تشهد هذه الأيام حالة من تصاعد المواقف بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد المصادقة على القرار الذي قدمته الدول الأوربية الخاص بالبرنامج النووي.
ومشروع القرار الذي طرحته على التصويت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا بدعم من الولايات المتحدة، أيدته 19 دولة من أصل 35 وعارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو، بينما امتنعت الدول الـ12 الباقية عن التصويت.
ويدعو القرار إيران بالالتزام الكامل في العلاقة مع مفتشي الوكالة الدولية وتقديم جميع الايضاحات والمسائل المتعلقة بحالة التطور الذي لامس التقدم العلمي في التوسع بتخصيب اليورانيوم وخزن أجهزة الطرد المركزي، بعد الارتفاع المنظور في احتياط إيران من اليورانيوم المخصب بمقدار 25.3 كيلوغرام ليصل إلى 839.2 كيلوغرام في أجهزة الطرد المركزي UF6 بنسبة 20 ٪، وتصاعفت هذه النسب والكميات مع الأحداث التي واجهتها الأراضي الفلسطينية واستمرار القتال في قطاع غزة والجنوب اللبناني، والتي رأت فيها إيران فرصة سياسية تمكنت من استغلالها لتحقيق المكاسب والمنافع في تعزيز البنية التحتية لبرنامجها النووي.
ان أهمية التقرير الذي صادقت عليه إيران أنه يؤكد على طبيعة السلوك الإيراني القادم مع متطلبات الوكالة في تحسين اسلوب التعامل وتقديم كل الأجوبة الشافية التي يبحث عنها مفتشي الوكالة، لتقديم تقرير شامل في الاجتماع الموسع لمحافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي سيعقد في شهر آذار 2025 بالعاصمة النمساوية ( فيينا)،والذي سيحدد الآفاق المستقبلية لطبيعة المواقف الدولية التي ستعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في علاقتها مع إيران وصدق النوايا التي يبديها العاملين في الوكالة الوطنية للطاقة الذرية الإيرانية والقيادة الإيرانية.
وتخشى إيران من نتائج التقرير القادم كونه يتضمن جميع الأسئلة المطلوبة عن البرنامج النووي ومن الممكن أن يعمق الأثار السلبية التي يعاني منها الاقتصادي الإيراني في فرض عقوبات جديدة تطال النظام الإيراني وتؤخر عملية الرفع الكامل للعقوبات التي أقرها الاتفاق النوري عام 2015، حيث حدد موعدًا لانهاء أي عقوبات وأزمات إيرانية في تشرين الأول 2025 والذي تترقبه إيران لأنه سيتم فيه إلغاء ستة قرارات بعقوبات لمجلس الأمن ضدها في إطار القرار، لهذا فهي تحاول الحفاظ على أجواء التعاون والتفاعل الفني والسياسي مع الدول الأعضاء في الوكالة وخطة العمل الشاملة المشتركة.
وفي قرار سياسي آخر يتعلق بالعلاقة الإيرانية الأوربية، قرر المجلس الأوروبي توسيع نطاق إطار عمل الاتحاد الأوروبي للتدابير التقييدية في ضوء الدعم العسكري الإيراني للحرب الروسية ضد أوكرانيا وللجماعات والكيانات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأحمر، ويستهدف هذا الإجراء الإضافي استخدام السفن والموانئ لنقل الطائرات من دون طيار الإيرانية الصنع والصواريخ والتقنيات والمكونات ذات الصلة، كما يفرض القرار حظرًا على تصدير أو نقل أو توريد أو بيع المكونات المستخدمة في تطوير وإنتاج الصواريخ والطائرات من دون طيار من الاتحاد الأوروبي إلى إيران.
ينذر هذا الموقف بتصاعد المواجهة بين إيران والدول الأوربية بعد العقوبات التي شملت مسائل الشحن البحري والطيران المدني والذي ترافق مع اصدار مجلس المحافظين في الوكاله الدولية للطاقة الذرية بادانة إيران في عدم تعاونها.
ونرى ان السبب الرئيسي في حالة التباعد والخلاف السياسي بين إيران والمجموعة الأوربية يعود إلى الدعم العسكري الذي قدمته إيران لروسيا في حربها مع أوكرانيا بتزويدها بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، وهذا ما يعني المساس بالأمن القومي الأوربي وتهديد المصالح الاقتصادية للقارة الأوربية.
يبقى الموقف الإيراني رهين بمدى تعاونه وصدق تجاوبه مع ما تقرره الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي الإجابة السريعة التي تتعلق بوجود آثار غريبة لليورانيوم المخصب في موقعين غير معلنين في ( توكوز آباد وورامين) تحتاج لتفسيرات واضحة ودقيقة، ومهما حاولت إيران بالعودة لسياسة الترهيب والتسويف في تعاملها مع مفتشي الوكالة أو مع الدول الأوربية التي ساهمت في اصدار القرار وهي ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) فإن عليها أن تدرك أن التقرير القادم سيوافق الفصل الأول لاستلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض، ولها أن تعلم مدى مساحة الموقف الذي ستبديه الإدارة الأمريكية في حالة استمرار إيران بسياستها في عدم الرد على متطلبات مفتشي الوكالة الدولية وعليها ان تدرك أن إعلان
رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتشغيل مجموعة كبيرة من أجهزة الطرد المركزي الجديدة ردًا على قرار الوكالة ستكون له آثاره الكبيرة على طبيعة العلاقة القادمة مع إدارة الرئيس ترامب.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية