ساعات قليلة معدودة تفصلنا عن انتخابات الحسم في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، اقترب بها كل من المرشح الجمهوري دونالد ترمب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، من خط النهاية بعد أشهر طويلة من المواجهة الحادة والاتهامات المتبادلة والهجمات الشرسة. وتحوز الانتخابات الأميركية أنظار العالم بالنظر إلى تأثيرها على الدول، وخاصة في مناطق الصراع، وتبدو حتى الآن حظوظ المرشحين دونالد ترامب وكامالا هاريس متقاربة مع فوارق بسيطة، ما يجعل من الصعب الجزم بمن ستؤول إليه الغلبة.وبينما ستجذب الانتخابات الرئاسية والصراع على الولايات المتأرجحة الكثير من الأنظار، فإن استحقاقات انتخابية أخرى ستجرى في البلاد وسيكون لها أيضا الكثير من الأهمية. فالسباق الرئاسي سيجرى بالتزامن مع انتخابات لاختيار مشرعين وحكام ولايات وأعضاء في إدارات محلية. إذ سيكون على الناخبين الأمريكيين اختيار جميع أعضاء مجلس النواب ونحو ثلث أعضاء مجلس الشيوخ.تمثل الانتخابات الرئاسية لعام 2024 مواجهة مثيرة بين الرئيس السابق دونالد ترامب بوصفه مرشح الحزب الجمهوري، وكامالا هاريس نائبة الرئيس الحالي جو بادين بوصفها مرشحة الحزب الديمقراطي.لكن قائمة المرشحين لا تقتصر على ترامب وهاريس، فهناك عدد من المرشحين الذين لا يُعتقد أن لديهم فرصة حقيقية في المنافسة. فهناك الناشطة والطبيبة جيل ستاين مرشحة حزب الخضر التي تدعو إلى تبني استراتيجية على مستوى البلاد لمكافحة الاحتباس الحراري.كما يخوض الناشط شيس أوليفر الانتخابات مرشحا عن الحزب الليبرتاري ببرنامج يدعو إلى وقف الدعم العسكري لإسرائيل وأوكرانيا وإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية خارج البلاد. كذلك يطالب الأكاديمي والناشط المستقل كورنيل وست عبر برنامجه الانتخابي بتقليص الإنفاق العسكري بشكل كبير وتحمل الدولة تكاليف الرعاية الصحية. لكن يمكن القول أن الانتخبات الرئاسية الأمريكية مفتوحة على كل الاحتمالات.كانت خسارة الأحزاب الحاكمة أو الرؤساء الذين يخوضون انتخابات للفوز بولاية ثانية السمة الأبرز في أغلب الانتخابات التي جرت خلال العام الحالي. وفي بريطانيا فقد حزب المحافظين السلطة لصالح حزب العمال المعارض في الانتخابات التي جرت في يوليو الماضي، وقبلها خسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لأول مرة منذ انهيار نظام حكم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الأغلبية النيابية في الانتخابات التي أجريت في يونيو الماضي.ومنذ أسبوعين فقط خسر الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني الأغلبية في البرلمان، كما خسرت الأحزاب الثلاثة المشاركة في الائتلاف الحاكم بألمانيا الانتخابات في عدد من الولايات الألمانية المهمة في الشهر الماضي.فهل ستمضي الانتخابات الأميركية في نفس الاتجاه ويفقد الحزب الديمقراطي الحاكم رئاسة الولايات المتحدة؟ وفي تحليل نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي يقول جيمس إم ليندساي أستاذ العلوم السياسية الأميركي والنائب الأول لرئيس مجلس العلاقات الخارجية ومدير الدراسات وكرسي موريس آر جرينبرج في المجلس، إن من النظرة الأولى يمكن القول إن كامالا هاريس يمكن أن تغير هذا الاتجاه في الانتخابات العالمية. فالاقتصاد هو القضية الأولى لدى الناخبين.وفي حين تعاني اقتصادات بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وجنوب أفريقيا، يشهد الاقتصاد الأميركي حالة ازدهار واضحة. وفي الأسبوع الماضي أعلنت وزارة التجارة الأميركية نمو إجمالي الناتج المحلي الأميركي بنسبة 2.8 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي.كما اقترب معدل البطالة من أقل مستوياته. وارتفعت سوق الأسهم إلى مستوى قياسي، كما تراجع معدل التضخم. كل هذه المؤشرات تقول إن الاقتصاد الأميركي في حالة جيدة تاريخية. ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال المرموقة عنوانا يقول “الرئيس المقبل سيرث اقتصادا مميزا”. ورغم ذلك فالأميركيون يرون اقتصاد بلادهم هذه الفترة بشكل مختلف. تقول أغلبية كبيرة منهم في استطلاعات الرأي إن الاقتصاد في حالة سيئة. وتقول أغلبية كبيرة أيضا إن بلادهم تمضي في الاتجاه الخطأ. وهذا الإحباط الشعبي يساعد في تفسير سبب استمرار حدة التنافس في الانتخابات حتى قبيل التصويت الثلاثاء المقبل. فالجمهوريون يبدون واثقين من أن السباق المتقارب هو في الواقع خبر جيد لمرشحهم دونالد ترامب.وفيما يترقب الأميركيون، والعالم، نتيجة هذه الانتخابات، فإن هناك تخوّفاً من احتمالات التشكيك في نتيجتها، في ظل تحذيرات من تكرار سيناريو عام 2020، ورفض ترمب الاعتراف بالنتيجة. لكن الصحافي الاستقصائي مارك ألبرت يذكر بوجود ضمانات جديدة، أُقرّت بعد اقتحام «الكابيتول» في 6 يناير (كانون الثاني) 2021؛ إذ أقرّ الكونغرس قانون «تحسين الانتقال الرئاسي» الذي يُوضّح دور نائب الرئيس عندما يترأس جلسة الكونغرس المشتركة لعدّ الأصوات الانتخابية على أنه «دور إشرافي» بحت.غير أن مارك ألبرت يُحذر في الوقت نفسه من سيناريو مختلف، قائلاً: «ما قد نراه هو تغيير التركيز من محاولة الطعن في النتائج في الكونغرس، إلى التركيز على المجالس التشريعية للولايات والمجتمعات المحلية. ففي الأشهر الأربعة الأخيرة، تحدّثتُ إلى كثير من مديري الانتخابات القلقين من احتمال رفض السلطة المحلية التي تصادق على نتيجة الانتخابات بعد التحقق منها، المصادقة عليها، حينها ينبغي على حاكم الولاية أو أي جهة مسؤولة على مستوى الولاية التوّجه إلى المحكمة للحصول على قرار لفرض المصادقة، وهذا قد يطيل العملية».ولهذا السبب، يُعدّ داستن أولسن الشريك الإداري في شركة «America Plus» للاستطلاعات، والمستشار السابق في الحملات الانتخابية الجمهورية، أنه من الضروري «الحصول على فائز واضح جداً» في هذه الانتخابات، لتجنّب سيناريوهات من هذا النوع، مشيراً إلى أن النظام الأميركي غير مؤهل للتعامل بشكل جيد مع انتخابات متقاربة النتائج، فحينها سيكون من السهل جداً الحصول على مخالفات. ويضيف: «الأمر الذي يقلقني هو أن ينتهي الأمر بوجوب إعادة العد في الولايات مع تقارب النتائج فيها، ففي معظم الولايات، إذا كان الهامش أقل من نصف في المائة، فيجب أن يتم العد مجدداً تلقائياً. وحالياً، هناك عدد من الولايات التي تظهر نتائج ضمن هذا الهامش، وقد ينتهي بنا الأمر بمشاهدة استمرار السباق حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول)، وهذا ما سيؤثر سلباً على الجانبين ويدفعهما إلى الرد بقوة».وتعرب كريستي سيتزر المتحدثة السابقة باسم حملة المرشح الديمقراطي آل غور الرئاسية، عن قلقها من تكرار أحداث اقتحام «الكابيتول»، مذكرة بتصريحات ترمب ونائبه جاي دي فانس، حيث لم يتعهدا فيها بالاعتراف بنتائج الانتخابات، ما قد يولد «محاولات متعمدة للتخريب». وتضيف: «الأمر الآخر الذي يقلقني هو التشكيك لحد كافٍ في نتائج الانتخابات لكي تقوم المحكمة العليا بالنظر فيها بشكل استباقي بالنيابة عن دونالد ترمب». بالطبع، لا تهم نتائج انتخابات غدًا الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بل العالم كله، لذا فليس من المستغرب أن يناقش الكل في جميع أنحاء العالم كيف ستؤثر النتيجة عليهم. لقد سأل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي مراكز البحث والخبراء في أفريقيا والأميركيتين وأوروبا والشرق الأوسط عن آرائهم، وأظهرت ردودهم أن تقييمات تأثير الانتخابات تختلف باختلاف من يفوز والمنطقة أو البلد الذي يتم طرح السؤال فيه. خلاصة القول أن الطريق إلى البيت الأبيض قد تحسمه الولايات المتأرجحة التي باتت تعرف بأنها ” ميادين معارك” أساسية في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وحدة الدراسات الدولية