دمشق – يشكل شمال سوريا بالنظر إلى أهميته الاستراتيجية نقطة جذب للقوى الإقليمية والدولية المتصارعة على النفوذ في هذا البلد.
وتبدو هذه القوى الممثلة أساسا في روسيا والولايات المتحدة وتركيا في سباق محموم، حيث يسعى كل طرف لفرض نفسه صاحب اليد الطولى في هذا الشطر.
ويخشى من أن يؤدي هذا السباق إلى الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بين أحد هذه الأطراف، وهو ما دفع رؤساء أركان الجيش في تركيا والولايات المتحدة وروسيا للاجتماع الثلاثاء، في إقليم أنطاليا في جنوب تركيا لبحث كيفية تعزيز منع حدوث اشتباكات في المنطقة، خاصة في مدينة منبج التي باتت مركز توتر عالي الضغط بين الأكراد حلفاء واشنطن وأنقرة.
وعن هذا الاجتماع الثلاثي قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن قادة أركان الدول الثلاث يعملون لمنع وقوع اشتباكات بين الأطراف المختلفة في سوريا.
وأوضح يلدريم خلال مؤتمر صحافي في أنقرة أن خطر اندلاع اشتباكات سيظهر إذا لم يكن هناك تنسيق كامل.
وقبيل الاجتماع بساعات أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في خطوة فاجأت البعض نشر جنود لها في مدينة منبج الواقعة في محافظة حلب شمالي سوريا، مؤكدة أن هؤلاء الجنود لهم صلاحية الدخول في مواجهة مع قوات أخرى في حال شكلت تهديدا لهم.
وجاء القرار بعد تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن قوات درع الفرات ستتجه صوب منبج لـ“تطهيرها” من الوحدات الكردية التي تتهمها بأنها ذراع عسكرية تابعة لحزب العمال الكردستاني.
ويسيطر على المدينة مجلس منبج العسكري، وهو هيكل ينضوي ضمن تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تقوده وحدات حماية الشعب الكردي.
وقال جيف ديفيس الناطق باسم “البنتاغون” “لقد تم نشر جنود أميركيين داخل المدينة ومحيطها من أجل الردع ومنح الأمن كونهم جزءا من التحالف الدولي. وهذه المهمة هدفها ردع مهاجمة أطراف لطرف آخر غير تنظيم داعش”.
وأضاف ديفيس أن “القوات المدعومة من تركيا (درع الفرات) اقتربت من غرب منبج”، مبينا أنهم رأوا كذلك أرتالا للنظام السوري والوحدات الروسية تقترب من المنطقة.
وأكد أن المدينة يسيطر عليها مجلس منبج العسكري، موضحا “لقد نشرنا قوات محددة داخل منبج وغربها حتى يركز الجميع على داعش”، وامتنع عن ذكر اسم أي القوات التي تقلقهم.
وبيّن أن “الجنود الأميركيين لديهم حق الدفاع عن أنفسهم، إلا أنه ليست لديهم صلاحية الدخول في اشتباكات مع أي قوات في المنطقة”، لافتا إلى أن عدد الجنود الأميركيين في سوريا يبلغ 503 جنود، مشيرا إلى أن هذا العدد قابل للزيادة على ضوء طلب من القادة العسكريين الميدانيين في المنطقة.
بن علي يلدريم: من المؤسف اختيار حلفاء تركيا للوحدات الكردية شريكا في الحرب ضد داعش
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة ومن خلال التدخل العسكري في منبج أرادت إرسال رسالة إلى أنقرة مفادها أن المساس بالأكراد خط أحمر، وأيضا لروسيا تدعوها بطريقة غير مباشرة إلى احترام قواعد اللعبة هناك.
وبات واضحا أن الولايات المتحدة قد حسمت موقفها في الاعتماد على الوحدات الكردية كضلع رئيسي في حملتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية وأيضا لتثيبت نفوذها في سوريا، وهو خيار بالتأكيد سيزيد حجم التوتر بينها وبين تركيا.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن من المؤسف اختيار حلفاء تركيا لوحدات حماية الشعب الكردية شريكا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
ويثير الإصرار الأميركي على الرهان على الأكراد شكوكا كبيرة لدى أنقرة بأن تكون هي المستهدفة من خلال هذا الخيار.
ومعلوم أن الوحدات الكردية الذراع العسكرية للاتحاد الديمقراطي الكردي تعمل منذ العام 2013 على تشييد حزام على طول الحدود التركية مع سوريا البالغة 400 كلم.
وقد نجحت في السنتين الأخيرتين في السيطرة على مساحات شاسعة شرق نهر الفرات في سوريا وتقدمت العام الماضي صوب منبج التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، بهدف ربط الضفتين الغربية والشرقية للنهر، وجاء ذلك بدعم واضح من الولايات المتحدة الأميركية.
ومن شأن هذه النجاحات الكردية أن تحجم نفوذ تركيا في سوريا، كما أنها تمهد لفرض إقليم حكم ذاتي لطالما سعى إليه الأكراد.
وقد دفع هذا الوضع تركيا إلى دق ناقوس الخطر وإعلان حملة عسكرية في أغسطس الماضي أطلقت عليها درع الفرات، وقد لعب التوافق بينها وبين الروس دورا مهما في إطلاقها.
ولكن في الفترة الأخيرة سجل توتر مكتوم بين موسكو وأنقرة مع إبداء الأخيرة ميلا للتعاطي مع الطرف الأميركي بشكل أكبر (قبل أن تحسم واشنطن خيارها باتخاذ الأكراد شريكا أساسيا في سوريا)، فضلا عن تجاهلها للاتفاق مع روسيا القائل بعدم تخطي عتبة الباب.
ولقطع الطريق على تركيا، دفعت روسيا بالجيش السوري إلى المناطق الفاصلة بين قوات درع الفرات والمجلس العسكري لمنبج الذي أبدى ترحيبا بذلك قبل أن يعلن الأسبوع الماضي عن اتفاق بتسليم بلدات وقرى غرب المدينة إلى الجيش.
وجاءت هذه الخطوة الكردية لمنع درع الفرات المدعومة تركيا من التقدم، وقد حاولت روسيا استثمار المسألة لتحقيق أكثر من هدف بيد أن لواشنطن أيضا حساباتها الكبيرة في المنطقة، حيث سارعت إلى إرسال جنود لها لتعزيز بسط نفوذ الأكراد عليها، وقد كان المتحدث باسم البنتاغون واضحا في هذا الشأن حين قال إن مجلس منبج هو الذي يسيطر على المدينة.
وفي وقت لاحق أعلن المتحدث باسم مجلس منبج أنه لن يسمح لأي طرف بدخول المدينة في إشارة بدت واضحة أنها موجهة لتركيا وأيضا للنظام السوري ومن خلفه روسيا.
واعتبر مراقبون أن هذا الموقف المستجد للمجلس نابع بالأساس من التزام أميركي واضح بحمايته من أي هجوم تركي.
وحتى لا يظهر المجلس بمظهر الطرف الذي يخلف تعهداته أمام الروس أعلن عن تسليم بعض القرى في الجهة الغربية لبلدة العريمة إلى قوات حرس الحدود التابعة للنظام.
ووصف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن عملية التسليم بأنها “شكلية”، متحدثا عن “ارتداء عناصر من مجلس منبج العسكري زي قوات النظام ورفعهم الأعلام السورية لمنع الاحتكاك مع الأتراك”.
العرب اللندنية