عرض العبور من سورية إلى لبنان مساء يوم الثلاثاء الماضي مثالاً على التناقض الدرامي للطرق التي ينظر بها العالم إلى انتخاب دونالد ترامب.
على طاولة فحص جوازات السفر، أضاء وجه ضابط السوري عندما رآى مسافراً أميركياً. وقال له هاتفاً، وهو يشير بيده رافعاً الإبهام إلى أعلى: “تهانينا لكم على رئيسكم الجديد!”، وأضاف أن السيد ترامب: “سيكون جيدا بالنسبة لسورية”.
وقد ردد هذا الضابط وجهة العديد من مؤيدي الرئيس السوري، بشار الأسد، الذين أعربوا عن سعادتهم بالرئيس المنتخب، معتقدين أنه سيغير واقع الحال؛ حيث سيتخلى عن دعم معارضي الرئيس الأسد في الحرب الأهلية السورية، وسيحتضن دمشق وحليفتها موسكو.
في الشرق الأوسط، كما في أماكن أخرى في جميع أنحاء العالم، تسبب فوز السيد ترامب المفاجئ بالصدمة للكثير من الناس. لكن قدوم شاغل جديد إلى المكتب البيضاوي يمكن أن يؤدي إلى إعادة ترتيب كبيرة للانخراط الأميركي في منطقة معقدة مثل الشرق الأوسط. وتأمل المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، في أن يتخذ السيد ترامب موقفاً متشدداً ضد إيران. وترى مصر رجلاً يمكن القيام بالأعمال معه، والذي لن يمارس المماحكة في شأن حقوق الإنسان.
كقائد عام، سوف يكون على السيد ترامب تلمس الطريق وسط العديد من المشاكل نفسها التي كان الرئيس أوباما قد ناضل معها في هذه المنطقة، من انهيار مؤسسات الدولة إلى الحروب الأهلية المستعرة، إلى الجماعات الجهادية التي تتسبب بعنف هائل.
وبما أن الفوضى التي سادت المنطقة منحت الكثيرين في المنطقة احتراماً معيناً للرجال الأقوياء، أصبح العديد من قادة الشرق الأوسط يأملون الآن في أن يقوم السيد ترامب، كرئيس، بتحويل الأمور لصالحهم.
تبدو بعض من خطط السيد ترامب للمنطقة وكأنها تتعارض مع بعضها البعض، مثل اقتراح إنشاء منطقة آمنة للمدنيين في سورية، في حين يتعهد بالعمل مع روسيا -التي تقصف المدنيين السوريين. ومع ذلك، يبدو ترامب ملتزماً بإجباء تغييرين سياسيين رئيسيين: العمل مع روسيا ضد جهاديي “داعش”، والتراجع عن الاتفاق النووي مع إيران.
وسوف تكون كلتا الخطوتين افتراقاً كبيراً عن سياسات أوباما، الذي تميزت ولايته بتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها التاريخيين في المنطقة، مثل إسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية. لكن من غير الواضح ما إذا كانت المبادرات الجديدة سوف تتمكن من إصلاح الضرر.
تندر جمال خاشقجي، الصحفي السعودي البارز، فقال مازحاً إن شخصاً في الرياض طلب من الله بعد لقاء مع السيد أوباما إحداث تغيير في البيت الأبيض، “فأجاب الله دعاءه، حرفياً”، كما قال السيد خاشقجي الذي أضاف أن القليلين في المنطقة يعرفون ما الذي يمكن أن يتوقعوه من السيد ترامب.
بالنسبة للسعودية، كما قال السيد خاشقجي، اقترح السيد ترامب أن عليها أن تدفع مقابل الضمانات الأمنية الأميركية، لكنه يمكن أن يختار أيضاً وضع مسألة العمل أولاً فيقوم بتعزيز التعاون الاقتصادي. وأضاف: “يجب أن يوضح وجهات نظره الآن بعد أن أصبح الرئيس حتى يتسنى لنا أن نعرف كيفية التعامل معه”.
في منطقة ما تزال متأثرة بتداعيات الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، يخشى الكثيرون من احتمال أن تمهد لغة السيد ترامب الحربية في غالب الأحيان الطريق لمزيد من التدخل العسكري الأميركي أو الاحتلال. وكان ثناؤه على ممارسة محاكاة الغرق في تعذيب المعتقلين قد ذكَّر العديدين بالتجاوزات والانتهاكات الإنسانية في معتقل غوانتانامو.
في حديث له أمام تجمع انتخابي في العام الماضي، والذي تضمن خطته لهزيمة “داعش”، تعهد السيد ترامب -باستخدام كلمة بذيئة- بقصف المجموعة ونسفها. ثم قال بعد ذلك إنه سيطلب من شركات النفط الدولية إعادة بناء البنية التحتية النفطية التي استخدمها الجهاديون “وسوف أطوقها، وسوف آخذ النفط”.
وفي حديث له في الأمم المتحدة يوم الأربعاء، قال السفير العراقي محمد علي الحكيم إنه يأمل في أن تظل الحملة ضد الإرهاب من أولويات الرئيس الجديد المنتخب، على الرغم من أنه لا يعرف ما يمكن أن يفعل السيد ترامب بالضبط. وأضاف: “لا توجد حتى الآن سياسة واضحة”.
ورفض الحكيم إعلان السيد ترامب أن الولايات المتحدة ينبغي أن تأخذ نفط العراق، مضيفاً أن لدى الولايات المتحدة نفطا أكثر مما لدى العراق. وقال: “نحن نتطلع إلى العمل مع الإدارة الجديدة”.
وقال باسل صلوخ، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، إن العالم العربي حمل منذ وقت طويل صورتين متعارضتين للولايات المتحدة، واحدة كحامل معياري للديمقراطية وحقوق الإنسان، وأخرى كـ”فتوة” ذات نزعة تدخلية. وقال إن فوز السيد ترامب يعزز صورة “الفتوة”. وأضاف السيد صلوخ: “الضحية الرئيسية في هذه الانتخابات هي فكرة أميركا كزعيمة العالم الديمقراطي باستخدام القوة الناعمة، أميركا الجميلة، إذا أردت”.
وفي المقابل، رحب البعض بالتغيير. وتفاخر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الأربعاء بأن مكالمته الهاتفية كانت الأولى من زعيم عالمي لتهنئة السيد ترامب، حتى أنه دعا السيد ترامب للقدوم للزيارة. وكان ذلك تغييراً عن علاقته مع السيد أوباما الذي نأى بنفسه عن الرئيس المصري بسبب سياساته القمعية.
يوم الأربعاء، تحدث عمرو أديب، الإعلامي البارز صاحب البرنامج الحواري والموالي للحكومة، عن السبب في إمكانية أن تتناسب مثل هذه الإدارة الأميركية المختلفة جداً مع السيد سيسي.
وقال السيد أديب أثناء برنامجه: “بالنسبة لمصر، أرى ترامب كشخص يمكننا التوصل معه إلى اتفاق. لا يمكنك أن تبرم أي صفقة مع هذه المرأة، كلينتون”. وأضاف “إنها ديمقراطية، وسوف تأتي لتتحدث معنا عن حقوق الإنسان وكل تلك الأشياء اللطيفة المعتادة”.
قليلون يتوقعون أن يضغط السيد ترامب على حكومات الشرق الأوسط في موضوع حقوق الإنسان أو أن يقوم بنشر الجيش الأميركي لحماية المدنيين في المنطقة.
في مكان آخر، نقلت وسائل الإعلام الإخبارية السورية نبأ انتخاب السيد ترامب، مؤكدة أن روسيا قد دعمته في حملته. لكن فوزه كان مخيبا للآمال بالنسبة لجماعات المعارضة، التي كانت تأمل بأن يعني فوز هيلاري كلينتون مزيداً من الضغط العسكري الأميركي على الرئيس الأسد، وربما حتى فرض منطقة حظر جوي لحمايتها من طائراته.
يقول مرهف جويجاتي، رئيس منظمة “اليوم التالي”، التي تهدف إلى إعداد السوريين لمستقبل ديمقراطي: “أنا خائف، خائف على سورية. أصبح لدينا هذا الرجل الذي يقول صراحة أنه سوف يسلم الأمور للروس بخصوص سورية. هذا انتصار واضح لنظام الأسد”.
مع ذلك، رأى قادة دول الخليج العربي في انتخاب ترامب أملاً في قدوم اتجاه جديد، وفقاً لمصطفى العاني، مدير قسم الأمن والدفاع في مركز الخليج للأبحاث. وقال العاني إن افتقار أوباما للاشتباك القوي في الشرق الأوسط أهمل حلفاء أميركا، في حين ترك فراغاً استطاعت إيران وروسيا والدولة الإسلامية الاستفادة منه لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وأضاف العاني “أن صناع القرار سعداء بأن التغيير سيحدث، وبأنها ستكون هناك سياسة خارجية أميركية أكثر قوة في المنطقة. إنها لن تكون سياسة متذبذبة مثل سياسة السيد أوباما”.
وفي حين رأى آخرون أن تصريحات السيد ترامب التي تحط من قدر المسلمين ستجعله أقل تعاطفاً مع بلدانهم، لم يكن السيد العاني قلقاً بهذا الخصوص. وتساءل: “هل كان ذلك وسيلة للتحايل في الانتخابات؟ ربما”.
بن هوبارد، وآن بيرنارد
صحيفة الغد