بما يؤكد مضي أهالي قطاع غزة في فعاليات «مسيرات العودة» انتظمت المشاركة الجماهيرية الحاشدة للجمعة الثانية على التوالي على طول الحدود في شهر رمضان رغم أجواء الصيام، الذي اتخذه النشطاء فرصة لتنفيذ فعاليات مسائية تشمل أمسيات وصلوات تراويح بعد تناول الإفطار في «مخيمات العودة» تحديا لجنود الاحتلال الذين يرقبون المشاركين، متسلحين ببنادق قنص قتلت العشرات وجرحت الآلاف من الفلسطينيين.
وتشهد الفعاليات في شهر رمضان تصاعدا، على غير التوقعات السابقة بخفوت حدتها قليلا بسبب أجواء الصيام، وسجلت الجمعة الماضية حضور حشود جماهيرية أكبر من سابقتها، ما أدى إلى اندلاع مواجهات أعنف، خلفت نحو 115 إصابة بنيران الاحتلال.
ويعود الحشد الجماهيري بناء على خطة برامجية وضعتها الهيئة العليا لـ «مسيرات العودة وكسر الحصار» تشمل استمرار التصعيد بأشكال مختلفة من المقاومة الشعبية السلمية، وصولا إلى يوم الخامس من حزيران/يونيو المقبل، الذي يصادف ذكرى «نكسة فلسطين» والمتوقع أن يشهد حراكا جماهيرية حاشدا، على غرار ذلك الحشد الذي نظم يوم 14 الجاري، بذكرى «نكبة فلسطين» والذي أسفر عن استشهاد 63 فلسطينيا، علاوة عن شهداء آخرين سقطوا متأثرين بجراجهم، وإصابة أكثر 2800 آخرين.
وبما يؤكد ذلك قال داوود شهاب المسؤول الإعلامي في الهيئة العليا لـ «القدس العربي» أن تلك الفعاليات الجماهيرية لن تتوقف وستستمر في مقبل الأيام بأشكال تستند إلى المقاومة السلمية، حتى تحقيق أهدفها المرجوة.
وأكد أيضا أن هذه الفعاليات والمسيرات تعد «ميدانا مفتوحا للمواجهة ومشاغلة العدو بإدامة الاشتباك معه، ومنح المقاومة فرصة للتمكن من كل أسباب القوة».
وشهدت الأيام الماضية وتحديدا بعد بداية شهر رمضان، تحويل جدول الفعاليات الشعبية من فترة الظهيرة إلى فترة المساء، حيث يصل بشكل يومي إلى «مخيمات العودة الخمس» مئات الرجال والشبان، يتناول بعضهم هناك طعام الفطور، وتنظم أمسيات رمضانية، تشمل البقاء هناك حتى أداء صلاة العشاء والتراويح، باستخدام مكبرات الصوت، وعلى مسمع من جنود الاحتلال المتمركزين خلف ثكنات عسكرية، لتحمل بذلك الشعائر الدينية رسائل تحد لإسرائيل.
ولهذا أكدت الهيئة الوطنية لـ «مسيرات العودة وكسر الحصار» في بيان جديد لها على استمرار الفعاليات في قطاع غزة بمشاركة كافة القوى والقطاعات الشعبية كمسيرات جماهيرية شعبية بطابعها وأدواتها السلمية، لحماية حق الفلسطينيين في العودة وكسر الحصار.
وقالت أن المشاركة العارمة من أبناء الشعب الفلسطيني تؤكد تصميمهم على التمسك بالأرض والعودة إليها، وأنه لا بديل عن فلسطين سوى العودة إلى ربوعها وقراها ومدنها الحبيبة. ووجهت الهيئة التحية للسكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948، الذين خرجوا في الأيام الماضية في مسيرات إسناد لغزة، وقررت انطلاقاً من «وحدة الدم ووحدة الهدف ووحدة المسار» تسمية الجمعة المقبلة «من غزة إلى حيفا وحدة دم ومصير مشترك».
ولوحظ منذ بداية شهر رمضان، تكثيف عمليات إطلاق «الطائرات الورقية المحترقة» من الحدود القريبة من بلدات غلاف غزة، إلى ما بعد السياج الفاصل، لحرق الأحراش الإسرائيلية في المناطق المتاخمة للحدود.
