إنه لمن السخرية أن تقوم الولايات المتحدة بقتل 62 رجلاً من القوات السورية، عن طريق الخطأ، عوض إصابة تنظيم الدولة.
لقد كانت القوات السورية متواجدة بالقرب من شرق مدينة دير الزور، أين وقعت أربع غارات جوية يوم السبت، التي كانت منطقة عازلة بين مواطني المنطقة والجماعة الإرهابية. فإذا قامت قوات التحالف بقصف القوات السورية، فإن هذا سيؤدي بهم إلى التراجع وهو ما يعطي فرصة لإنتقال تنظيم الدولة إلى مدينة رئيسية في شرق سوريا.
وقام تنظيم الدولة خلال الأشهر الأخيرة بزيادة حملاته العدوانية على المدينة ووضع قوة الحكومة السورية في موقف دفاعي. وضل المطار تحت سيطرة الحكومة السورية بالرغم من الغارات التي شنها تنظيم الدولة عليه.
وقال مسؤول عسكري لصحيفة ذي ديلي بيست أن القيادة المركزية الأمريكية استنتجت أن هذا الهجوم كان خطأ وهي تعمل الأن على معرفة أسباب هذا الخطأ.
وجاءت التداعيات بسرعة حيث أفادت التقارير مساء يوم السبت أن مسؤولين أمريكيين أفادوا بأن الروس يرفضون الاعتراف بهذا الخطأ ملقين اللوم على الطرف الأمريكي. ودعت روسيا لعقد جلسة عاجلة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ليلة السبت.
ونظر أخرون إلى الهجمة على أنها تؤكد أن الولايات المتحدة صنعت تنظيم الدولة وأنها الأن تقوم بغارات بالنيابة عنه.
وقالت قناة سما السورية، التابعة للنظام السوري، أن هذه الهجمات تؤكد أن الولايات المتحدة تدعم بوضوح إرهاب تنظيم الدولة.
وقال مسؤول القيادة المركزية الأمريكية أنه كان هنالك سيارات ودبابات تابعة لتنظيم الدولة مع تواجد بعض الناس المشكوك في انتمائهم إلى هذا التنظيم.
وفي بيان صادر عن القيادة المركزية الأمريكية، وهي المسؤولة عن الجهود الأميركية في سوريا، قال مسؤولون أمريكيون أنهم كانوا “يتتبعون” ما يشتبه في إنتمائهم إلى تنظيم الدولة لمدة طويلة قبل الهجوم.
ووفقا لبيان القيادة المركزية الأمريكية، فقد كانت روسيا أول من نبّه الولايات المتحدة بهذا الخطأ، وهو ما دفعها لإلغاء هجومها، والاعتراف بأنها كانت المسؤولة عن الهجوم حول المطار.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيغور كوناشنكوف، مساء السبت أن الولايات المتحدة قامت بأربع غارات قرب مطار دير الزور عند الساعة الخامسة، بالتوقيت المحلي، بإستعمال طائرتان من طراز F-16S واثنين من طراز A-10S وقتلت القوات السورية.
وقالت القيادة المركزية الأمريكية في بيانها أن الغارة الجوية التي قام بها التحالف توقفت عندما أبلغ مسؤولي التحالف من قبل المسؤولين الروس أنه من الممكن أن يكون الأفراد والمركبات المستهدفة جزءا من الجيش السوري.
وقبل أن يتمكن أي من الجانبين من تأكيد ما حدث بالضبط، بدأ المقاتلون في الحرب السورية بالتمركز حول الحادثة. وقالت روسيا، التي كانت أول من أبلغ عن الهجوم، أن هذا الخطأ أظهر لماذا من المهم جدا بالنسبة للولايات المتحدة التنسيق مع الحليف الأكبر للأسد.
وبالرغم من أن الولايات المتحدة قالت أنها أبلغت روسيا عن الغارة، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية أنه كان من الممكن تجنب هذه الحوادث لو قامت الولايات المتحدة وروسيا بتنسيق هجماتهما على سوريا. ولكن تبقى المدة الزمنية بين إبلاغ الولايات المتحدة لروسيا وتراجع القوات الحربية غير واضحة. وأضاف كوناشينكوف: “إذا نفذت هذه الهجمات نتيجة لخطأ في التنسيق، فسيكون ذلك بسبب الأمريكيين الذين يواصلون رفضهم التنسيق مع روسيا بشأن الإجراءات ضد الجماعات الإرهابية في سوريا”.
ويؤكد هذا الهجوم على أن الولايات المتحدة لا تدرك ما يجب القيام به في سوريا. ومن وجهة نظر تكتيكية، من الممكن القول أن الهجوم، الذي إستفاد منه تنظيم الدولة، وضع الجيش السوري في موقف دفاعي مؤقتا حتى يتمكنوا من تحديد دوافع الولايات المتحدة من وراء الهجوم.
وتبقى مدينة دير الزور مألوفة للولايات المتحدة فقد قامت بعشرات الغارات الدقيقة حول المدينة، واستهداف مناطق تابعة لتنظيم الدولة وكان من المفترض أن تعرف المدينة جيداً.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة أجرت غارة في مايو/ أيار 2015 في المنطقة التي قتل فيها أحد كبار ممولي التنظيم الملقب بأبي سياف.
وأشار كوناشنكوف أن مسؤولين سوريويين كانوا قد أبلغوا الروس بإصابة 100 جندي سوري آخر على الأقل.
وكانت قوات التحالف التى تقودها الولايات المتحدة قد قامت بغارات على أهداف خاطئة في كثير من الأحيان مما أدى إلى نتائج كارثية. واعترف البنتاغون في يناير/كانون الثاني بقصف المدنيين في 14 مناسبة على الأقل. وفي يوليو/ تموز، قتل أكثر من 60 شخصاً شمال سوريا في غارة جوية ضربت أهدافاً بعيداً عن هدفها الأصلي.
وكادت الولايات المتحدة تضرب حلفائها حيث كانت قريبة من قصف قوات المتمردين، التي تقوم بدعمهم، عندما استهدفت قوات تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. وإعتبر نظام الأسد أن الهجوم لم يكن حادثا ودعته دمشق بأنه “عدوان خطير وفاضح“.
وقد دخلت الولايات المتحدة وروسيا، يوم الاثنين الماضي، في إتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى مدن كثيرة مثل حلب، إلا أن الإتفاق لا ينطبق على الضربات التي تستهدف تنظيم الدولة.
فكيف سيؤثر هذا الهجوم على الإتفاق الذي يحمل في طياته تساؤلاتٍ كثيرة؟
نانسي يوسف
المصدر: ذا ديلي بيست
نقلا عن موقع نون بوست