تعهّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن يتم إنهاء العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش بالتعاون مع الشرطة في سيناء منذ فبراير الماضي “في أسرع وقت ممكن”، في حين أعلن مساعده إبراهيم محلب عن حزمة من المشروعات التنموية في المنطقة، في رد رسمي واضح على ما وصف بـ”مغالطات” تضمنها تقرير لمنظمة هيومن رايتش ووتش.
وقال السيسي، في لقاء نظمه الجيش المصري وبثه التلفزيون الرسمي، موجها حديثه إلى أهالي سيناء، إنه يتم تنفيذ خطة تنمية في سيناء تنتهي بحلول 2022. وأكد أنه بالتوازي مع ذلك يستمر “الجهد الذي يقوم به الجيش والشرطة بالتعاون معكم”. وأضاف “سننهي المهمة في أسرع وقت ممكن”.
ويشن الجيش المصري عملية عسكرية واسعة في سيناء لمكافحة الإرهاب بدأها في التاسع من فبراير الماضي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من مئة من الجهاديين ونحو 30 جنديا، بحسب إحصاءات الجيش.
الإرهاب منتشر
حرص السيسي على توجيه حديثه لسكان سيناء قائلا إن “كل المصريين يعرفون أن أشقاءهم المصريين في سيناء لا يتحملون مسؤولية بعض أهل الشر” في إشارة إلى الجهاديين. وتابع “نحن لا نحمّل أبدا أهلنا في سيناء المسؤولية” عن الهجمات التي يقوم بها الجهاديون، مشددا على أن “الإرهاب موجود في كل محافظات البلاد”.
تأخذ الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب تحولات جديدة بعد أن طورت العناصر الإرهابية استراتيجيتها الهجومية وصعّدت من هجماتها كما فتحت منافذ أخرى لدعم جبهة سيناء أين يخوض الجيش المصري معركة مصيرية ضد الإرهاب وجماعاته المتعددة، كما أنها معركة صعبة في تعقيداتها المحيطة بسبب طبيعة سيناء جغرافيا واجتماعيا. وتشكل الطبيعة الجغرافية الوعرة التي تتميز بها سيناء، إضافة إلى الطبيعة العقائدية، صعوبة في المواجهة؛ حيث لا يحسب المسلحون الحسابات الحربية التقليدية للمكسب والخسارة، فهم على استعداد لأن يفقدوا حياتهم، مقابل إلحاق الضرر بأكبر عدد ممكن من قوات الأمن. ومع هذا يأتي عنصر آخر ليزيد من تعقيد الأزمة وهو عنصر التنمية، حيث تعاني منطقة سيناء من إرث تاريخي من الإهمال الحكومي لها منذ أن نجحت مصر في تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي
ووجه الرئيس المصري “الشكر لكل مصري شريف في سيناء. الفترة صعبة وقاسية ولكن لو لم نقم بهذه الإجراءات (لمكافحة الجهاديين) فإن سيناء ستضيع منا”.
ومنذ أن أطاح الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في 2013 بعد احتجاجات شعبية ضده، تخوض قوات الأمن وخصوصا في شمال ووسط سيناء مواجهات عنيفة ضد جماعات جهادية متطرفة، بينها الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية (ولاية سيناء) المسؤول عن شن عدد كبير من الاعتداءات الدامية في البلاد.
وندد المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري تامر الرفاعي، الاثنين، بتقرير هيومن رايتس ووتش، التي زعمت فيه وجود “أزمة إنسانية” في سيناء بسبب العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش لمكافحة الإرهاب، وأن المعركة في سيناء تخنق إمدادات الغذاء والدواء للآلاف من السكان.
وقال الرفاعي “تم تداول التقرير بالاعتماد على مصادر غير موثوقة نهائيا”.
وتابع “نحن نوزع الحصص الغذائية بصورة مستمرة على الأهالي في مناطق العمليات” التي “لا تشمل كل محافظة شمال سيناء”.
واعتبرت المنظمة الحقوقية، ومقرها نيويورك، أن “حملة الحكومة المصرية ضد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سيناء، خلّفت ما يصل إلى 420 ألف شخص في أربع مدن في شمال شرق البلاد بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية”.
وتابعت أن “السلطات حظرت بيع أو استخدام البنزين للمركبات في المنطقة، وقطعت خدمات الاتصالات لعدة أيام في كل مرة. وقطعت المياه والكهرباء بشكل شبه كامل في معظم المناطق الشرقية من شمال سيناء، بما في ذلك رفح والشيخ زويد”.
ورد الرفاعي بالقول “ليس هناك أي قطع للكهرباء والمياه، هذا الكلام ليس صحيحا”. وأضاف أن الجيش ينسق مع وزارتي التموين والصحة وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية “لتوفير اللحوم والدواجن والقمح والدقيق وأنابيب البوتاغاز للأهالي بصفة مستمرة”. كما أكد “دعم المستشفيات والوحدات الطبية بأنابيب الأوكسجين والأدوية والأمصال اللازمة”.
وتؤكد مصادر مصرية أن التقرير مغرض، ويحمل الكثير من الادعاءات المنافية للواقع، مشيرة إلى أن المعركة معقدة في سيناء وأن الجيش الذي دفع ثمنا باهظا من أبنائه وجنوده، من مختلف الرتب العسكرية، يعمل جاهدا على حماية المدنيين بكل الطرق.
