قبل 15 عاماً من هذه الأيام، بينما كانت إدارة بوش عاكفة على قرع الطبول للتحشيد لغزو للعراق، كنت قد تقدمت باقتراح لمشروع قرار يدعو اللجنة الوطنية الديمقراطية إلى معارضة هذا الاندفاع المتهور نحو الحرب. وقد صادق على اقتراحي عضو الكونغرس في ذلك الوقت، جيسي جاكسون جيه آر، الذي عمل معي في اللجنة الوطنية الديمقراطية، والذي حضر من هناك الكثير جداً من الأسئلة التي ليست لها إجابات بعد، والتي تتطلب الفحص قبل أن نوافق على إرسال جنودنا لغزو واحتلال العراق.
باختصار، حذر اقتراحي الذي تقدمت به إلى اللجنة الوطنية الديمقراطية: من أنه سيكون من الخطأ تجفيف الموارد وصرف الانتباه بعيداً عن الجهد الحربي الذي ما يزال متواصلاً ولم ينتهِ بعد في أفغانستان؛ من أننا بانتهاكنا القانون الدولي والقيام بغزو العراق من دون دعم قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، سنضع سابقة خطيرة للدول الأخرى؛ من أن إدارة بوش لم تحدد الأهداف الاستراتيجية لهذه الحرب، ولا كانت نزيهة وصادقة مع الشعب الأميركي فيما يتعلق بالتكلفة، وفيما يتعلق بالانخراط، وبتداعيات هذه الحرب؛ من أن عراقاً منزوع الاستقرار سوف يخلق توترات إقليمية حتمية؛ من أن الحرب سوف تفضي إلى انتشار وتعزيز المشاعر المتطرفة المعادية لأميركا، ومن أن هناك خطراً لا بد أن ينطوي عليه التزام طويل الأمد بحرب في بلد لا نعرف عنه سوى أقل القليل.
وخلص الاقتراح الذي قدمته إلى أن على اللجنة الوطنية الديمقراطية أن تعارض هذا الاندفاع المتسرع إلى الحرب، وأن تحث الرئيس بوش بدلاً من ذلك على “مواصلة بذل الجهود الدبلوماسية من أجل نزع أسلحة العراق، وعلى أن يحدد للشعب الأميركي والكونغرس بوضوح أهداف وتكلفة وتداعيات وشروط وطول فترة الالتزام الذي سيرتبه أي انخراط أو عمل عسكري أميركي في العراق، والاستمرار في العمل ضمن أطر الأمم المتحدة والسعي إلى الحصول على دعمها الكامل في أي جهد يُبذل لحل الأزمة الحالية في العراق.
لدى صياغة ذلك الاقتراح، كانت في ذهني ما كانت تُدعى “عقيدة باول” –أي مجموعة المبادئ التي صاغها قبل نحو عقد من ذلك من كان في ذلك الحين الجنرال كولن باول، والتي استندت إلى تجاربه في حرب فيتنام والعديد من تدخلات الولايات المتحدة الكارثية الأخرى التي أعقبت تلك الحرب المأساوية.
باختصار، قال باول إنه على الولايات المتحدة أن لا تفكر في إقحام جنودها في أي صراع إلا إذا كانت الأهداف العسكرية والسياسية محددة وموصوفة بدقة؛ وأن يكون هناك توقع معقول بأن الكونغرس والشعب الأميركي يفهمون كُلف هذا الالتزام، وأنهم سيدعمونه وسيحافظون على دعمهم له؛ وأن كل الوسائل السلمية الممكنة لحل الصراع المعني قد استُنفدت تماماً.
وبما أن إدارة بوش لم تفِ بأي واحد من هذه الشروط، فقد اعتقدت أن من التهور الطائش أن تقوم الولايات المتحدة بإرسال شبابها وشاباتها لتضعهم في طريق الأذى. وبالإضافة إلى ذلك، كنتُ قلِقاً بعمق من أننا كنا على وشك الانخراط في صراع في بلد لا نعرف شيئاً عن تاريخه وحضارته، ولذلك ليست لدينا أي فكرة عما قد تكون تداعيات غزونا له واحتلاله. ولكل هذه الأسباب، اعتقدت بأن من المهم لحزبي أن يجاهر بمعارضة ما شعرت “في داخلي وفي عظامي” بأنه كارثة قيد الصنع.
