عززت شروط الولايات المتحدة الأخيرة لرفع العقوبات عن إيران وتجديد الاتفاق النووي، المخاوف من تداعياتها الخطيرة على الساحة العراقية، عبر سعي الولايات المتحدة لتكرار سيناريو صدام والكويت، بالسكوت عن الهيمنة الإيرانية على المنطقة تمهيدا لضربها تحت مبرر تعريضها الأمن الإقليمي للخطر.
وعقب إعلان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عن سياسة الولايات المتحدة لمواجهة إيران وشروطها لرفع العقوبات عنها، وتأكيده ان «إيران لن يكون لها اليد الطولى للسيطرة على الشرق الأوسط» أبدت فعاليات العاصمة العراقية، القلق من تداعيات تلك السياسة على الشأن العراقي وخاصة ما يتعلق بمطالبة الولايات المتحدة لإيران، احترام الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية، إضافة إلى ايقاف دعم إيران لـ«مجموعات إرهابية» في الشرق الأوسط مثل حزب الله والحوثيين، ومطالبتها الانسحاب من سوريا.
وقد تأكدت مخاوف العراقيين من شرر تأجيج الصراع الأمريكي الإيراني، عندما ردت إيران على الشروط الأمريكية بالتأكيد على استمرار نهجها في المنطقة ورفضها الخضوع للتهديدات، وهو ما يعني جعل دول المنطقة وفي مقدمتها العراق، ساحة مفتوحة لتطبيقات الصراع، مثل التأثير على مسار الحراك السياسي للقوى والأحزاب العراقية لتشكيل الحكومة الجديدة عقب الانتخابات الأخيرة. كما يشير المراقبون إلى حقيقة الصلة الوثيقة والمعروفة للعديد من الميليشيات والأحزاب والتنظيمات العراقية، مع النظام الإيراني، الذي يعتبرها الذراع الضارب في التعامل الإيراني مع الشأن العراقي، والتي لا يمكن ان تفكر طهران بالتخلي عنها، تحت أي ظرف.
وفي المقابل، جاءت رسالة وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو، إلى مستشار مجلس أمن إقليم كردستان مسرور بارزاني، وزيارة مبعوث الرئيس الأمريكي إلى أربيل، لتؤكد «التزام أمريكا بتعهداتها لحلفائها» ورغبتها في تعزيز العلاقات مع حكومة الإقليم.
وعند مقاربة الحالتين، يستعيد المراقبون سيناريو التشجيع الأمريكي الذي كشفت عنه السفيرة الأمريكية السابقة في العراق ابريل غلاسبي، عندما أبلغت صدام حسين عدم تدخل بلادها في الأزمة بين العراق والكويت بما شجعه على احتلال الكويت، وأعقبها توجيه أمريكا إجراءات وعقوبات ضده انتهت بإسقاط نظامه عام 2003 وهو السيناريو الحالي نفسه عندما غضت أمريكا النظر عن تورط النظام الإيراني في مستنقع أربع دول عربية ودعمها لمنظمات تعتبرها «إرهابية» وتطويرها ترسانة كبيرة من الصواريخ والنشاط النووي، بما أصبح يشكل تهديدا علنيا لاستقرار المنطقة، وهو مبرر كاف لتوجيه ضربة قاصمة لإيران سواء بالعمل العسكري المباشر أو غير المباشر، أو من خلال تشجيع تنامي الحراك الداخلي المعارض للسياسة الإيرانية أو كليهما.
وما أشبه اليوم بالبارحة عندما طرحت عدة دول وتجمعات دولية، نداءات لانسحاب القوات العراقية من الكويت وتجنب الحرب، إلا ان القيادة العراقية آنذاك رفضت، وفق حسابات أثبتت الأحداث اللاحقة عدم صحتها. وها هي القيادة الإيرانية التي أصابها الغرور بقوتها، بعد سيطرتها على أربع عواصم عربية، تتحدى التحذيرات وترفض تغيير نهجها، في وقت يتفق الجميع فيه على ان عقوبات الولايات المتحدة تنهك الاقتصاد الإيراني كما فعلت عبر الحصار على العراق قبل شن الحرب عليه. وفي النهاية لا يختلف أحد على ان ضرب الولايات المتحدة للعراق أولا ثم إيران لاحقا هو خدمة لحليفها الرئيسي في المنطقة، إسرائيل.
وفي شأن ذو دلالة، بدأ البرلمان الإسرائيلي، بمناقشات الطرق التي يمكن لإسرائيل من خلالها مساعدة الكرد على إقامة دولة مستقلة في سوريا والعراق وتركيا وإيران. علما ان تل أبيب كانت الوحيدة الداعمة لاستقلال الكرد وإقامة دولة لهم في شمال العراق، ودعمت علنًا العام الماضي الاستفتاء الكردي للانفصال عن العراق. ويبدو تزامن التحرك الإسرائيلي الجديد على أكراد المنطقة، مع التهديدات الأمريكية لإيران، غير عفوي ولم يأتِ مصادفة، خاصة في وقت تكررت فيه الضربات الجوية الإسرائيلية على قواعد وأهداف إيرانية في سوريا، فيما يشبه التدريب على مواجهة مقبلة ودور إسرائيلي متوقع فيها.
وليس ببعيد، تبرز مؤشرات تسابق أمريكي إيراني لإجراء اتصالات مع قادة الكتل والأحزاب السياسية العراقية الفائزة في الانتخابات والساعية لتحقيق الأغلبية المطلوبة في البرلمان لتشكيل حكومة جديدة يسعى الطرفان ان تكون قريبة منه وغير معادية له على الأقل، لأهمية الساحة العراقية في أي مواجهة بينهما.
ويأمل العراقيون ان يأخذ النظام الإيراني، درس «صدام – الكويت» جديا، وان يتجنب الوقوع في الفخ نفسه الذي أوقعت فيه الولايات المتحدة، صدام حسين قبل دخوله الكويت، ليس لتجنيب إيران المصير الذي وصل إليه العراق بعد 2003 فحسب، بل ولإبعاد العراق عن ان يكون ساحة مواجهة أمريكية إيرانية يكون المتضرر الأول فيها هو الشعب العراقي بالتأكيد.
مصطفى العبيدي
القدس العربي