جاء الهجوم الإيراني ليلة الثالث عشر من نيسان 2024 على إسرائيل بمعطيات جديدة أكدت حقيقة الابتعاد عن قواعد الاشتباك وبداية مرحلة جديدة من الردع المقابل ضمن سياسة ورؤية إيرانية تتعلق بمقتضيات السيادة وحفظ ماء الوجه واتخاذ الإجراءات اللازمة والوسائل المتاحة لإثبات وجودها وقوة تأثيرها أمام مليشياتها وفصائلها المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والعاملين معها لتنفيذ مشروعها السياسي التوسعي والتمدد الميداني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وبدأت التكهنات والتوقعات السياسية حول كيفية وإمكانية الرد الإسرائيلي رغم ان الهجوم الإيراني لم يحدث أي اضرار جسيمة في الأرواح والممتلكات حيث كانت الأهداف والمواقع العسكرية والأمنية الإسرائيلية محصنة ومستعدة لتجنب أثار أي ضربة وهجوم إيراني، عدا وصول سبعة صواريخ للعمق الإسرائيلي أصاب قاعدة رامون التي فيها طائرات إف 35، والتي شكلت البداية لاختراق إيران لقواعد الاشتباك وكانت المواجهة السادسة لها في المنطقة العربية بعد العراق وسوريا واليمن ولبنان وجنوب لبنان.
أعطت التوقعات العسكرية الميدانية الدولية والإقليمية مديات للرد الإسرائيلي تمثل في استهداف محطات الطاقة والمنشأت النووية ومصافي التكرير الإيرانية، ليأتي رد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يوم الجمعة التاسع من نيسان 2024 عبر ضربة جوية وطائرات مسيرة سمع منها دوي انفجارات عديدة استهدفت فيها مدينة أصفهان ( ثالث المدن الرئيسية الإيرانية بعد طهران ومشهد) ولوجود العديد من المنشآت العسكرية والمرافق النووية ومصانع إنتاج وتجميع الصواريخ والأسلحة مختلفة الأنواع فيها، إضافة لقاعدة جوية مقاتلات حربية ومنشأة نووية لتخصيب اليورانيوم في منطقة ( نطنز) التي بدأ العمل فيها عام 1999 وتشغل مفاعلات بحثية لإنتاج الوقود وأنشطة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وفيها محطة لتخصيب الوقود التجريبي ويمكن لها أن تستوعب ( 50) ألف طرد مركزي مع قاعات بمساحة ( 2500) م لتجميع أجهزة الطرد الغازية وفق تقديرات منظمة التهديدات وهي منظمة عالمية تعنى بمتابعة التهديدات النووية والبايولوجية.
واكدت وكالة انباء فارس الإيرانية (أن ثلاث انفجارات سمعت بالقرب من منطقة قهجافارستان القريبة من مطار أصفهان وقاعدة شكاري الجوية العسكرية) فيما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( عدم وقوع أي أضرار في المواقع النووية في الهجوم الحاصل على مدينة أصفهان).
وتم بناء مجمع الصواريخ في المدينة بمساعدة كوريا الشمالية والصين في أواخر الثمانينات، ويقوم بتصنيع الوقود الدفعي الصلب والسائل ومكونات الصواريخ وتجميع أنواع أخرى من الصواريخ الموجهة.
وهناك الأسطول الجوي الإيراني الذي يُشكل نحو 300 طائرة من طرازات مختلفة، منها طائرات أميركية الصنع من طراز (أف-4) و(أف-14) ، وروسية نوع ميغ 29 وأس يو 25، وصينية من طراز (أف-7)، إضافة الى طائرات فرنسية من طراز (ميراج)، وهي التي تتواجد في بعض القواعد الجوية في مدينة أصفهان.
