مقديشو – يعتقد الرئيس التركي أن فتح قاعدة عسكرية في الصومال سيكون بمثابة الكسب الاستراتيجي لبلاده ومنصة للانطلاق نحو أفريقيا الواعدة بالاستثمارات، لكن خبراء في الشأن الأفريقي يقولون إن التمركز التركي في القرن الأفريقي يضع أنقرة بمواجهة مخاطر استراتيجية كثيرة خاصة أن امتلاك قاعدة عسكرية يمكن أن يجرّ الأتراك إلى ساحة الحرب في بلد لا يمكن ترقب تعافيه في وقت قريب.
وافتتح رئيس أركان الجيش التركي الجنرال خلوصي أكار السبت قاعدة تدريب عسكري لتصبح أكبر قاعدة خارجية تركية، حسبما ذكرت إذاعة شبيلي الصومالية.
وذكرت الإذاعة أنه تم تشييد المعسكر، الذي يقع في منطقة الجزيرة جنوب مقديشو، على مدار العامين الماضيين، وسوف تُستخدم القاعدة لتدريب القوات المسلحة الصومالية.
وكان خلوصي أكار قد وصل إلى العاصمة الصومالية الجمعة وعقد اجتماعا مع الرئيس الصومالى محمد عبدالله فارماجو ورئيس الوزراء حسن على خير.
وستهتم القاعدة التركية بالتدريب العسكري وتدريب الجنود الصوماليين بالخصوص. ولا تشمل الخطط الحالية نشر فرقة تركية قادرة على إنجاز مهمات عسكرية. وبدلا من ذلك سيتولى حوالي 200 جندي تركي تدريب عشرة آلاف من الجنود.
ويقول خبراء في الشأن الأفريقي إن تركيا تضع نفسها في وضع عصيب في الصومال، مشيرين إلى أن بناء قاعدة عسكرية ليس كتقديم المساعدات، فالناس تقبل المساعدات وتشكر من يقدمها، لكن وجود قاعدة قد يدفع تركيا لتكون طرفا في الحرب، خاصة أن حركة الشباب لوّحت باستهداف القاعدة الجديدة.
وتساءل الخبراء إذا كان وجود قواعد أو أنشطة لدول المنطقة أو للدول العظمى مبررا بحساب الأمن القومي والمصالح، فماذا تفعل تركيا في منطقة بعيدة عنها غير البحث عن أدوار مثيرة للشكوك، وتتجاوز التصريح بالدعم العسكري والإنساني للمساعدة في استقرار الصومال.
وتاريخيا، عانت تركيا من التمدد في زمن العثمانيين وانتهى هذا التمدد غير المبرر بانهيار إمبراطوريتها وانكماشها إلى الأناضول فقط مع لسان بسيط في أوروبا، وإلى اليوم لا يعرف مصير الآلاف من الجنود العثمانيين في القرم واليمن وليبيا حتى بعد مرور قرن من الزمن.
ومن الواضح أن الرئيس التركي الحالي يبحث عن إعادة الأتراك إلى الوراء ليعاودوا نفس المأساة التي عاشتها الإمبراطورية العثمانية، اعتمادا على الهيمنة الناعمة التي تجزل المساعدات وتتولى تغيير مناهج التعليم والتربية وطرق فهم الدين.
وضخت تركيا مساعدات تزيد قيمتها عن مليار دولار منذ أن زار أردوغان الصومال في 2011.
وقد وقعت الحكومتان التركية والصومالية تسع اتفاقيات ومذكرات تفاهم أثناء زيارة ثانية للرئيس التركي إلى الصومال عام 2015 ضمت كذلك أثيوبيا وجيبوتي. وقد شملت الاتفاقيات المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والصحية إضافة إلى اتفاقية التعاون في مجالات المياه المعدنية والزراعة، وكلها مجالات وإن كان الصومال بحاجة إليها إلا أن العائد والنفع الأكبر يعود إلى تركيا.
ويقول الأتراك إن هذه الخطوات ستعزز القوة الناعمة لتركيا في المنطقة. لكنّ مراقبين يقولون إن أنقرة يمكن أن تتورط في الأزمات الأفريقية خاصة في الصومال حيث المخاطر الأمنية العالية التي قد تدفع الأتراك ليكونوا طرفا مباشرا في صراع فشلت كل الأطراف الخارجية التي تدخلت فيه في الوصول إلى نتيجة.
وقلل المراقبون من الحديث عن دور استراتيجي لتركيا في القرن الأفريقي، فهو منطقة تتحرك فيها دول ذات مصالح كبرى مثل الصين والولايات المتحدة، ولن تقبل أن تتولى أيّ جهة منافستها في مجالها الحيوي في القرن الأفريقي أو في غيره من الأماكن التي بدأت أنقرة تتحرك باتجاهها عن طريق المساعدات.
وتجد أنقرة نفسها في وضع منافسة غير متكافئة مع دول عربية لديها حضور أكثر فاعلية ومبنيّ على الدعم الدائم وليس الدعم الظرفي كالذي لجأت إليه تركيا من ذلك أن السعودية هي أكبر سوق لصادرات الصومال الذي يحصل أيضا على واردات مهمة من دولة الإمارات تتراوح من الإلكترونيات إلى مواد البناء.
وسبقت الإمارات تركيا إلى الصومال إذ تشغّل منشأة تدريب عسكري في مقديشو منذ سنة 2015. وتعتبر القوات التي دربتها الإمارات من القوات الأكثر وثوقا والأحسن تدريبا في الجيش الصومالي، وهذا يفسّر سبب تكليفها بمهمة الحفاظ على أمن مدينة مقديشو قبل عدة أشهر.
ولا يحوز الأتراك على دعم مختلف مناطق الصومال، ففي الأزمة القطرية نأت ثلاثة أقاليم بنفسها عن موقف مقديشو، وأعلنت مناطق جلمدج وبلاد بنط وهرشبيلي أنها تقف مع السعودية والإمارات.
وتحصل هذه المناطق على دعم سعودي وإماراتي من موارد الطاقة، ما يجعل من مخالفة الحكومة الصومالية أمرا سهلا عليها.
وأطلقت شركة موانئ دبي العالمية مشروعا مطلع هذا العام لتطوير ميناء بربرة التجاري ضمن عقد بلغت قيمته أكثر من 440 مليون دولار. ويتزامن هذا المشروع الكبير مع إقامة أبوظبي قاعدة عسكرية ذات وزن على بعد بعض الأميال من الميناء. فالقاعدة التركية في الصومال ستعترضها مشاكل كثيرة تماما مثلما حصل للقاعدة التركية في قطر التي تحولت إلى ورطة سياسية لتركيا لتوتر علاقتها بكلّ من دول الخليج والولايات المتحدة.
وكانت تركيا أنشأت قاعدة عسكرية في قطر بدأت العمل في نوفمبر 2015، وتنص على تشكيل آلية من أجل تعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات التدريب العسكري والصناعة الدفاعية والمناورات العسكرية المشتركة وتمركز القوات المتبادل بين الجانبين.
العرب اللندنية