إسقاط الطائرات بسوريا.. هل بدأت حرب الكبار؟

إسقاط الطائرات بسوريا.. هل بدأت حرب الكبار؟

لم يكن حادث إسقاط الطائرة الإسرائيلية أمس السبت حدثا منفصلا عن سياق ما تشهده سوريا من صراع بات ينتقل من شكله الإقليمي إلى الدولي، ويقرأ محللون وخبراء ترابطا بين أحداث أسبوع بدأ بإسقاط “الدبابة الروسية الطائرة” وانتهى بإسقاط ثلاث طائرات إسرائيلية وإيرانية جنوبا، وتركية شمالا.

وبرأي العديد من المحللين فإن الطائرات الثلاث التي أسقطت في السماء السورية بين يومي السبت 3/2/2018 وأمس السبت 10/2/2018 كانت بمثابة “صناديق بريد” تبادلت فيها قوى إقليمية ودولية الرسائل في سياق الصراع الذي بدأ يتخذ شكل مناطق نفوذ.

بداية الأحداث الدرامية كانت عبر إسقاط مقاتلين من المعارضة المسلحة طائرة روسية مقاتلة من طراز سوخوي 25 التي تعرف بـ”الدبابة الطائرة” من خلال صاروخ محمول على الكتف، وقالت مصادر روسية في وقت لاحق إن الصاروخ كان أميركيا.
سياق الأحداث أخذ منحى تصاعديا بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأربعاء الفائت إنها أحبطت هجوما لما يوصف بـ”الحشد الشعبي السوري” الذي هاجم مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الحليفة لواشنطن شرق نهر الفرات.
جنود روس
وأدى هذا الحادث إلى مقتل نحو مئة من العناصر الموالين للنظام، في حين نقل المحلل السياسي والدبلوماسي الروسي السابق فايتسشلاف ماتزوف عن “مصادر روسية غير رسمية” أن جنودا روسا كانوا من بين القتلى.
وختمت أحداث الأسبوع أمس السبت بإسقاط النظام السوري طائرة حربية إسرائيلية من طراز إف 16 الأميركية الصنع، وهو الحدث الذي شكل علامة فارقة في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي الذي فقد طائرته الأولى منذ إسقاط طائرة مقاتلة عام 1982 فوق لبنان والتي اختفى من وقتها الطيار الإسرائيلي رون أراد.
وسبق إسقاط الطائرة الإسرائيلية المقاتلة إعلان إسرائيل أنها أسقطت طائرة إيرانية بدون طيار قالت إنها اخترقت مجالها الجوي.
وفي زحمة الأحداث التي كادت تنزلق لمواجهة أوسع جنوب سوريا أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن طائرة مروحية تركية أسقطت فوق عفرين شمال سوريا، دون أن يؤكد أي مسؤول تركي كيفية إسقاط الطائرة وبأي سلاح.
ضوء أخضر
وتحدث خبراء روس وإيرانيون عن أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية لم يكن ليحدث لولا وجود ضوء أخضر روسي، معتبرين أن الإسقاط كان لطائرة أميركية من جهة، ولتغيير قواعد اللعبة مع إسرائيل في سوريا من جهة أخرى.
كما علل هؤلاء ما جرى بأنه جاء ردا على إسقاط الطائرة الروسية بسلاح أميركي، إضافة إلى الهجوم الأميركي على “الحشد الشعبي السوري”، والذي اعتبر صفعة لموسكو التي تحاول منع سيطرة واشنطن وحلفائها على شرق الفرات.
وأسقطت الطائرات المتهاوية فوق سوريا تفاهمات وقواعد اشتباك كانت الأطراف الحليفة أو المتصارعة قد توافقت عليها، وأبرزها تفاهمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اللذين التقيا تسع مرات منذ دخول روسيا سوريا عام 2015 ومنحت روسيا بموجبها إسرائيل حرية حركة في سماء سوريا.
وأكثر ما تخشاه إسرائيل -بحسب المحلل الإسرائيلي الحنان ليمر الذي تحدث للجزيرة مساء السبت- أن تسقط طائرة إف 16 معها الخطوط الحمراء الإسرائيلية المتمثلة بمنع تحويل إيران جنوب سوريا إلى جنوب لبنان جديد، ومنع نقل الأسلحة الإستراتيجية الإيرانية لحزب الله عبر سوريا.
كما قرأ محللون في إسقاط الطائرة التركية في عفرين بأنه قد يكون رسالة تحذير لأنقرة بألا تمضي بعيدا في عملياتها في الشمال السوري، خاصة بعد طلب الرئيس التركي من الولايات المتحدة سحب جنودها المتمركزين إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في منبج.
نفوذ أميركي
على الجانب الآخر، أظهرت واشنطن حزما في منع أي وصول لقوات حليفة للنظام السوري شرق نهر الفرات، وهو ما بدا أنه تأكيد على أنها ماضية في تأمين منطقة نفوذها بالشرق السوري، وهو الأمر الذي طالما عبرت روسيا عن انزعاجها منه وطالبت واشنطن بسحب قواتها من هناك.
صحيفة التايمز البريطانية قالت في افتتاحياتها يوم الجمعة الماضي إن استهداف واشنطن الرتل السوري الذي كان يحظى بغطاء جوي روسي كشف “عن استعداد الولايات المتحدة للدفاع عن وجودها في شرق سوريا”.
الصحيفة اعتبرت أن مهاجمة هذه القوات المدعومة من روسيا مواقع القوات الكردية التي تحميها الولايات المتحدة وبريطانيا “مؤشر على اتساع الحرب في سوريا لنزاع أوسع بين القوى العظمى”.
وبرأي التايمز، فإن الحادث كان بمثابة اختبار روسي سوري لمدى الجدية الأميركية في حماية مناطق نفوذها شرق سوريا، وهل باستطاعة الطيران السوري وقواته على الأرض الدخول في مواجهات لاستعادة المنطقة الغنية بالنفط والغاز.
تركيا والأكراد
الصحيفة قالت أيضا إن استمرار دعم واشنطن المليشيات الكردية يعني مواجهة كل من تركيا وروسيا، مشيرة إلى أن واشنطن تدرك أن هزيمة حليفها أردوغان لن تكون مهمة سهلة، لكنها تريد جره لعقد صفقة بينه وبين الأكراد تقضي بخروج الأكراد من منبج.
وقبل ذلك كله كان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قد صرح نهاية العام الماضي تعليقا على زيادة الوجود الأميركي المدني والدبلوماسي شرق الفرات وردا على تصريحات مسؤولين روس وإيرانيين وسوريين بأن “لدينا خطا فاصلا بين المناطق، وسيكون من الخطأ تجاوزه”.
ووسط حرب الخطوط الحمر التي يحاول كل طرف من خلالها وضع حدود نفوذه الجديد في سوريا يبدو أن الصراع لا يستعجل الحل السياسي الذي ينتظر توقف الطائرات والمدافع على امتداد سوريا ولا يدفع ثمن غاراتها حتى الآن سوى الشعب الذي يعيش بين حصار ولجوء ومجازر.
الجزيرة