هذا هو في الحقيقة السؤال الذي يتردد في الداخل والخارج، أي خارج المنطقة العربية بأسرها، أي بعد خمس سنوات من «الربيع العربي»: ما النتيجة؟ في الحقيقة أيضاً هناك مسألة منهجية في إعطاء إجابة على هذا السؤال.
فالمنطقة العربية تضرب بأعماقها في تاريخ طويل، وبالتالي تكون الخمس سنوات هذه فترة قصيرة جداً لإصدار حكم قاطع، وهذا فعلاً صحيح مئة في المئة، فالمنطقة العربية لا تزال تمر بتحولات سريعة الخطى – من اليمن إلى ليبيا أو سوريا أو حتى مصر وتونس، ولذلك محاولة إصدار حكم نهائي هو كمن يحاول التصويب على طائر يمرق في السماء العالية.
ومع ذلك فإن رجل الشارع وأيضاً بعض أجهزة الإعلام يُصران على الحصول على كشف حساب ولو مؤقت، وهو منطقي، ولكن حتى في هذه الحالة يجب أن يرتكز هذا الحكم المؤقت على بيانات محددة ويحترم القواعد العلمية، فكيف نقوم بهذا لإعطاء إجابة سليمة؟
استخدمت أربعة مؤشرات محددة لقياس تطور دول «الربيع العربي» خلال الخمس سنوات الماضية، هذه الدول هي: تونس، مصر، ليبيا، سوريا واليمن. أما المؤشرات الأربعة فهي: مقياس التنمية البشرية، مقياس الحوكمة أو ضعفها، مقياس الصراع الداخلي، ثم مقياس الدولة الهشة أو الفاشلة. وللوصول إلى رأي واضح عن تأثير الربيع العربي فقد تم تجميع البيانات منذ سنة 2010، أي قبل حدوث هذه الاحتجاجات بعام على الأقل. ما النتيجة؟ كل هذه الدول تدهورت وعلى جميع المستويات: من الاقتصاد إلى السياسة، ومن تفكك المجتمع إلى تحلل أجهزة الدولة، ولكن بالطبع درجات مختلفة طبقاً للدول. فبالرغم من وجود اغتيالات وتهديد للسياح في كل من مصر وتونس، فهناك حالة استقرار نسبي، أي مقارنة بالثلاث دول الأخرى: ليبيا، سوريا واليمن التي تحاول الدولة أن تُثبت وجودها، وحتى هناك مجلسان للنواب في ليبيا. كشف الحساب المؤقت إذن سلبي وفي منتهى السلبية.
أوضح وأكثر الإحصائيات قسوة هو ما توصل إليه المنتدى الإستراتيجي العربي في دورته السنوية السابعة في دبي في منتصف ديسمبر؛ فمن الناحية المالية بلغت خسائر الربيع العربي 833,7 مليار دولار بما فيها تكاليف بناء البنية التحتية، كما فقدت الدول العربية أكثر من 155 مليون سائح خلال الخمس سنوات و103 ملايين من القتلى أو المصابين وكذلك حوالي 14 مليوناً من اللاجئين أو النازحين.
ويبدو أن المشكلة ليست فقط الحاضر ولكن المستقبل أيضاً، فمثلاً حوالي 2,7 مليون طفل تركوا الدراسة في سوريا وبالتالي يفقدون الفرصة الكبيرة في التعليم وكسب قوت عيشهم، كما أنه لو حتى توقفت الحرب الأهلية الآن في سوريا، ليبيا أو اليمن، فلا يمكن إعادة الموتى إلى الحياة أو تعويض المصابين عما عانوه في حياتهم، هؤلاء سيعيشون بقية حياتهم في أزمة نفسية ستؤثر بالتأكيد على مجتمعاتهم ومسيرتها.
بالرغم من وضوح الإحصائيات، فإننا يجب أن نذهب أبعد من الأرقام لنثير سؤالاً مهماً مؤداه: هل كان «الربيع العربي» سبباً في الأزمة أم انعكاساً لها؟ الشرارة بدأت عندما أحرق محمد بوعزيزي نفسه في الجنوب التونسي، وأحرق نفسه لأنه كخريج جامعي لم يجد عملاً لكسب معيشته إلا أن يكون بائعاً متجولاً للفاكهة والخضروات، وحتى لم يُسمح له بهذا، فتمت إهانته بواسطة الشرطية واستمرت الإهانة داخل قسم الشرطة. أصبح محمد بوعزيزي إذن الشرارة – مجازاً وحرفياً – التي ألهبت الشارع في بعض الجمهوريات العربية، لأنها وجدت لها صدى كبيراً بين ملايين الشباب الذي لا يجد عملاً، بينما الكثيرون من أعضاء النخبة الحاكمة يعيشون في ثراء فاحش، وبعض هذا الثراء عن طريق الفساد، وأكثر من ذلك فهم يجهزون أولادهم لوراثة الحكم، كما فعل حافظ الأسد مع ابنه بشار، حتى ولو تطلب هذا تغيير الدستور لتمكينه من خلافة أبيه.. لم تكن هذه البلاد جمهوريات إلا بالاسم فقط، ولذلك أسماها بعضنا جملوكيات، وحتى لم تحاول هذه الجملوكيات مواجهة المشاكل وفي مقدمتها بطالة الشباب، فخرج الشباب إلى الشارع دون برنامج أو إعداد في فورة غضب وانتشرت الفوضى، ولكننا في كل هذا نركز على النتائج دون الأسباب.
د.بهجت قرني
صحيفة الاتحاد