إنّ دولة البحرين، تلك الجزيرة الصغيرة ذات الموقع الاستراتيجي قبالة ساحل الخليج السعودي، قد شهدت قدرًا هائلاً من الاحتقان الطائفي خلال معظم العقد الماضي. ويعزى ذلك إلى نظامها الملكي ونخبتها التي تهيمن عليهما الطائفة السنيّة، إذ غالبًا ما تنشأ معارضة بينهما وبين أغلبية السكان الذين ينتمون إلى الطائفة الشيعية. ولطالما اكتنف الغموض والجدالات العقيمة الطبيعة الحقيقية لهذا الانقسام وحجمه. ولكن الآن، في بادرة نادرة، أُجري استطلاع رأي عام جديد يلقي الضوء بشكلٍ غير مألوف على هذه المسألة الغامضة والمهمة. ولعلّه الاستطلاع الوحيد الذي من شأنه أن يحدّد هذه الاختلافات الطائفية بشكل موضوعي.
وبعكس ما يمكن تصوّره، لقد اتّضح أنّ النخبة السنية في البلاد والشارع الشيعي يملكان في الواقع وجهات نظر متشابهة جدًا، تتّسم بالإيجابية عمومًا وخاصةً بشأن التعايش مع بعضهما البعض ومع الدول العربية المجاورة. كما وأنهما يميلان إلى الاتفاق على أهمية العلاقات الطيبة مع واشنطن وعلى تعزيز السلام الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن يختلف مواطنو البحرين السنّة والشيعة بشكل واضح في مواقفهم تجاه سياسات إيران ووكلائها في المنطقة.
فالسؤال الأول الذي يطرح نفسه هنا هو سؤال واقعي بسيط. ما هي النسبة السنية/الشيعية الحقيقية بين مواطني البحرين البالغ عددهم 700 ألف مواطن؟ بحسب هذه العينة العشوائية التي تشمل ألف بحريني، الجواب هو 62 ٪ من الشيعة و38 ٪ من السنّة. وتؤكد هذه النتيجة، بدقة أكبر، التقدير التقليدي للأغلبية الشيعية والأقلية السنية. ويُذكر أنّ البحرين تستضيف أيضًا عددًا صغيرًا من المواطنين الذين يعتنقون ديانات أخرى، بما فيه عدد من الأسر اليهودية.
وعلى الرغم من التركيز المعتاد على الخلافات الطائفية، يكشف هذا الاستطلاع عن الكثير من القضايا الرئيسية التي يتفق عليها السنّة والشيعة عمومًا. وفي هذا السياق، يفيد ثلاثة أرباع الطائفتين بأنه “يتعين على العرب العمل بجدية أكبر من أجل التعايش والتعاون”. كما وتوافق أغلبية أضيق من كل مجتمع، أي حوالي 56٪، على أنّ “الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي في الوقت الراهن هو أكثر أهميةً بالنسبة لبلدنا من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية”. ونحو نصف سكان البلاد، الشيعة والسنّة على حد سواء، وأكثر بكثير من معظم الدول العربية الأخرى التي أجرت استطلاعات مؤخرًا، يفيد بأنه “يجب أن نستمع إلى البحرينيين الذين يحاولون تفسير الإسلام في اتجاه أكثر اعتدالاً وتسامحًا وحداثة”.
وما يثير الاستغراب هو الإجماع حول العلاقات مع الولايات المتحدة، وربما حتى مع إسرائيل، إذ إن 15٪ فقط من السنّة أو الشيعة يبدون وجهة نظر إيجابية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ولكنّ نسبةً أكبر بكثير، تصل إلى النصف تقريبًا في كلتا الطائفتين، تقول “من المهم بالنسبة لبلادنا أن تجمعنا علاقات جيدة بالولايات المتحدة”. وهذا يبشر بالخير لمستقبل تلك العلاقة، التي تضم قاعدةً بحرية أمريكية كبرى، على الرغم من استمرار التوترات الطائفية والسياسة الداخلية في الجزيرة.
وفي سؤال حول أولوياتهم المنشودة للسياسة الخارجية الأمريكية، انقسمت أصوات البحرينيين من كلتا الطائفتين بين تحديات إقليمية عدّة في هذا الترتيب التفضيلي: إيران، اليمن، فلسطين، الإرهاب. وتجدر الإشارة إلى أن أقليةً صغيرة من الطائفتين، أي 11 ٪ من السنّة و16 ٪ من الشيعة، تفيد بأن أولويتهم القصوى هي أن تقوم الولايات المتحدة “بالحدّ من تدخلها في المنطقة”.
وفي ما يتعلق بالاحتمالات المستبعدة حول فتح الطريق أمام التقارب مع إسرائيل، حيث أفيد بأن حكّام البحرين قد أعربوا عن تفاؤلهم الخاص في الآونة الأخيرة، يميّز سكان البحرين بين دعم السلام الإسرائيلي-الفلسطيني والانفتاح الفعلي على الدولة اليهودية. وقد اتفق ثلثا سكان البحرين الشيعة والسنّة سواسية على أنه “يتعين على الدول العربية أن تؤدي دورًا جديدًا في محادثات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، وأن تقدم للجانبين الحوافز لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً”. ولكن عندما سئلوا عن “التعاون الفوري مع إسرائيل بشأن قضايا أخرى مثل التكنولوجيا أو مكافحة الإرهاب أو احتواء إيران”، عبّر 15٪ فقط من المجموعتين عن رأي إيجابي.