عملت الإدارة الأمريكية وعبر إتصالات مكثفة مع إسرائيل لمنع حدوث أي هجوم مباغت يشكل حلقة من المواجهات المستمرة وسعت لسياسة ضبط الإيقاع وإدارة الأزمة وعدم توسيع نطاق دائرة الصراع حفاظًا على سياستها المعتمدة مع إيران واستمرار للمباحثات حول البرنامج النووي وعدم الاخلال بالاتفاق المبرم حول تثبيت الحدود الشمالية الغازية التي اعتمدت عبر المفاوضات بين لبنان وإسرائيل برعاية أمريكية وموافقة ضمنية من إيران وخشية من اتساع عملية المتغيرات السياسية بما يؤثر على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ووجودها وتأثيرها في المنطقة، وهي تتطلع لانتخابات قادمة نهاية هذا العام، حيث ترى إمكانية حماية سياسة التوافق بينها وبين النظام الإيراني ضمن مناطق معينة وأهداف مشتركة في عواصم بعض الاقطار العربية والتي تحتاج إلى تنسيق ومباحثات غير مباشرة وعبر وسطاء عرب ودول إقليمية تهتم بمصالحها ووجودها في منطقة الشرق الأوسط.
ولهذه الأسباب الجوهرية فإن سعي الرئيس الأمريكي جو بايدن لتثبيت حقيقة دعمه لإسرائيل وتأمين حمايتها وليحقق له إسناد من أنصارها ومؤيديها في الداخل الأمريكي وتوظيف الأمر لصالحه في الانتخابات الأمريكية القادمة، وهناك سبب أخر هو ما تفعله الخارجية الأمريكية بالحفاظ على التوازنات السياسية وعدم أحداث أي متغيرات ميدانية في الصراع العربي الإسرائيلي او اتساع دائرة الحرب في قطاع غزة والتي دأبت بالحفاظ عليها منذ اندلاع الأحداث فجر يوم السابع من تشرين الأول 2023 في الأراضي الفلسطينية، وهذا ما جعل القيادة الإيرانية تعتقد أنها بتحركها ضمن رؤيتها وسياستها العسكرية والأمنية فإنها سوف لا تواجه أي معضلات ميدانية بسبب ما تراه وتعتقده أنه حياد أمريكي وموقف متوازن من إدارة الرئيس بايدن، مما أدى إلى قيامها باقناع جمهورها في الداخل الإيراني بأن إسرائيل قد ضعفت عسكريًا بعد أحداث غزة وأنها أي إيران لديها القدرة على خوض معركة مباشرة، وهذه كانت إحدى الأسباب التي أدت إلى هجوم الثالث عشر من نيسان 2024.
كما أن النظام الإيراني يسعى للتمسك بالمكاسب التي حققها في أراضي العواصم العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث البنية العسكرية والأمنية المتجذرة من الفصائل المسلحة المرتبطة به، والتي تجعله يبتعد عن أي مواجهة حقيقية ميدانية قد يخسر فيها أي بقعة من أراضي هذه المدن العربية ولهذا فإنه يعتمد سياسة المواجهة عبر الأجواء والبحار.
تمكنت حكومة اليمين الإسرائيلي أن تحقق لها عدة أهداف سياسية عبر الهجوم الإيراني والرد الممثل الإسرائيلي، فقبل الهجوم، كادت حكومة نتنياهو تخسر المعركة العالمية لكسب الرأي العام، وكانت قاعدة دعمهم في الغرب وحتى في الولايات المتحدة تتقلص، لكن الهجوم الإيراني فتح الباب مجددًا لعودة التركيز على الادعاءات الإسرائيلية بحقيقة التهديدات الإيرانية التي تتعرض إليها المنطقة وتهدد أمن وبقاء إسرائيل، وهي الأقاويل التي ساندت موقف الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها نتنياهو على الصعيد الخارجي.
سيبقى الموقف الأمريكي من الأحداث الجارية في المنطقة العربية ومن الصراع العربي الإسرائيلي قائم على حماية إسرائيل والدفاع عنها وتبني سياستها وفق المعطيات والثواب المتأصلة في السياسة الخارجية الأمريكية
وأن الولايات المتحدة ستكون دومًا إلى جانبهم للدفاع عن إسرائيل بغض النظر عمن هو رئيس الوزراء الحالي.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركد الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية