحات إيران بتغيير عقيدتها النووية، والثاني تكثيف “حزب الله” هجماته باتجاه إسرائيل، على عكس النمط الذي ثبته منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مع اندلاع العملية العسكرية الشاملة على قطاع غزة، بما يعني أن الاجتياح يصحبه تغيير في الديناميكيات الإقليمية.
الأمر الأول جاء حينما قال كمال خرازي مستشار الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي إن بلاده ستغير عقيدتها النووية إذا هددت إسرائيل وجودها، مشيراً إلى أن بلاده لن يكون لديها خيار في هذه الظروف ومحذراً من أن سياسة الردع ستتغير إذا ضربت تل أبيب المنشآت النووية، والمفهوم من التصريح أن إيران ستغير من طبيعة برنامجها النووي السلمي وتطور برنامجاً عسكرياً.
الأمر المؤكد أنه لا توجد دلائل على أن إيران ليس لديها برنامج نووي عسكري سري، لا سيما مع سياسة التعتيم التي انتهجتها في مواجهة الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام ونصف ومنع المفتشين من الوصول إلى المنشآت النووية، وكذلك العثور على آثار تخصيب يورانيوم في أماكن غير معلنة ومعروفة للوكالة.
إذاً يبدو أن الهدف من التصريح الضغط على الولايات المتحدة من جانب وإسرائيل من جانب آخر، خصوصاً أنه كانت هناك تقارير تتحدث عن مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران منذ أيام، لم تعلن أي من بنودها أو ما تم التوصل إليه.
وجاء تصريح مستشار المرشد بعد أن ندد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن الوضع في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني ليس مرضياً على الإطلاق وأن الإيرانيين أخبروه بأنهم مستعدون للقيام بإجراءات حقيقية.
وسبق أن لوحت إيران بتغيير عقيدتها النووية على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني المسؤول عن الأمن النووي، حينما قال في خضم المواجهة العسكرية المباشرة بين طهران وتل أبيب، إن “التهديدات الإسرائيلية قد تدفع طهران إلى مراجعة عقيدتها النووية والانحراف عن اعتباراتها السابقة”.
وبصورة عامة تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المئة، في حين يتم تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة بنسبة تصل إلى 90 في المئة، وإذا تم تخصيب المواد النووية الحالية إلى مستويات أعلى، فإنها ستكون كافية لإنتاج سلاحين نوويين.
وتصاعدت التوترات بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ انهيار الاتفاق النووي، وانتقد مدير الوكالة إيران مراراً بسبب عدم تعاونها في قضايا من بينها توسيع نشاطها النووي ومنع المفتشين وتعطيل أجهزة المراقبة التابعة للوكالة في منشآتها النووية.
وفي تقرير قُدّم خلال الاجتماع الأخير لمجلس محافظيها في مارس (آذار) الماضي، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن مخزون إيران المقدر من اليورانيوم المخصب وصل إلى 27 ضعفاً من الحد المنصوص عليه في اتفاق 2015، وإنه لا يمكن للوكالة الجزم والحسم بالتزام إيران بنود الاتفاق النووي لعام 2015.
أما في ما يخص التطور الثاني، وهو تكثيف “حزب الله” اللبناني هجماته على الجبهة الشمالية لإسرائيل مستخدماً الطائرات المسيّرة التي قتلت جنديين إسرائيليين، في محاولة لإبراز تغير نمط مواجهته مع تل أبيب، فمنذ أكتوبر الماضي حرص الحزب وإيران على عدم الاشتباك تجنباً للمواجهة مع إسرائيل، وأعلن الأمين العام للحزب حسن نصرالله أنه مجرد جبهة مساندة لغزة وليس منضوياً، واستمرت الاشتباكات بينه وتل أبيب في نطاق محدود ضمن قواعد الاشتباك المتفق عليها بين الجانبين من دون التسبب في حرب واسعة.
إذاً لماذا قام الحزب منذ الإثنين الماضي بتكثيف الهجمات على إسرائيل وقتل جنديين مع بدء دخولها إلى مدينة رفح الفلسطينية؟.
يبدو أن “حزب الله” وإيران، وفي ضوء تصريحات إسرائيلية بأنه سيتم التوجه نحو محاربة الحزب بعد التخلص من حركة “حماس” في قطاع غزة، يعتقدان بأنه لا بد من تصعيد الجبهات عبر تسخين وكلاء طهران، لمنع دخول تل أبيب إلى رفح والقضاء تماماً على الحركة التي تعد حلقة مهمة ضمن ما يسمى “محور المقاومة”.
والعلاقة مع “حماس” هي ما تضفي شرعية على علاقة إيران بالقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى حتى لا تتوجه الآليات العسكرية الإسرائيلية ضد “حزب الله” اللبناني بعد الانتهاء من الحركة نهائياً، إذ لم يعُد يتبقى في قطاع غزة سوى مدينة رفح التي بها نحو مليون ومئتي ألف من السكان.
لذا فإن العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح من شأنها أن تغير قواعد الاشتباك بين الأطراف الإقليمية التي حرصت وأعلنت أنها تتجنب حرباً إقليمية موسعة.