هنأ الرئيس التركى رجب طيب أردوغان نظيره الأمريكى الجديد دونالد ترامب بعدما أظهرت المؤشرات الأولوية لنتائج التصويت كونه الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة فى ولاية ثانية غير متصلة، ولم يكتفِ أردوغان بدبلوماسية «إكس» التى يُفضلها ترامب، وإنما فضل أيضًا «دبلوماسية الهاتف» لينضم إلى قائمة الزعماء الذين أجروا اتصالات هاتفية مبكرة بالرئيس الأمريكى الجديد. وتراقب تركيا حاليًا عن كثب الوضع فى البيت الأبيض وأركان الإدارة الجديدة وسط تصريحات متفائلة، حيث تتطلع لأن تحمل إدارة ترامب أفقًا لإحراز تقدم بشأن موضوعات العلاقات الثنائية. وفى هذا الإطار، تناقش الورقة القضايا والملفات الرئيسية بين البلدين وتطلعات تركيا تجاه ترامب بعدما تعرّج سريعًا على الخبرة التركية مع ترامب خلال إدارته الأولى.
على مدى العقدين الماضيين، شهدت تركيا ما يعادل حدوث ثورة سياسية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قام ببناء “تركيا جديدة” قائمة على قيادته القوية والسعي الشعبي العلني إلى تمتع البلاد بمكانة القوة العظمى الإقليمية.وكان هذا التحول واضحاً في مجال السياسة الخارجية أيضاً. ففي حين أن المؤسس الحديث للبلاد مصطفى كمال أتاتورك وأتباعه في القرن العشرين روّجوا للتمتع بهوية أوروبية حصرية تتطلع إلى الداخل، سعى أردوغان إلى الاضطلاع بدورٍ أكثر تطلعاً إلى الخارج، عبر اعتناق الهويات المتعددة لتركيا كالهوية الأوروبية والشرق أوسطية والأوراسية وغيرها من الهويات. ومن الناحية العملية، يعني ذلك الترويج لتركيا كقوة قائمة بذاتها تعطي علناً الأولوية لمصالحها الخاصة على تحالفاتها الرسمية وغير الرسمية.
في تقرير مكوَّن من 50 صفحة، ناقشت الأكاديمية الوطنية للاستخبارات MIA التابعة للمخابرات التركية MIT، تأثيرات الفوز العريض الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وآثاره المحتملة على العالم، وتركيا بصفة خاصة. إن السرعة التي أُنجز بها التقرير، تعكس الاهتمام البالغ الذي كانت توليه تركيا للانتخابات، والسيناريوهات التي كانت تعمل عليها المراكز البحثية ذات الصلة والمرتبطة بدوائر صنع القرار، ومن غير المستبعد – بطبيعة الحال – أن يكون جزءٌ كبيرٌ من الورقة البحثية تم إنجازه قبل الاقتراع، ضمن تقدير موقف موسع في حال فوز أي من المرشحين، مع تضمينها النتائج في نهايتها عقب فوز ترامب.
كما أن خروج التقرير من مركز بحثي تابع لجهاز الاستخبارات، يؤشر إلى أهمية المخرجات والتوصيات، لإمكانية الاستعانة بها في تخطيط ورسم السياسات التركية المستقبلية، بشأن التعامل مع إدارة ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة.
في محاولة من التقرير لاستشراف الفرص المتاحة أمام تركيا، ففي مجال العلاقات الثنائية، يأمل التقرير أن يتم التغلب على القيود الأميركية الموضوعة ضد تركيا في مجال صناعة الدفاع، وإعادتها مرة أخرى إلى برنامج طائرات ” إف- 35″.
كما تأمل أنقرة في توفير أساس مهم مع واشنطن في مجال مكافحة الإرهاب، لكن التقرير يقول إن ذلك سيتوقف على استمرار الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة، لوحدات الحماية الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سوريا من عدمه، مع اعتراف التقرير بالدور الذي قد يلعبه الفريق المعاون لترامب في هذا الشأن، إضافة إلى أولويات السياسة الأميركية في الإقليم.
كما يؤكد التقرير أن نجاح ترامب في إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، سيخلق فرصًا أمام الشركات التركية للمساهمة في إعادة إعمار أوكرانيا، ويمنح شركات الصناعات الدفاعية الفرصة في إعادة بناء وترميم الجيش الأوكراني.
أما على المستوى الإستراتيجي، فإن وقف الحرب يعني إعادة الهدوء إلى البحر الأسود، وإزالة المخاطر التي كانت تتهدده بسبب الحرب. فيما قلل التقرير من تداعيات توسع السيطرة الإقليمية لروسيا – حال توقف الحرب – بالسيطرة على شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، مرجعًا ذلك إلى الموقع الإستراتيجي لتركيا، وقدرتها البحرية كعضو فاعل في حلف الناتو. أيضًا من خلال سياسات ترامب المتوقعة تجاه الصين، واستخدامه أدوات، مثل: التعريفات الجمركية، والعقوبات، وقيود نقل التكنولوجيا، تأمل تركيا أن تتيح لها هذه الإجراءات فرصًا جديدة في سلاسل التوريد العالمية، ومجال الطاقة.
ومع ذلك، لا يعنى هذا أن العلاقات التركية الأمريكية سارت على نهج إيجابى خلال ولاية ترامب الأولى فقد تميزت ببعض الفترات المتوترة للغاية بين الدولتين ولم يتمكن نهجهما من التغلب على الاختلافات البنيوية التى قوضت العلاقات لفترة طويلة؛ فهو الرئيس الأمريكى الذى فرض عقوبات على تركيا خمس مرات خلال أربع سنوات مما دفع اقتصادها إلى وضع أكثر صعوبة، مرتان بسبب قضية اعتقال القس الأمريكى برونسون، واثنان بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوى الروسية S-400 حيث اضطر للاستجابة إلى الكونجرس ذى الأغلبية الديمقراطية آنذاك لفرض عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا «كاستا» شملت إخراجها من برنامج تصنيع المقاتلات F-35، كما أن سياسات الحمائية التجارية التى يُفضلها ترامب ضمن نهج «أمريكا أولًا» أدت إلى إضعاف العلاقات التجارية نتيجة فرض واشنطن رسومًا جمركية على بعض المنتجات مثل الصلب والألمونيوم الأمر الذى خفض صادرات البلاد إلى الولايات المتحدة بنحو 20% خلال عامى 2018 و2019، علاوة على عدم اتخاذه أى خطوات لتسليم أعضاء منظمة فتح الله غولن فى الولايات المتحدة.
على الرغم من احتمالات حدوث تغيير إيجابي مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، إلّا أن تحسين العلاقات الأمريكية التركية لا يعني أن العلاقة بينهما ستعود إلى وضعها الأمثل، ولا يعني أن تركيا ستعود إلى كنف الولايات المتحدة الأمريكية. إن أفضل طريقة يمكن أن يتبعها المسؤولون الأمريكيون في الإدارة الجمهورية للتعامل مع تركيا الجديدة هي الاعتراف بأنها لن تتخلى عن الغرب، لكنها لن تنضم إلى محوره في الوقت نفسه. وعلى العكس من ذلك، إن تركيا في عهد أردوغان هي دولة متعددة الانحيازات تتخذ الموقف المريح لها حول أي قضية جيوسياسية، سواء كانت الحرب في أوكرانيا، أو الصراع في جنوب القوقاز، أو عدم الاستقرار في الشرق الأوسط من حيث موقفها من حرب إسرائيل على غزة ولبنان.
وبصفة عامة، سوف تظل العلاقات التركية ــ الأمريكية محكومة بمعادلة دقيقة فقد تعرضت العلاقات لاختبارات عديدة، ووصلت فى بعض الأحيان إلى أدنى مستوياتها دون أن تصل إلى نقطة اللا عودة، حيث لن يُدير البلدان خلافاتهما بنهج عدائى، كونهما حليفين ضمن حلف شمال الأطلسى.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية