تستمر تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ذلك الحدث الزلزالي، سواء على الصعيدين الداخلي في المملكة المتحدة نفسها أم في أوروبا، والعالم ككل. وأبرزها التصدع داخل المملكة المتحدة نفسها التي تواجه خطر التفكك بين وحداتها المتنافرة -إنجلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية- وخاصة أن اسكتلندا وويلز وحتى العاصمة لندن كلها صوتت بقوة للبقاء في الاتحاد الأوروبي. وكذلك صوت الشباب وسكان المدن الكبيرة للبقاء، مقابل تصويت إنجلترا وكبار السن للخروج من الاتحاد. وهناك مطالبات واضحة خاصة من اسكتلندا بإجراء استفتاء ثانٍ للانفصال عن المملكة المتحدة، والبقاء في الاتحاد الأوروبي كدولة مستقلة، وفي الذهن الآن أن استفتاء سبتمبر 2014 للانفصال فشل بفارق ضئيل. وهناك نزعة واضحة نحو المزيد من الاستقلالية. وقد يبرز ذلك أيضاً في إيرلندا الشمالية. وحتى في ويلز المنتشية الآن بعد تحقيق انتصار كبير وغير متوقع في تصفيات كأس أوروبا 2016 بهزيمتها لمنتخب بلجيكا الذي يحمل التصنيف الثاني عالمياً.. وسط صيحات: ويلز.. ويلز.. ويلز. وهو مما قد يعزز النزعة الانفصالية وخاصة بعد أن خرج منتخب إنجلترا من البطولة مبكراً، على وقع خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي أيضاً.
وكذلك يتفاعل زلزال نتيجة استفتاء خروج المملكة المتحدة داخلياً حيث زادت بشكل مطرد جرائم العداء ضد المسلمين والأقليات والمهاجرين بنسبة 400% خلال الأسبوع الأول بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، ويشمل ذلك أيضاً حتى الجاليات الأوروبية كالبولنديين والمجريين. ويتفاقم مدُّ أنصار الدعوة للانغلاق والتقوقع ورفض الانفتاح والعولمة وفتح الحدود. وقد انعكست تداعيات الخروج على الوضع الاقتصادي والاستثماري بانخفاض الثقة في أسواق المملكة المتحدة بخفض قيمة الجنيه الاسترليني وخفض التصنيف المالي بعيد المدى منAAA إلى AA. وتم تخفيض تصنيف الاتحاد الأوروبي نفسه لتصنيف المملكة المتحدة ذاته. والسؤال الآن: كيف ينعكس ذلك على التحالفات والمنظمات الإقليمية، وفكرة الاندماج داخل تلك المنظمات، كحالة مجلس التعاون لدول الخليج العربية؟ قد تكون لاستفتاء خروج المملكة المتحدة انعكاسات على دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الدعوة لتحول المجلس من مرحلة التعاون إلى مرحلة التكامل، وصولًا للاتحاد الخليجي. كما أن من دلالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إعادة النظر أيضاً في فكرة الاندماج على المدى البعيد، وانتهاج سياسة خارجية وأمنية خليجية بمقاربتين، مقاربة مع الاتحاد الأوروبي الذي قد لا يبقى موحداً في التعامل مع الأزمات التي تجتاح الشرق الأوسط، وخاصة حول سوريا وعملية السلام وملفات العراق وإيران واليمن والأمن الخليجي وأزمات اللاجئين والمهاجرين، حيث قد نشهد المزيد من عدم الحسم والتراجع الأوروبي في التعامل مع تلك الملفات والأزمات. وستكون هناك مقاربة خليجية أمنية وسياسية ثانية مع بريطانيا لأنها ستكون خارج الترتيبات الأمنية والعسكرية الأوروبية. وبوجود حكومة المحافظين ستستمر قوة التواصل الخليجي- البريطاني، وخاصة مع صعود الدور البريطاني العسكري، والمساهمة في الحرب على الإرهاب، وصفقات الأسلحة مع دول المجلس. ومن المرجح أن نشهد المزيد من التنسيق والتقارب الأمني والعسكري البريطاني- الأميركي لتعويض الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبشكل عام لن تتغير سياسة ومقاربة بريطانيا تجاه الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون. ولكن قد تشهد المفاوضات المستمرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي حول اتفاقية التجارة الحرة التي يعرقلها الجانب الأوروبي منذ عشرين عاماً، بعض التعقيد. كما أنه على رغم حالة عدم اليقين بشأن الملاءة المالية للمملكة المتحدة والقلق حول استثمارات دول مجلس التعاون التي تتجاوز 200 مليار دولار في أكبر سوق استثماري أوروبي، وواحد من الأكبر في العالم، إلا أنه لا يُتوقع أيضاً أن نشهد هجرة رؤوس الأموال الخليجية الحكومية والخاصة وحتى استثمارات الأفراد وشراء العقارات والعلاج والسياحة في بريطانيا، بسبب العلاقة التاريخية والثقافية الطويلة بين مواطني ودول مجلس التعاون وبريطانيا.
وقد يكون تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على دول مجلس التعاون مقتصراً في المدى القصير على سرعة الاندماج والتكامل في المجلس. وذلك للحاجة إلى التصدي لحزمة للتهديدات من الدول ومن غير الدول، واحتواء إيران ومشروعها، وتعويض التراجع الأميركي الذي سيكون نهج الإدارات الأميركية القادمة وليس حِكراً على إدارة الرئيس أوباما وحدها.
عبدالله خليفة الشايجي
صحيفة الاتحاد