ويوم الجمعة الماضية فقط سجل اندلاع 14 حريقا، 14 حريقًا في الأراضي المحتلة شرق قطاع غزة، حيث شاهد المشاركون بأعينهم من خلال الحدود المفتوحة التي تفصلها أسلاك شائكة فقط، وصول عربات الإطفاء الإسرائيلية لإخماد الحرائق التي كبدت إسرائيل منذ بداية استخدام «الطائرات الورقية» خسائر مالية كبيرة.
ولم يقتصر حرق ما بعد الحدود الفاصلة على «الطائرات الورقية»، ففي منتصف الأسبوع الماضي، تمكن عدد من المشاركين السلميين في فعاليات العودة، من اختراق الحدود الشرقية لوسط القطاع بأدوات بسيطة ودون حمل أي نوع من السلاح، والوصول من هناك إلى ثكنة عسكرية يستخدمها جنود القناصة الإسرائيلية في إصابة المتظاهرين، وحرقها قبل العودة مجددا إلى غزة، مسجلين عملية الاقتحام التي أحرجت كثيرا جيش الاحتلال بكاميرات هواتفهم المحمولة.
ودفع هذا الفشل العسكري الإسرائيلي في اكتشاف عملية التسلل الناجحة للنشطاء، والعودة إلى غزة، إلى اللجوء إلى قوة الطيران الحربي لمداراة ضعفها أمام المقاومة الشعبية السلمية، ولقصف أهداف شملت مواقع للمقاومة في غزة، في مسعى أرادت من خلاله إسرائيل تكرار تجربتها السابقة التي بدأتها مع انطلاق فعاليات «مسيرات العودة» والذي يقوم إلى حرفها من طابعها الشعبي السلمي إلى «العمل العسكري» لتستغل الأمر في تبرير عمليات قتل المتظاهرين.
وفشلت إسرائيل كما المرات السابقة في حرف بوصلة العمل الشعبي على طول الحدود، وقالت حركة حماس التي تقود فصائل المقاومة في القطاع، عقب العدوان أن التصعيد الإسرائيلي يعد «محاولة فشل جديدة لقطع الطريق على فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار».
وأكدت أن استمرار العدوان على الشعب الفلسطيني «سيدفعه إلى مواصلة تظاهراته الشعبية بكل اقتدار وقوة وبشتى الوسائل والأدوات حتى تحقيق أهدافها».
وكان قائد حماس في غزة يحيى السنوار، قال أن اختيار مسار المقاومة الشعبية والحراك السلمي، جاء بسبب ظروف المرحلة الحالية، مع أنه قال أن ذلك «لا يعني التخلي عن الخيارات الأخرى».
وأكد أن «مسيرات العودة»، سوف تستمر، وأن الفصائل الفلسطينية والهيئة الوطنية العليا للمسيرات «تعكف على وضع برنامج متكامل لها، حيث من المقرر أن تشهد تفاعلا كبيرا» حسب ما أعلن السنوار بين الخامس من حزيران/يونيو وهو ذكرى «يوم النكسة» والثامن من ذات الشهر وهو «يوم القدس العالمي».
وأكد جميل مزهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، رفض أي أفكار للالتفاف عن «مسيرات العودة»، وقال انها «مستمرة حتى تحقيق أهدافها غير قابلة للمساومة».
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سكان غزة يواصلون المشاركة الحاشدة في «مسيرات العودة» رغم استمرار الأوامر العسكرية التي أعطيت لجنود الاحتلال بالتعامل بـ «حزم» مع المتظاهرين السلميين، والتي أوت بحياة 120 مواطنا بينهم إطفال، وإصابة أكثر من 13 ألف آخرين، حيث لم تكترث حكومة إسرائيل بسبب الدعم الأمــريكــي للانـتقـادات الدولية التي طالبت بتشكيل لجنة تحقيق في عمليات القتل المتعمد على حدود غزة.
وما زال عشرات الجرحى الذين يعانون من جراح خطرة يرقدون على أسرة العلاج وفي غرف العناية الفائقة، إذ هناك أكثر من 50 حالة «موت سريري»، في وقت تواجه فيه الطواقم الطبية العاملة في القطاع مشاكل عدة في التعامل مع العدد الكبير من المصابين مع نقص الأدوية والتخصصات الطبية اللازمة للعلاج.
وخلال الأيام الماضية دفعت العديد من المؤسسات الدولية ومشافي الضفة الغربية والقدس بطواقم طبية متخصصة لإنقاذ مصابي غزة لمساعدة الأطباء في إجراء العمليات اللازمة خاصة لأولئك المصابين بجروح خلفت كسورا في الأطراف، أو من أصيبوا بقطع في الشرايين.
أشرف الهور
القدس العربي