هل نحن على أعتاب مواجهة مقبلة في الشرق الأوسط تكون أولى الأزمات التي ستشغل الإدارة الأمريكية القادمة بقدوم الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟ وهل سيشكل تقرير محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنذارًا لإيران للعودة إلى الاستماع وتنفيذ ما طلبه رئيس الوكالة رافائيل غروسي في زيارته الأخيرة لطهران ولقائه مع الرئيس مسعود بزشكيان والاتفاق معه عن عدم زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60٪؟.
يأتي تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي سيقدم في الاجتماع الموسع الذي سيعقد في مقر منظمة الأمم المتحدة بالعاصمة النمساوية ( فينيا) هذا اليوم الحادي والعشرين من تشرين ثاني 2024، وبحضور (35) دولة يمثلون مفتشي ومحافظي الوكالة والذي أعده المختصين في الوكالة المتعلق بمتابعة الأنشطة العلمية النووية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، والذي يشير إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب تجاوز (32) عن الحد المتفق عليه في اتفاقية البرنامج النووي الموقعة مع إيران ودول (5+1) عام 2015.
ويحتوي التقرير على مادتين مهمتين تتحدث عن ارتفاع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة بنحو 17.6 كيلوغرام منذ التقرير السابق الذي اعد في حزيران 2024 ليصل إلى 182.3 كيلوغرام حتى يوم 26 تشرين الأول 2024 ، وهو ما يكفي لصنع أربعة أسلحة ذات طابع نووي وفقًا لهذه المعايير.
والأمر الآخر الذي يشير اليه التقرير أن إيران وافقت على النظر في السماح لأربعة (مفتشين ذوي خبرة) بالعمل في إيران بعد أن منعت معظم مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين لديهم خبرة في التخصيب العام الماضي، وترى الوكالة بأنه يشكل (ضربة خطيرة للغاية) لعدم قدرتها على القيام بعملها على النحو اللائق في إيران.
وامتناع الوكالة الوطنية الإيرانية للطاقة الذرية عن الإجابة حول وجود جزيئات من اليورانيوم المخصب تم الكشف عنهم في موقعين غير معلنين، وعدم الابلاغ عن أماكن المواد النووية أو المعدات الملوثة.
وهذا ما يؤكد عدم استجابة إيران للضمانات التي قدمها المسؤولين لرئيس الوكالة رافائيل غروسي بسلمية البرنامج النووي الإيراني، واستمرارها في تحديها للمجتمع الدولي ورفضها التوقف عن تخصيب اليورانيوم للنسب التي تم تعيينها والاتفاق عليها والاتجاه نحو نسب تقترب من مستويات تضمن لها تصنيع أسلحة ومعدات نووية تخدم مشروعها السياسي وأهدافها وغايتهما في التمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
وسيناقش اجتماع الوكالة تأثير واستمرار الأنشطة النووية الإيرانية ومخزونها من اليورانيوم المخصب الذي يُقدر ب(6604.4) كغم بزيادة (852،6) كغم عن التقرير الفصلي لشهر آب 2024.
ويشكل تقرير محافظي الوكالة أدانة دولية لإيران في عدم تعاونها واستجابتها لكل المحاور والنقاشات التي تمت في الزيارة الأخيرة لرئيس الوكالة، وتمسكها بسياسة التعنت والتسويف التي لا زالت عنوان يمثل السلوك الميداني الذي تتبعه مؤسسة الحرس الثوري وقياداتها في السعي لاستخدام السلاح النووي كحالة ردع في المنطقة وتنفيذ أهدافها ودعم تشكيلاتها وفصائلها المسلحة والتمسك بمبدأ القوة المعاكسة.
وضمن سياسية إيران في التعنت وعدم الجدية والالتزام ومحاولة إخفاء الحقائق الميدانية، جاء رفضها وانتقادها لقرار الدول الأوربية ( ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بتقديم القرار إلى اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية واعتبرته خروج صريح عن الأجواء الإيجابية التي تتمثل في التعامل بين الوكالة وإيران.
تخشى إيران أن يساهم التقرير وموافقة مجلس الوكالة عليه في إضعاف موقفها أمام إدارة الرئيس ترامب ويحدث أزمة سياسية تحاول استبعادها وعدم مواجهة واشنطن في أول مهام استلام للادارة الجديدة، كما أنها ترى أن فرص إحياء الاتفاق النووي في عهد ترامب قد تكون ضئيلة، وأن الدول الأوروبية قد تتجه إلى تفعيل آلية (السناب باك) بعد تشرين الأول 2025، وهو ما يعيد عملية فرض عقوبات سياسية واقتصادية دولية عليها، وأن تقرير الوكالة الدولية تزامن مع زيادة التوجهات العسكرية الإسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في المنطقة.
أن طبيعة العلاقة بين إيران والوكالة الدولية لا تحددها المؤسسة السياسية التي يشرف عليها الرئيس الإيراني وإنما الأهداف والغايات التي تتمسك بها القيادات العسكرية والأمنية لفيلق القدس والحرس الثوري في احتواء العمليات التي تساهم في توسيع خطوات البرنامج النووي بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم ومخزونها من أجهزة الطرد المركزي، للدفع باتجاه تحصين مشروعها السياسي واستمرار دعم الفعاليات العسكرية لفصائلها المسلحة والمتحالفة معها، واستخدام عملية التطور في البرنامج النووي ليكمل مسيرة النهج العسكري والسياسة الأمنية في برنامجي الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية