الموصل (العراق) – يضطر الآلاف من أهالي مدينة الموصل للجوء إلى نهر دجلة من أجل الحصول على المياه لاستعمالها في حياتهم اليومية خاصة المنزلية منها بعد انقطاعها عن أغلب أجزاء المدينة وفي البلدات المجاورة لها.
وتحمل رقيّة ذات السنوات الخمس بيديها المتسختين قارورة بلاستيكية فارغة وتسلك الطريق نزولا إلى النهر، لتأتي بالماء إلى عائلتها القاطنة في قرية الصيرمون الواقعة على ضفاف دجلة في الشطر الغربي للمدينة والتي استعادتها القوات العراقية أخيرا من تنظيم داعش.
وليست رقية الوحيدة التي تسلك طريق النهر لجلب المياه المقطوعة عن المنطقة، فالكثيرون مثلها يكابدون للوصول إلى جزيرة صغيرة في وسط النهر للحصول على مياهه الملوثة.
ويقول غانم سلطان (35 عاما) إن المياه على الشاطئ المحاذي للقرية ضحلة، وتلك التي أمام الجزيرة أكثر نظافة نسبيا.
وتعاني الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، من تدهور الخدمات اللازمة لديمومة الحياة بعد عامين ونصف العام على سيطرة داعش عليها.
وتزايدت المعاناة مع استمرار المواجهات بين القوات العراقية ومسلحي التنظيم والتي خلفت دمارا كبيرا في البنى التحتية الحيوية، ما أثر على الأوضاع الحياتية للمواطنين.
ليزي غراندي: الناس في حاجة إلى مياه الشرب وستشتد حاجتهم إليها مع حلول فصل الصيف
ويقول المسؤولون في مديرية ماء نينوى إن الأسباب التي أدت إلى انقطاع الماء عن أحياء في الموصل، تعود إلى توقف مشاريع الضخ لانقطاع التيار الكهربائي وتوقف مولدات عمل الطاقة الكهربائية بعد نفاد الوقود المخصص لها.
وأكدوا أن الأوضاع داخل المدينة وفي القرى التابعة لها تنذر بتفاقم أزمة المياه لأن عمل مشاريع ضخ المياه من الصعب الآن تأمينه.
ومنذ بدء هجوم القوات العراقية لاستعادة الجانب الغربي للموصل في فبراير، انقطعت المياه بالكامل عن الصيرمون وعن 3 قرى أخرى بسبب تضرر الشبكة الكهربائية التي كانت تزود محطة التكرير بالكهرباء وتعرض المولد الكهربائي التابع لمحطة التكرير إلى السرقة.
ويؤكد مختار القرية أحمد فتى أحمد أن مياه النهر تتسبب في حالات تسمم كل يوم باعتبارها ليست صالحة للشرب، كما أن هناك المئات من حالات الإسهال، معتبرا أن الحل بسيط لإنقاذ السكان.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية “كل من بإمكانه مساعدتنا أن يفعل، سواء عبر توفير مولد كهرباء لمحطة التكرير أو عبر ربط القرية بمحطة اللزاقة الكهربائية التي تبعد 6 كلم تقريبا”.
ومن الواضح أن نقص الماء، ليس وحده من يكسر ظهر سكان الصيرمون البالغ تعدادهم 2500 شخص، بل إن مسألة جلب المياه من نهر دجلة تمثل لهم مشكلة في حد ذاتها بسبب غياب الوسائل لنقلها لإلى بيوتهم.
ويقول حسين محمد إبراهيم (47 عاما)، إن أسعار الدواب مرتفعة ولا توجد حمير للبيع لأن من لديه دابة في القرية يعتبر اليوم محظوظا. وقفز سعر الحمار أو الجحش من 200 ألف دينار قبل شهرين إلى نصف مليون دينار حاليا.
ولا يعاني سكان الصيرمون والجوار من انقطاع المياه فحسب، بل الكهرباء مقطوعة والخدمات الأساسية معدومة. وتكاد هذه القرى تكون معزولة عن العالم، تجوبها آليات القوات الحكومية القادمة من خارجها فقط.
الأمم المتحدة: أكثرمن نصف مليون شخص في الموصل يواجهون أزمة شح المياه
وفي المناطق التي تم تحريرها من الجهاديين في غرب الموصل، فرضت القوات الحكومية حظرا على سير العربات المدنية خشية هجمات التنظيم الانتحارية. لذلك، يقوم الجيش في الصيرمون وغيرها من القرى بإيصال مياه الشرب للسكان بواسطة صهاريج.
وفي المخيمات التي تستضيف نازحين في محيط الموصل، فإن الحصول على الماء ليس سهلا أيضا. ولا تكفي قناني المياه الموزعة حاجات النازحين الذين بلغ عددهم أكثر من 400 ألف. أما الماء الذي يتم استقدامه بالصهاريج، فلا يخضع لأي تكرير.
وفي مخيم حمام العليل، أحد أكبر المخيمات في المنطقة، يقول ياسر أحمد غالون (37 عاما) “يعطوننا عبوات مياه، لكنها لا تكفينا للشرب وللطبخ، لذلك نستخدم هذه المياه بعد تصفيتها وغليها”.
ومع ذلك، لا ينوي ياسر العودة إلى حي المأمون في القسم الغربي من الموصل الذي انسحب منه التنظيم الجهادي، لأن “الناس فيه يشربون الماء من آبار ملوثة”. ويروي العديد من العائدين إلى مناطق استعادتها القوات العراقية المعاناة بسبب نقص المياه.
وأبدت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق ليزي غراندي خشيتها من أزمة أكبر مع حلول فصل الصيف.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن غراندي قولها إن “الناس في حاجة إلى مياه للشرب، وسيكونون بحاجة أكبر في الأسابيع والأشهر القادمة”، مشيرة إلى أن برنامج الأمم المتحدة للتنمية يبذل كل جهده لإصلاح محطات تكرير المياه لتعود إلى عملها بسرعة.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت مع بدء العمليات العسكرية في الموصل، من أن ما لا يقل عن نصف مليون شخص يواجهون أزمة شح المياه.
العرب اللندنية