المشكلة التي كنت سأكتشفها بعد ذلك هي أننا في بداية المنافسة الرئاسية في العام 2004 لم نكن متفقين نحن ومع مرشحي الحزب الديمقراطي على رأي واحد فيما يتعلق بمسألة الحرب هذه. ولأن البعض كانوا يؤيدون الحرب في حين عارضها آخرون، لم يرد قادة الحزب أن يكون للجنة الوطنية الديمقراطية موقفا محددا منها. وحثوني على عدم تقديم اقتراحي لمشروع القرار الموصوف.
لكنني قاومت، واحتفظت بإصراري على أن الحرب يجب أن تخضع للنقاش. وفي نهاية المطاف، سُمح لي بأن أعرض فكرتي وأن أتحدث عن ميزاتها، وإنما شريطة عدم السماح بإجراء نقاش ولا بإجراء تصويت.
كان ذلك مشابهاً للخطأ الذين ارتكبه الديمقراطيون سابقاً في أيلول (سبتمبر) 2002، قبل إجراء الانتخابات النصفية لذلك العام. وفي ذلك الحين، كانت إدارة بوش تدفع بقوة من أجل الحصول على نوع من التفويض بخوض الحرب من الكونغرس. وفي وجه تكتيكات الجمهوريين المتنمرة، تراجع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون. وافترضوا خطأ (وقال لهم مستطلعو الآراء في الحزب أيضاً) أنهم إذا منحوا الرئيس القرار الذي يريده، فإنهم سيتمكنون عندئذٍ من التركيز خلال الشهرين الأخيرين قبل موعد الانتخابات على ما وصفوه بأنه “قضاياهم” –الاقتصاد، فساد الشركات، والرعاية الصحية. وفي اجتماع للجنة الوطنية الديمقراطية، والذي عقد قبل بضعة أسابيع من نقاش مجلس الشيوخ، كنتُ قد حذرت من أن هذه الاستراتيجية خاطئة. وقلت إن إدارة بوش لن تعطينا الفرصة لتحويل الانتباه عن موضوع الحرب.
كان من المؤكد أن بوش المتشجع، بعد أن أصبح قرار الحرب في يده، قد افترض أن فكرة “الرئيس يخوض الحرب” وتركيز الجمهوريين على الخوف وافتقاد الأمان عبدا الطريق أمام توليهم زمام السيطرة على مجلس الشيوخ في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002.
وفي شباط (فبراير) 2003، كنتُ أخشى من أنه إذا وقف الديمقراطيون فعلاً ضد حرب بوش، فإننا يمكن أن نخاطر بمواجهة الخسارة في المستقبل.
بحلول ذلك الوقت، ظهرت “الكتابة على الجدار”. فسواء بمشروع القرار الذي كنتُ قد تقدمت به أو من دونه، كانت الحرب ستمضي قدُماً على أي حال. في العام 2003، كان الديمقراطيون يشكلون أقلية في الكونغرس ولم يكونوا ليتمكنوا من منع حرب بوش، حتى لو أنهم توحدوا في معارضتها. لكن معارضتهم لحرب كان ينبغي أن نعرف أنها لن تسفر عن شيء جيد، كانت ستضعنا من حيث المبدأ في موقف أقوى في الانتخابات المستقبلية.
في ذلك الحين، كنتُ أعرف أن هذا النقاش حول الحرب سوف يتواصل فقط مع مرور الزمن. وقد فعل. ظهر بوضوح بين المرشحين الديمقراطيين في السباق الانتخابي للعام 2004. وكان عنصراً مهماً مرة أخرى في سباق العام 2008 ثم مرة أخرى في السباق الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية للعام 2016. وما يزال النقاش حول قرار الذهاب إلى الحرب وتداعيات ذلك القرار المصيري متواصلاً حتى هذا اليوم.
جيمس زغبي
صحيفة الغد