حتى في الوقت الذي ترفع فيه الحكومة السورية علمها فوق مدينة درعا الجنوبية التي تمت استعادتها حديثا، فإن هجومها في الجنوب الغربي ما يزال مستمرا. وفي الأثناء، تصبح الجيوب المتبقية من مقاومة المتمردين أصغر باطراد. ومع استمرار الدعم من روسيا وإيران، من شبه المؤكد أن بشار الأسد سوف يستعيد المناطق الأخيرة التي ما تزال خارج سيطرته هناك أيضاً.
الشيء الوحيد الذي يعقد الهجوم في الجنوب هو إسرائيل. فقد ظلت إسرائيل مصرة على أنها لن تتسامح مع مواقع إيران أو حزب الله القريبة جداً من حدودها –بل إنها ستهاجم في واقع الأمر خطوط الإمداد الإيرانية بعيداً عن حدودها، كما فعلت في الشهر الماضي عندما ضربت منطقة الحدود السورية مع العراق قرب البوكمال. وفي وقت أقرب، في 15 تموز (يوليو)، وجهت إسرائيل ضربة أخرى بجوار مطار النيرب، بالقرب من حلب. وعلى الرغم من أن بعض التقارير حددت الهدف هناك بأنه منشأة حكومية سورية، إلا أن آخرين قالوا إنه موقع لوجستيات تستخدمه قوات الحرس الثوري الإيراني -وهو تفسير يبدو أكثر معقولية، بالنظر إلى أن إسرائيل تقول دائماً أن معركتها هي مع إيران، وليس مع الأسد.
لا تريد إيران ولا سورية ولا روسيا أن تجر إسرائيل إلى القتال في جنوب سورية -وهم جميعاً يريدون أن يعيد الأسد فرض سيطرته هناك. وهو السبب في أنهم (إلى حد كبير) سيتركون لجيش الأسد أمر استعادة تلك المناطق. وهو توازن تصعب إقامته، حيث ما تزال إيران أمام دافع حتمي لتوسيع نفوذها باتجاه الغرب نحو البحر الأبيض المتوسط. ولذلك جاءت التقارير التي تتحدث عن الميليشيات الموالية لإيران، بما فيها قوات الحشد الشعبي التي تتخذ من العراق مقراً لها، وهي تجوب تلك المناطق متخفية في الزي العسكري السوري. ومع ذلك، فإن التهديد القادم من إسرائيل سوف يحد من تدخل إيران في الجنوب.
تكمن الصعوبات الأكبر في الشمال في إدلب، والتي فيها، على العكس من الجنوب، وجود تركي كبير. وتتمركز القوات المسلحة التقليدية التركية هناك، وهي تدعم شبكة من المجموعات المؤلفة من فصائل الثوار من الجيش السوري الحر، والتي كانت مفيدة لها في الاستيلاء على عفرين. (تختلف التقديرات، ولكن يعتقد أنه تم تحويل ما يصل إلى 25.000 مقاتل من إدلب للمشاركة في هجوم عفرين).
الآن، تم إخضاع عفرين في معظمها. وتقوم وحدات حماية الشعب التي يهيمن عليها الأكراد، والتي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية، بالانسحاب من منبج. وتبدو تركيا مشغولة في تعلم كيفية إدارة منطقة محتلة. ولذلك، بينما سيبقى بعض مقاتلي الجيش السوري الحر في عفرين ومنبج، سوف يكون هناك المزيد ممن لهم الحرية في العودة إلى إدلب، حيث من المرجح أن يعيد أولئك الذين يفرون من الجنوب تنظيم صفوفهم أيضاً، والذين أصبحت رحلتهم إلى هناك أكثر سهولة بسبب وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه موسكو بينما يقوم الجيش السوري باستعادة الجنوب. وبعبارات أخرى، عندما يوطّد الأسد سيطرته على الجنوب في نهاية المطاف، فإنه سيواجه بعد ذلك ما يصل إلى 40.000 مقاتل في إدلب. ولا يشمل هذا العدد بطبيعة الحال الجيش التركي، الذي لا يريد رؤية القوات السورية وهي تتجول حول تخوم بلده.
عندما يواجه الأسد هذه القوات الأكبر بكثير في إدلب، فإنه ربما يفعل ذلك من دون دعم جوي روسي. فليست لموسكو أي مصلحة في بدء حرب مع تركيا. وإذا قام سلاح الجو الروسي بدعم هجوم الأسد في إدلب، فإن فرصة اندلاع اشتباكات مباشرة بين القوات الروسية والقوات التركية (أو وكلاء كل منهما) ستكون عالية.
نظرياً، يمكن أن تقوم تركيا وروسيا بترتيب اتفاق حيث تقوم روسيا بمهاجمة مواقع الثوار غير المتحالفين مع تركيا في إدلب فقط. ومن الناحية العملية، لن يكون أي من الطرفين راغباً في تحمل المخاطر. وفي واقع الأمر، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأيام الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحذر خلال الحديث من أن استهداف المدنيين في إدلب قد يدمر روح اتفاق أستانا. وردد مسؤول تركي مجهول تصريح الرئيس، فقال أن إدلب هي “خط أحمر” بالنسبة لتركيا. ومن المرجح أن تستشهد روسيا باتفاقية خفض التصعيد السارية اعتباراً من العام 2017 كسبب لإنقاذ نفسها من المشاركة في الهجوم. وقد يضطر الأسد ببساطة إلى قبول وجود تركي أكثر ديمومة في بلده.
بعد كل شيء، لم تنفق تركيا العامين الماضيين في ترسيخ نفسها في شمال غرب سورية فقط لتتخلى عنه ببساطة. وهي تجد من الضروري الحصول على عمق استراتيجي أكبر في المنطقة، لمواجهة ما تعتبره تهديدا إرهابيا كرديا على طول حدودها، وكذلك لعزل نفسها عن إيران. بل إن تركيا شرعت في إصدار بطاقات هوية للناس في شمال سورية، وهي تعمل على تأسيس أنظمة حكم جديدة في المناطق التي احتلتها. وسوف تتطلب إعادة الاستيلاء على إدلب من الأسد أن يفعل شيئاً لم يكن يسبق أن اضطر إلى مواجهته حتى الآن طيلة فترة الحرب الأهلية السورية بأكملها: خطر نشوب حرب دولة مع دولة –ومع دولة أكثر قوة.
سوف يعتمد ما يحدث في إدلب إلى حد كبير على روسيا. وفي الوقت الراهن، يخدم تقديم الدعم للأسد مصلحة روسيا، لكن موسكو لا تحتاج أن يستعيد الأسد السيطرة على البلاد بأكملها كي تفي بمصالحها. وفي واقع الأمر، سوف تستفيد روسيا عندما تنقسم سورية بين القوات السورية والكردية في الشمال. وإذا مكنت هذه الانقسامات روسيا من الحفاظ على وجود كردستان شبه مستقلة في الشمال –والتي يمكن أن تستخدمها ضد تركيا عندما ترى ذلك مناسبا- فإنه لا يوجد في الحقيقة سبب يجعل روسيا تخاطر بخوض حرب مع تركيا الآن. ليست هناك في الحقيقة فوائد كافية، والتكاليف ستكون باهظة جداً.
زاندر سنايدر
الغد