وتؤكد هذه المصادر أن من أسباب طول هذه المعركة وتأخر الحسم حرص الجيش المصري على المدنيين، وعلى عدم إخلاء سيناء من سكانها، وفق ما يريد ويردد البعض.
وبالتزامن مع الحرب العسكرية ضد الإرهاب، تعمل الحكومة المصرية، على تحريك السلاح التنموي من خلال بعث عدة مشاريع تنموية.
وقال إبراهيم محلب، مستشار الرئيس المصري ومستشار رئيس المشروعات القومية والاستراتيجية، إن مشروعا لتنمية سيناء يجب أن يكتمل في 2022 بتكلفة تصل إلى 275 مليار جنيه (15.6 مليار دولار)، واصفا المشروع بأنه “مشروع أمن قومي”.
وتبلغ التكلفة التي قدرها محلب للمشروع بنحو ثلاثة أمثال التكلفة التي قدرها السيسي عند الإعلان عنه في ديسمبر الماضي.
خطط تنموية
ومنذ سنوات يشن متشددون هجمات على الجيش والشرطة في محافظة شمال سيناء التي تفتقر إلى مشروعات البنية الأساسية وفرص العمل. وعلى النقيض منها تعج محافظة جنوب سيناء بالمنتجعات السياحية على البحر الأحمر.
وقال محلب إن المشروع يشمل خططا لإقامة شبكة طرق ضخمة ومجتمعات عمرانية ومشروعات صناعية وأربع محطات لتحلية مياه البحر ومستشفيات وشبكة للصرف الصحي. وشدد على أن “تنمية سيناء مشروع أمن قومي”.
لكن، اللواء نبيل فؤاد مساعد وزير الدفاع الأسبق، استبعد فكرة الانتهاء من تنمية سيناء بحلول عام 2022، لأن البنية التحتية تكاد تكون غير موجودة، والوقت غير كاف لطبيعة الظروف الراهنة والمستقبلية. وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن طبيعة الجغرافيا في سيناء صحراوية ورملية، وبالتالي فهذه مهمة صعبة للغاية، لأن الحكومة لا يمكن أن تقوم بالتنمية بالتزامن مع خوضها للحرب ضد العناصر الإرهابية.
وأشار إلى أن البدء في التنمية يتطلب أولا القضاء على الإرهاب، والبيئة الحاضنة له داخل سيناء، لافتا إلى أن كل المؤشرات تصب في اتجاه قرب نهاية الإرهاب.
وأوضح أن التنمية الشاملة والقضاء الكامل على التنظيمات الإرهابية ومنعها من النشاط مرة أخرى يحتاجان إلى تعديل معاهدة السلام مع إسرائيل، حتى يتسنى لمصر وضع قوات عسكرية في المنطقة (ج) أي في وسط سيناء، لأن سحب القوات من المنطقة يعني أنها ستظل بيئة حاضنة للإرهاب.
وتنص اتفاقية السلام التي وقعتها مصر وإسرائيل عام 1979 على أن تكون منطقتا (ب) و(ج) منزوعتي السلاح، وطلبت مصر أكثر من مرة تعديل الاتفاقية بما يسمح لها بنشر قواتها في المنطقة وكانت إسرائيل والولايات المتحدة ترفضان، باعتبار واشنطن الراعية للاتفاقية، أي تعديلات عليها، وفِي كل مرة تدخل مصر قواتها للمنطقة يكون بتنسيق مسبق مع الجانب الإسرائيلي.
وفي المقابل، قال اللواء زكريا حسين، المدير السابق لأكاديمية ناصر العسكرية، إن إنجاز تنمية سيناء خلال الأربع سنوات المقبلة لا يرتبط باستمرار العملية العسكرية التي تخوضها قوات الأمن هناك إلى تلك الفترة من عدمه، تحديدا وأن عدم استقرار الأوضاع الأمنية على مدار العامين الماضيين لم يمنع من التوسع في المشروعات التنموية بشكل كبير بعيدا عن مساحة لا تتجاوز 24 كيلومترا في منطقتي رفح الحدودية مع غزة والشيخ زويد.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن المؤشرات الأمنية على أرض الواقع تؤكد على أن مواجهة الإرهاب لن تستمر حتى العام 2022، وأن قوة العناصر الإرهابية المتواجدة حاليا هناك تمثل 10 بالمئة فقط من إجمالي قوتها قبل عامين من الآن، إلى جانب أن تقارير العملية العسكرية التي تجري حاليا تشير إلى أنه تم القضاء على حوالي 85 بالمئة من إجمالي العتاد والسلاح والعناصر البشرية المنتمية إلى العناصر الإرهابية الموجودة هناك.
وأوضح أن التحدي الأكبر الذي سيواجه الحكومة المصرية خلال السنوات المقبلة يرتبط بمدى قدرتها على إعادة توطين المواطنين في مساحات سيناء الشاسعة والتي تصل إلى 60 ألف كيلومتر، وبالتالي فإن إنجاز عملية التنمية في تلك الفترة من عدمه سيرتبط بالقدرة على توفير بنية تحتية جاذبة لمواطني الدلتا وبدو سيناء الرحل على الانتشار بكثافة في وسط وشمال سيناء.