كائناً من كان قاتل مصطفى بدر الدين، القائد العسكري في «حزب الله» اللبناني، فالمؤكد أن الرجل سقط على أرض سوريا، وأن من الصعب فصل سقوطه عن تورّط حزبه منذ سنوات في النزاع السوري، إلى جانب بشار الأسد وضد أكثرية السوريين. هذا ما يبقى في النهاية وما يرسخ، بغضّ النظر عن تعدد الروايات والتكهنات التي اتصلت بمقتله.
بهذا يضاف بدر الدين إلى سمير القنطار وإلى جهاد عماد مغنية وقادة آخرين قضوا في سوريا. لكنه يضاف أيضاً إلى قتلى من «حزب الله» بات يُقدر عددهم بما لا يقل عن 1600 عنصر مقاتل قضوا أيضاً هناك، بعضهم في سنوات المراهقة الأولى.
وما يزيد البؤس بؤساً، والألم ألماً، أن الحزب المذكور لا يقاتل في بلده نفسه، ولكنه أيضاً لا يقاتل كدولة غازية لدولة أخرى، بل كطرف ملحق بدولة غازية هي إيران. ومعنى ذلك أنه حتى لو انتصر الحلف الذي ينتمي «حزب الله» إليه، فإنه لن يكون طرفاً أساسياً في المغانم والمكاسب التي تنجم عن النصر. فهو قد يدفع الغرم أكثر مما يفعل أي حليف آخر له، أما حين يصل الأمر إلى الغنم فإن غيره سيكون من يقطف الثمرة. وهذا ناهيك عن أن سواه من يضع الخطط فيما هو الطرف الذي ينفذ بأجساد شبانه الصغار وأرواحهم. بل ليس من المستبعد، والحال على ما هي عليه، أن تصل بنا الأمور إلى وضع يكون «حزب الله» فيه ورقة يطرحها حلفاؤه الكبار على طاولة المقايضات الإقليمية والدولية حين يحين أوان ذلك. وهو احتمال ليس مستبعداً، بل تعززه علاقات التنسيق النامية والمتطورة بين كل من روسيا وإسرائيل، ورفض الأخيرة على نحو مطلق أن يكون لهذا الحزب أي حضور على جبهتها الشمالية الشرقية مع سوريا.
وهذا كله يجيز القول إن «حزب الله» إنما يقدم خدمة مجانية لمصلحة إيران وبشار الأسد. ولكنْ بما أن الكلفة باتت باهظة جداً، بات التساؤل وارداً عن الوجهة المستقبلية لهذا الحزب: فإذا صح أنه لا يستطيع أن يرد لإيران طلباً، وهي التي أنشأته وموّلته وسلحته، بقي أن طاقة البيئة الشيعية اللبنانية على التحمل، وهي التي يُقتل شبانها في سوريا، قد لا تبقى طويلاً مضمونة.
ولا بأس بتسمية الأمور بأسمائها حتى لو بدا ذلك غير مستحب لدى من ينكرون البُعد الطائفي للصراع الدائر. ذاك أن رفضنا هذا البعد واحتجاجنا عليه لا يلغيان ضرورة الإقرار بوجوده وفعاليته.
فالمحنة التي يواجهها «حزب الله» من جراء دوره في سوريا لا تنفصل عن توازنات القوى المذهبية والطائفية القائمة، وعن استحالة تغييرها بالقوة. وإذا أضفنا محنة أكبر باتت تعانيها الطائفة العلوية في سوريا، حيث أدى الصراع إلى مقتل أعداد هائلة من شبانها ويافعيها، بات في وسعنا القول إن ثمة مشروعاً انتحارياً يدفع علي خامنئي وبشار الأسد شبان الأقليات إليه، بما يحرقهم في أتون مطامحهما من دون أن يظهر أي أفق يحمل لهم الأمل والتفاؤل.
وما بين توازنات القوى المذهبية والطائفية، والعجز عن استثمار النتائج أو حتى التحكم بها، سيتكاثر الدم والخراب، كما سيتضح كم أن زعم تحرير الأقليات بالطريقة هذه مكلف وكارثي على الأقليات نفسها، قبل أن يكون كارثياً على الآخرين. فإذا صح أن ثمة أزمة عميقة يواجهها الاجتماع الوطني في بعض البلدان العربية، فالصحيح أيضاً أن ما يجري، بما فيه من توظيف إيراني وأسدي لدماء الضحايا، ليس الطريقة الفضلى لحل هذه الأزمة.
حازم صاغية
صحيفة الاتحاد