تركيا وولاية ترامب الثانية

تركيا وولاية ترامب الثانية

معمر فيصل خولي 

وفي خطوة كانت متوقعة، قدّم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان تهنئة  إلى دونالد ترامب على فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية  عبر منصة ” إكس”.  حيث كتب عليها: “نأمل أن تتعزز العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، وأن تنتهى الأزمات والحروب الإقليمية والعالمية، خاصة القضية الفلسطينية، والحرب بين روسيا وأوكرانيا”. ولم يكتفي أردوغان بالتهنئة عبر المنصة، وإنما ارفقها بإجراء اتصال هاتفي “دبلوماسية الهاتف” مع ترامب، ودعاه خلال الاتصال إلى زيارة تركيا لتعزيز العلاقات بين دولتيهما.

 شهدت تركيا منذ مجيء حزب العدالة والتنمية إصلاحات داخلية وخارجية شاملة، حيث تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تدشين الجمهورية التركية الثانية القائمة على قيادته القوية التي تتمتع بعناصر القوة المادية وغير المادية، حيث سعى أردوغان – منذ البداية- من وراء تلك الإصلاحات، أن تحتل تركيا مكانة مؤثرة في بيئتها الإقليمية والدولية. وفي سبيل تحقيق هذه الرؤية اصطدمت السياسة الخارجية التركية في عدة قضايا إقليمية ودولية مشتركة مع إدارة ترامب السابقة الذي فرض عقوبات اقتصادية على تركيا ولأسباب مختلفة هدد تركيا ذات يوم في تدمير اقتصادها، والإدارة الأمريكية الحالية التي لم تستقبل طيلة السنوات السابقة رجب طيب أدروغان في البيت الأبيض، وهذا مؤشر على التوتر الخفي أو المعلن في العلاقات الثنائية، بينما ترامب في إدارته السابقة استقبل أردوغان مرتين في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من التهنئة التركية الرسمية في عودة ترامب مجددًا إلى البيت الأبيض جاء تقرير الأكاديمية الوطنية للاستخبارات، التابعة للمخابرات التركية ومكوَّن من 50 صفحة، ليناقش انعكاسات فوزه ترامب في الانتخابات، وآثاره المحتملة على تركيا وعلى العالم. مما لاشك فيه، إن إصدار التقرير بعد بضعة أيام على انتخابات الرئاسة الأمريكية وبهذه السرعة، يعكس الاهتمام الذي كانت توليه الدولة التركية للانتخابات، والاحتمالات التي كانت تعمل عليها المراكز البحثية ذات الصلة والمرتبطة بدوائر صنع القرار، ومن غير المستبعد – بطبيعة الحال – أن يكون جزءٌ كبيرٌ من الورقة البحثية تم إنجازها قبل الانتخابات، ضمن تقدير موقف موسع في حال فوز أي من المرشحين، مع تضمينها النتائج في نهايتها عقب فوز ترامب.

كما أن خروج التقرير من مركز بحثي تابع لجهاز الاستخبارات التركية، يؤشر إلى أهمية المخرجات والتوصيات، لإمكانية الاستعانة بها في تخطيط ورسم السياسات التركية المستقبلية، بشأن التعامل مع إدارة ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة. في محاولة من التقرير لاستشراف الفرص المتاحة أمام تركيا، ففي مجال العلاقات الثنائية، يأمل التقرير أن يتم التغلب على القيود الأميركية الموضوعة ضد تركيا في مجال صناعة الدفاع، وإعادتها مرة أخرى إلى برنامج طائرات ” إف- 35″.

كما تأمل تركيا في توفير أساس مهم مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، لكن التقرير يقول إن ذلك سيتوقف على استمرار الدعم الذي يقدم من قبلها، لوحدات الحماية الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سوريا من عدمه، مع اعتراف التقرير بالدور الذي قد يلعبه الفريق المعاون لترامب في هذا الشأن، إضافة إلى أولويات السياسة الأميركية في الإقليم.

كما يؤكد التقرير أن نجاح ترامب في إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية – كما وعد في أثناء حملته الانتخابة- ، من شأنه أن يوفر فرصًا أمام الشركات التركية للمساهمة في إعادة إعمار أوكرانيا، ويمنح شركات الصناعات الدفاعية الفرصة في إعادة بناء وترميم الجيش الأوكراني.

أما على المستوى الإستراتيجي، فإن وقف الحرب يعني إعادة الهدوء إلى البحر الأسود، وإزالة المخاطر التي كانت تتهدده بسبب الحرب. فيما قلل التقرير من تداعيات توسع السيطرة الإقليمية لروسيا – حال توقف الحرب – بالسيطرة على شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، مرجعًا ذلك إلى الموقع الإستراتيجي لتركيا، وقدرتها البحرية كعضو فاعل في حلف الشمال الأطلسي “الناتو”. أيضًا من خلال سياسات ترامب التصعيدية المتوقعة تجاه الصين، واستخدامه أدوات، مثل: التعريفات الجمركية، والعقوبات، وقيود نقل التكنولوجيا، تأمل تركيا أن تتيح لها هذه الإجراءات فرصًا جديدة في سلاسل التوريد العالمية، ومجال الطاقة. ولكن هذه الفرصة الاستراتيجية لن تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية بالمجان لتركيا لابد أن يكون لها مقابل تحدده في حينها.

على الرغم من احتمالات حدوث تغيير إيجابي مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، إلّا أن تحسين العلاقات الأمريكية التركية لا يعني أن العلاقة بينهما ستعود إلى سابق عهدها، فالعلاقات التركية الأمريكية هي علاقات تحالف داخل منظومة حلف الشمال الأطلسي،  لكنها علاقات شراكة على المستوى الثنائي، فشتان بين التحالف والشراكة في العلاقات الدولية، ففي علاقة الشراكة هناك اتفاق واختلاف في قضايا ذات الاهتمام المشترك وهذا ما رسخته تركيا في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان.

خلاصة القول وبشكل عام سواء القادم إلى البيت الأبيض جمهوري أو ديمقراطي فإن العلاقات التركية ــ الأمريكية تحكمها الشراكة الاستراتيجية وليس التحالف والتطابق في القضايا التي تشكل محور اهتمامهما، فلم تكن علاقاتهما على مدى عقدين من الزمان تسير على خط مستقيم وإنما كانت خط متعرج كان في بعض الأوقات شديد الانحدار. . أما القول بأن الصداقة التي تجمع بين الرئيسين –  إذا كانت هناك حقا صداقة بينهما- ستذلل العقبات التي تواجه العلاقات التركية الأمريكية، نرى من الصعوبة بمكان التسليم بهذا الرأي فترامب هو الذي فرض عقوبات على تركيا في إدارته السابقة وهدد اقتصادها، فعلاقات الصداقة بين رؤساء في العلاقات الدولية قد يكون لها أهمية لكن أهميتها لا تطغى على المصالح العليا للدولة. فالكلمة الأخيرة في أي العلاقة تعزيز المصالح الوطنية. خلاصة القول قد تشكل ولاية  ترامب الثانية فرصا ومخاطر في العلاقات التركية الأمريكية

وحدة الدراسات التركية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية