تتصاعد حدة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني وتتأخذ أبعاد ميدانية استخبارية وإمكانيات تعبوبة لوجستية على الميدان، في وقت تبادل الجانبين التصريحات التي لا زالت تؤكد على المواجهة واستخدام جميع الوسائل والأساليب التي تساعد كلا الطرفين على تحقيق أهدافهما وفق الرؤية القتالية وزيادة زخم المعركة وتصعيد حالة التوتر والانتظار لما ستؤول اليه أوضاع المنطقة وما ستسفر عنه العمليات العسكرية فيما تبقى من قطاع غزة خاصة في منطقة رفح وانتظار النتائج التي ستعلن عن مدى وصول المفاوضات بين حركة حماس والجانب الإسرائيلي.
الأبعاد الحقيقية جاءت وفق الصورة التي رسمها الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله في خطابه الذي ألقاه يوم الأربعاء الموافق للسابع عشر من تموز 2024 بمناسبة استشهاد الامام الحسين عليه السلام والذي أكد فيه على المضي في إكمال العمليات العسكرية وتطويق جبهة القتال بوابل من الفعاليات التي تساهم في إضعاف القوات الإسرائيلية، وتعزيز الجانب التعبوي باستخدام الصواريخ الحديثة التي لم تستخدم بعد وبنوعيات جديدة لم تدخل الميدان بعد، وأن المقاتلين في حزبه على أتم الاستعداد لمواجهة آليات ودبابات القوات الإسرائيلية اذا ما حاولت الوصول للعمق اللبناني، طالبًا من عناصره الصبر والمطاولة.
وفي اليوم التالي وردًا على الخطاب قامت القوة الجوية الإسرائيلية بغارة استهدفت مبنى مكون من ثلاث طوابق، أدت العملية إلى مقتل القائد الميداني في وحدة الرضوان ( علي جعفر معتوق) ضمن قوات النخبة التابعة لحزب الله وستة من مرافقيه وجرح (18) آخرين في بلدة خربة سلم الواقعة جنوب لبنان، والهدف الإسرائيلي هو القيادي الذي حل محل علي أحمد حسين القائد الكبير في قوة الرضوان الخاصة التابعة للحركة والذي قتل في غارة للجيش الإسرائيلي في نيسان 2024.
وتشير الإحصاءات إلى أن تبادل إطلاق النار عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله تسبب في مقتل أكثر من 100 مدني و 300 من مقاتلي حزب الله في لبنان كما أدى إلى دمار في بلدات وقرى حدودية لبنانية، مع مقتل 18جندي إسرائيلي و19مدني.
أتبعت الأجهزة الإستخبارية والأمنية الإسرائيلية اسلوب المواجهة غير المباشرة واعتماد عمليات الاغتيال المنظم عبر المعلومات الميدانية والكشوفات الإستخبارية عبر المتابعات الأمنية وتحديد الأهداف القيادية باستهدافها في أماكنها أو عبر تنقلاتها
وتحقيق السبق الأمني في إضعاف القدرات القيادية والتأثير على معنويات المقاتلين الذين طلب منهم حسن نصرالله الصبر والمطاولة، وهي قد تكون البدايات الحقيقية للمواجهة المباشرة ومغادرة سياسة فك الاشتباك والتهئ لمعترك جديد وخطط ميدانية تستهدف العمق الإسرائيلي والقيام بعمليات خاصة على أهداف عسكرية ومقرات أمنية وسفن بحرية عبر القوة القتالية التابعة لوحدة الرضوان ثأرًا لقياداتهم التي استهدفت من قبل القوات الجوية الإسرائيلية وإعادة المعنويات للمقاتلين العاملين في تشكيلات حزب الله اللبناني.
ونرى أنه من الممكن وبدافع الوقوف مع قيادة حزب الله أن تنشط فعاليات باقي الفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والعاملة ضمن وحدة المساحات عبر القيام بعمليات نوعية تستهدف أماكن ومقرات لقوات التحالف الدولي والقطاعات الأمريكية في سوريا والعراق وتنشيط عمل الكتائب القتالية لجماعة الحوثيين في خليج عدن والبحر الأحمر وإمكانية العمل ضمن محور البحر العربي والتمكن من بعض الأهداف البحرية القريبة من مضيق هرمز والتأثير على حالة الأمن والاستقرار في منطقة مهمة تعنى بتوريد الطاقة للعالم وهي سواحل الخليج العربي.
وتتحدد هذه الفعاليات بنوعيها البري والبحري بمواجهات للفصائل القتالية فى سوريا والعراق واليمن والتي تسعى لتقديم إسناد ودعم كبير في الميدان وهذا الاحتمال يتوقف على طلب قيادة حزب الله اللبناني وفق الاستراتيجية القتالية التي يرغب في تصعيدها، ولكنه سيعمل على استبعاد أي تواجد للفصائل والمليشيات المسلحة الداعمة له في داخل الأراضي الجنوبية اللبنانية خشية من تكرار المشهد السوري عام 2011 وما تلاه من تعاظم لوجود المليشيات والأحداث الدامية التي رافقت الصراعات بين جميع الأطراف.
ان توجهات حزب الله قد احتاطت لكل الظروف وعملت على جميع المحاور في حال اندلاع المواجهة الحقيقية مع إسرائيل بتوجيه المليشيات العاملة في لواء فاطميون الأفغاني ولواء زينبيون الباكستاني المتواجدين فى الأراضى السورية والتابعين لفيلق القدس الإيرانى للقيام بعمليات تستهدف المدن داخل العمق الإسرائيلي أو عبر الفعاليات القتالية البرية، مع الأخذ بنظر الاعتبار بعدم موافقة النظام السوري على فتح جبهة الجولان للقتال المباشر ودعم حزب الله واتباع سياسة النأى بالنفس رغم الضغوط الإيرانية ومن بينها مطالبة طهران لدمشق بتسديد مبلغ (50) ملياردولار من الديون المترتبة عليها، إلا أن المسؤولين السوريين يحاولون الموازنة واتباع نمط في العلاقة بين إيران عبر الحفاظ على المكاسب التى حققتها سوريا في الآونة الأخيرة من إعادة علاقتها مع المنظومة العربية والابتعاد عن أي علاقة مباشرة مع محور المقاومة واعتماد مبدأ التعامل الميداني في تحقيق المنافع والمصالح التي تكسب النظام علاقة متينة مع الأقطار العربية.
وأما ما يتعلق بدور مليشيات حزب الله العراقي وحركة النجباء وكتائب سيد الشهداء فى إسناد حزب الله اللبنانى، فإن هذه القيادات سبق وأن أعلنت عن ابلاغ الحرس الثورى الإيرانى باستعدادهم للقتال بجانب حزب الله اللبناني عبر التصريح الذي أعلن فى 22 تموز 2024 باستعدادهما المشاركة إلى جانب حزب الله، فى حال موافقته،و مواجهة أي عدوان إسرائيلى محتمل على لبنان في حالة استمرار أمد الحرب واتساع نطاق المواجهة بين اسرائيل ومقاتلي حزب الله، وسبق وان توجهت قيادات من هذه المليشيات إلى لبنان في شهر آيار 2024 وبمسمى (المقاومة الإسلامية فى العراق) حيث تم تشكيل غرفة عمليات مشتركة أمنية واستخباراتية وعسكرية مع حزب الله، وفي حالة اندلاع أي مواجهة شاملة مع إسرائيل فمن المتوقع أن ترتفع وتيرة التنسيق العسكري المشترك.
وستكون هناك حملة واسعة من قبل الحوثيين في تصعيد العمليات العسكرية تجاه الأهداف البحرية والناقلات العابرة لخليج عدن والبحر الأحمر، وازدياد حدة وعدد ونوعية العمليات العسكرية للحوثيين فى منطقة جنوب البحر الأحمر لتشمل المزيد من القطع والسفن العسكرية.
أن اتساع نطاق المواجهات العسكرية وتنوعها وطبيعة الأهداف التي يسعى الطرفان إليها، فإن إسرائيل ستواجه العديد من العمليات وعلى كافة الاصعدة وستكون مدن ( تل أبيب وحيفا وأسدود) ضمن الأهداف الاستراتيجية لقيادات حزب الله الفصائل والمليشيات الداعمة لها في اليمن والعراق وسوريا، فهل سنكون أمام حرب إقليمية شاملة أم سيأخذ بنظر الاعتبار الأهداف السياسية والمكاسب والمنافع عبر الاستخدام الامثل من قبل إيران واستثمارها للفرص السياسية والعسكرية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، والعودة إلى سياسة الحفاظ على قواعد الاشتباك العسكرية التقليدية؟ هذا ما ستفصح عنه الأيام القادمة.
وحدة الدراسات الإقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتبجة