أنقرة – بعد فرز غالبية الأصوات في الاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية الذي أجري بالأمس، يتجه الرئيس رجب طيب أردوغان إلى حصد صلاحيات رئاسية غير مسبوقة، منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة عام 1923.
وبتحول نظام الحكم من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، فإن الأمر سيشكل بالنسبة للبلاد مفترقا راديكاليا قد يهدد وحدتها ولحمتها الاجتماعية.
وسيطلق حسم نتيجة الاستفتاء بـ”نعم” يد أردوغان في حكم البلاد على نحو يتفق مع رؤيته بالعودة بتركيا إلى عصور الإمبراطورية العثمانية. لكن التصويت بـ”لا” ضد التعديلات سيضع أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في وضع حرج ما سيدفعهما إلى المزيد من التشدد والقمع للإمساك بمفاصل السلطة.
ويقول معارضون أتراك إنها خطوة نحو المزيد من الاستبداد في بلد ألقي القبض فيه على نحو 47 ألف شخص، كما تمت إقالة 120 ألف شخص أو وقفهم عن العمل في حملة أعقبت انقلابا عسكريا فاشلا في يوليو الماضي.
وفي 21 يناير الماضي، أقر البرلمان التركي مشروع التعديلات الدستورية الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية. ويتضمن المشروع الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، كما تشمل التعديلات المقترحة زيادة عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب، وخفض سن الترشح للانتخابات العامة من 25 إلى 18 عاما.
وفي حال التصويت بـ”نعم” سيحصل أردوغان على صلاحيات أكبر تسمح له بوضع الميزانية العامة للدولة وتعيين الوزراء والقضاة وإعفائهم، كما يحق له في بعض المجالات إصدار مراسيم، دون منح الحق للبرلمان بالاعتراض عليها، بالإضافة إلى سلطة حل البرلمان.
وسيكون لرئيس الدولة الحق في الانتماء إلى حزب سياسي، أما حاليا فهو ملزم رسميا بالتنازل عن انتمائه الحزبي ومزاولة مهمته “بحيادية”.
وقالت إسراء أوزيوريك أستاذة الدراسات التركية المعاصرة بكلية لندن للاقتصاد، إن “التعديلات الدستورية -حال تمريرها- ستقضي على جميع التوازنات وأدوات الرقابة التي تجبر الحكومة على الالتزام بمهامها”.
وأضافت “سيصبح البرلمان معطلا بالكامل، وسيتحول إلى مجرد مكتب أختام لسياسات أردوغان، ولن يكون هناك رئيس وزراء وستصبح السلطات كلها بيد الرئيس التركي”.
ولإقرار التعديلات الدستورية، ينبغي أن يكون عدد المصوتين في الاستفتاء الشعبي بـ”نعم” أكثر من 50 بالمئة من الأصوات (50+1).
ورغم ظهور أردوغان بمظهر الواثق من الفوز، واعتباره أمس بعد إدلائه بصوته أن “أمتنا ستتقدم إن شاء الله هنا وفي الخارج نحو المستقبل هذا المساء بقيامها بالخيار المنتظر”، إلا أن استطلاعات الرأي التي سبقت الاقتراع كانت ترجح أن النسب بين الفوز والخسارة متقاربة، على نحو يترك لصناديق الاقتراع الخروج بمفاجآت.
واستبق رئيس الحكومة بن علي يلدريم احتمال الخسارة حين قال بعد إدلائه بصوته في مدينة أزمير إنه “أيّا كانت نتيجة الاستفتاء فهي تاج على رؤوسنا، لأن القرار الذي يعطيه شعبنا هو الأفضل”.
وتكشف مصادر مقربة من حزب العدالة والتنمية أن أردوغان كان على علم منذ أشهر بأن تمرير الإصلاحات سيكون صعبا، لذلك ركّز الحزب حملاته على الكتلة الناخبة في أوروبا لعلها تحمل له النقاط التي قد يحتاجها إذا ما تعذر الاعتماد فقط على تصويت الداخل.
ووصف راف سانتشيز في صحيفة صنداي تلغراف البريطانية الاستفتاء في تركيا بأنه “مسعى من أردوغان لتحويل نفسه إلى سلطان”.
واستندت الحملة التي اعتمدها أردوغان قبيل الاستفتاء على شعبوية مفرطة، إذ ركز خطاباته على عصبي الدين والقومية. وشمل الخطاب هجوما لاذعا على الغرب.
وتدهورت العلاقات بين تركيا وأوروبا إلى مستوى متدن خلال حملة الاستفتاء عندما منعت دول بالاتحاد الأوروبي، من بينها ألمانيا وهولندا، وزراء أتراكا من تنظيم لقاءات جماهيرية لترويج التعديلات الدستورية.
ووصف أردوغان هذه التحركات بأنها “أفعال نازية”، وقال إن تركيا قد تعيد النظر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بعد سنوات طويلة من سعيها للانضمام إليه.
ويقول مراقبون إن طموحات أردوغان السلطانية تدفعه للإجهار بكره أوروبا واعتبارها “أرض حرب” على منوال خطب السلاطين العثمانيين القدماء. وركز مؤيدو الاصلاحات ومعارضوها على عنصرية متعجلة في سبيل قبول أو رفض الإصلاحات الدستورية.
ورغم القمع الذي تعرض له حزب الشعوب الديمقراطي، فقد قام بحملة شرسة ضد التعديلات، فيما يقبع أحد رئيسيه (صلاح الدين دمرداش) ونوابه في البرلمان في السجن بتهمة صلات مع حزب العمال الكردستاني.
ويقول أميت فيرات، المفكر الكردي الذي لا علاقة له بحزب العدالة والتنمية أو الحزب الديمقراطي الشعبي، إن “أردوغان يستطيع فعل ذلك ليس بسبب ما هو عليه، بل لأنه يملك كل مؤسسات الدولة بالكامل تحت تصرفه، لكنه أيضا بحاجة إلى كسب قلوب الأكراد في المنطقة، وهذا ليس بالأمر السهل”.
العرب اللندنية