أمّا بشأن مسألة النزاع مع قطر المجاورة، أي بخصوص النزاعات داخل المنطقة العربية، فيتشاطر السنّة والشيعة في البحرين بشكل عام وجهات النظر نفسها تقريبًا ولكن يختلفون كثيرًا عن موقف حكومتهم الرسمي. فيعارض حوالي ثلثي المواطنين السنّة والشيعة في البحرين مقاطعة قطر من قبل “الرباعية العربية” التي تشمل البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر. فعوضًا عن ذلك، يريد ثلاثة أرباع كل طائفة التوصل إلى حل وسطي مع قطر، “حيث تقدم جميع الأطراف بعض التنازلات لبعضها البعض للتوصّل إلى حل وسطي”. هنا، يشبه الرأي العام البحريني ككل الرأي العام في دول “مجلس التعاون الخليجي” الأخرى التي شملها الاستطلاع (أي المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر) حيث رغبت الغالبية العظمى في الوصول إلى تسوية، وإن كانت حكوماتها ترفض ذلك حتى الآن. ويُعدّ هذا الاختلاف مؤشرًا قاطعًا على محدودية الرأي العام كعامل حاسم للسياسات في هذه الدول التي لا تزال أوتوقراطية إلى حدٍّ كبيرٍ.
وفي الإطار نفسه، تقدّم مجالات التوافق هذه مفارقات جذرية بالنسبة إلى المناطق الأخرى. حيث تختلف وجهات نظر أكبر طائفتين مسلمتين في البحرين بشكل حاد. فردًّا على سؤال حول سياسات إيران الإقليمية، صوّت 2٪ فقط من السنّة في البحرين بإيجابية إلى حد ما، في حين ينظر 68٪ من المواطنين الشيعة إلى سياسات إيران بشكل إيجابي. وبالمثل، يفيد 5٪ فقط من السنّة، ولكن 60٪ من الشيعة، بأنه من المهم بالنسبة للبحرين أن تحافظ على علاقات جيدة مع إيران. وفي المقابل، قال 63 ٪ من السنّة، مقارنةً مع 23 ٪ فقط من الشيعة، أنّ “القضية الأهم” في النزاع مع قطر هي “تحقيق أقصى درجة من التعاون العربي ضد إيران”.
وعلى سبيل المقارنة، تُظهر المواقف تجاه حلفاء إيران الإقليميين أوجه اختلاف أقل نوعًا ما بين الطائفتين الرئيسيتين في البحرين. بحيث يُنظر إلى “حزب الله” بشكل سلبي من قبل 95 ٪ من السنّة في البلاد، ولكن أيضًا بنسبة 62 ٪ من الشيعة. وفي هذا الإطار، تعارض نسبة 90 ٪ من السنّة و71 ٪ من الشيعة الحوثيين في اليمن. وفي المقابل، يُنظر بشكل إيجابي إلى جماعة “الإخوان المسلمين” الأصوليين السنّة، الذين يعملون بشكل علني في البحرين، بنسبة 32 ٪ من قبل السنّة، في حين أن صفر بالمئة من الشيعة في البحرين يعبّرون عن رأي إيجابي في هذه المنظمة الإقصائية.
وبشكلٍ عام، ترسم نتائج الاستطلاع هذه صورةً أكثر دقةً عن الانقسام الطائفي المعروف في هذا المجتمع المختلط “المستقطب سياسيًا”. وفي ما يتعلق ببعض الأسئلة الرئيسية، تظهر درجة كبيرة من التقارب بوضوح، على الرغم من التوترات السائدة، وإن لم تكن بالضرورة مؤيدة لسياسة الحكومة القائمة. إلاّ أن القضايا المتعلقة بإيران تظل موضع خلاف مع الأغلبية الشيعية، سواء من السياسة الرسمية أو من وجهة نظر الأقلية السنية الحاكمة في البلاد. وفي الوقت نفسه، لم يُبد الشيعة في البحرين أي تعاطف مع الميليشيات العنيفة الحليفة لإيران في الحروب الطائفية التي تجري في بلدان أخرى في المنطقة. أمّا الرغبة الشعبية المشتركة في التوصل إلى حل وسطي والتعايش، فيمكن أن تكون أساسًا للاستقرار النسبي، أو حتى للمصالحة السياسية.
لقد أجرت شركة تجارية إقليمية مرموقة هذا الاستطلاع في شهر آب/أغسطس برعاية “معهد واشنطن”، وذلك من خلال إجراء مقابلات منزلية وجهًا لوجه مع عينة تمثيلية على الصعيد الوطني ومتعددة الاحتمالات الجغرافية وتتألف من ألف مواطن بحريني. والجدير بالذكر أن هامش الخطأ الإحصائي يبلغ نحو 3 ٪. كما وتتوفر التفاصيل المنهجية الكاملة، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى البيانات الأولية عند الطلب.
ديفيد بولوك
معهد واشنطن