القاهرة – انتقد اقتصاديون مصريون قرار الحكومة إلغاء الصندوق الاجتماعي للتنمية، الذي كان يساند ويمول قطاع المشاريع المتوسطة والصغيرة طوال 26 عاما. وعبّروا عن مخاوفهم من تداعيات تأسيس جهاز جديد تحت مظلة وزارة التجارة والصناعة.
ورجحوا أن تمتد الإجراءات البيروقراطية إلى عمل الجهاز لتجعله عبئا على القطاع بدلا من تطويره لتقديم خدمات للشباب وحل مشكلاتهم، إضافة إلى مخاوف من تداعيات القرار على من استفادوا من خدمات الصندوق الاجتماعي للتنمية المنحل.
وكان رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل قد أصدر القرار مؤخرا، والذي تم بموجبه تعيين نيفين جامع أمين عام الصندوق الاجتماعي السابق رئيسا مؤقتا للجهاز الجديد لمدة 3 أشهر.
وقالت ريم السعدي مسؤولة المشروعات الصغيرة في الفرع المصري لبنك الإعمار الأوروبي إن أسوأ عنصر في تأسيس الجهاز الجديد هو عدم إشراك منظمات المجتمع المدني وجمعيات شباب الأعمال والمستثمرين في تحديد مهام الجهاز.
ودعت في تصريحات خاصـة لـ“العرب” إلى ضرورة تأسيس صندوق مخاطر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بهدف تحمّل المخاطر العالية التي تواجه هذا القطاع الحيوي.
وأوضحت أن دور الصندوق الرئيسي ينبغي أن يكون استهداف تمويل أفكار الشباب، مثل اختيار مشاريع 100 شاب في مرحلة أولى، وتقديم كافة أشكال الدعم لهم لتشجيعهم على الابتكار.
وأشارت السعدي إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر تواجه عددا من التحديات، أهمّها عدم وجود إحصاءات دقيقة عن حجم هذا القطاع.
وتمثل المشروعات الصغيرة أكثر 80 بالمئة من حجم الاقتصاد المصري، وقد رصد البنك المركزي نحو 11 مليار دولار لتمويل القطاع بناء على تعليمات من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وتبلغ معدلات الفائدة على قروض القطاع وفق المبادرة نحو 5 بالمئة، في حين أن معدلات الفائدة على القروض خارج المبادرة تصل إلى حوالي 15.75 بالمئة. كما رصدت البنوك الحكومية الثلاثة وهي الأهلي ومصر والقاهرة نحو 2.5 مليار دولار خلال العام الحالي لتمويل المشروعات الصغيرة.
وقال فؤاد ثابت رئيس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية الذي يضم نحو 80 جمعية للمشروعات الصغيرة في جميع أرجاء البلاد، إن تأسيس الجهاز الجديد جاء مفاجئا لنا.
فؤاد ثابت: فراغ تشريعي يحتاج لقانون يحدد إطار عمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة
وأضاف في تصريحات لـ“العرب” أن الاتحاد طالب بتأسيس هيئة للمشروعات الصغيرة على أن تكون تابعة لرئيس الجمهورية، وذات رؤية حقيقية وناجزة للنهوض بالقطاع، وليس تأسيس جهاز تابع للوزارة.
وأشار ثابت إلى أن القطاع يعيش حالة من الفراغ التشريعي حاليا، بعد إلغاء الصندوق الاجتماعي للتنمية وتأسيس الجهاز الجديد، والذي لم يصاحبه قانون يحدد الإطار الجديد لعمل القطاع.
وتدرس لجنة المشروعات الصغيرة في مجلس النواب المصري وضع قانون لتنظيم هذا القطاع، لكنه لم يصدر حتى الآن.
وأكد أن الاتحاد طالب خلال لقاءات عديدة مع المسؤولين بإعادة هيكلة الصندوق الاجتماعي، ليكون مسؤولا عن النواحي غير المالية مثل تدريب العمالة الفنية والترويج للمشروعات الصغيرة لكن لم يستجب أحد.
وقال “إننا ننتظر تشكيل هيكل المجلس الجديد، ونترقب هل سيكون هناك تمثيل حقيقي للعاملين بهذا القطاع في مجلس إدارته أم لا؟”.
وكان وزير التجارة والصناعة طارق قابيل قد طالب بأن يضم مجلس إدارة الجهاز الجديد تمثيلا كبيرا من العاملين في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لكن المستثمرين غير مطمئنين للطريقة التي عرض بها الوزير رؤيته، وجعلت الشكوك تتزايد حيال وجود مآرب أخرى مجهولة تكمن وراء الخطوة.
وقلل مجدي شرارة رئيس جمعية الصناعات الصغيرة في مدينة العاشر من رمضان الصناعية (شرق القاهرة) من جدوى الجهاز الجديد في حل أزمة المشروعات الصغيرة، مشددا على أن الأزمة لها جوانب عميقة، ويجب التعامل معها بمرونة تسمح بحلها نهائيا.
وأضاف لـ“العرب” أن النهوض بهذا القطاع لن يتحقق إلا بنزول الوزير ومستشاريه إلى المجمّعات الصناعية وبحث مشكلاتها على الطبيعة مع المستثمرين، لكنه استبعد حدوث ذلك طالما أن المسؤولين يفضلون حل المشكلات من داخل مكاتبهم دون النزول إلى أرض الواقع والتعرّف على المشكلات.
وقال هشام كمال رئيس جمعية مستثمري القاهرة الجديدة للصناعات الصغيرة، إن الجهاز الجديد مجرد مسمّى فقط، وشكك في قدرته على مواجهة الصعاب، لأنه أصبح جزءا من وزارة التجارة والصناعة، وستكون الأولوية بالتالي للصناعات الكبيرة وحل مشكلات كبار المستثمرين.
ويرى بعض الخبراء أن أسلوب المسكّنات الذي تتعامل به الحكومة مع المشكلات المتفجرة لن يؤدي إلى حلها، وحذروا من ترسيخ الانطباعات السائدة لدى قطاع من الناس بأن تصرفات الحكومة المصرية لا تزال محكومة بتوجهات ومصالح حفنة من النافذين، سواء كانوا مسؤولين أو مستثمرين.
العرب اللندنية