تثير الطريقة التي يدير بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، السياسة الخارجية لبلاده حالة من الذعر والفوضى في الأوساط السياسية، والاقتصادية والأمنية على مستوى العالم، وتدفع كثيرين إلى التساؤل عن حقيقة الأهداف التي يسعى رئيس أقوى دولة في العالم إلى تحقيقها، وعما إذا كان هناك ناظم بينها في إطار استراتيجية كبرى، واضحة المعالم، أم أنها تصرفات اعتباطية، تتمحور في مجملها حول شخص الرئيس، ويتم اتخاذها بطريقة استعراضية، إما عبر التلفزيون أو باستخدام “تويتر”، بغرض ترك انطباع عند الناخب الأميركي، وكذلك المراقب الخارجي، بأن هذا الرئيس مختلف، وأنه يعني ما يقول، ولا يتردّد في اتخاذ ما يعتقد أنه يخدم مصالح بلاده. بناء عليه، شاهدنا كيف فرض ترامب، خلال أسبوع واحد تقريبا، عقوباتٍ، على خصمٍ هو إيران، وعلى حليف هو تركيا، وعلى بلد ثالث يضعه الرئيس الأميركي في خانة المنافس، هو روسيا، وإن كانت العقوبات عليها جاءت من الكونغرس الأميركي الذي له تصنيف مختلف بشأنها. قبل ذلك، كان ترامب أعلن حربا تجارية على أكبر القوى الاقتصادية في العالم، حلفاء كانوا أم أعداء، إذ فرض رسوما جمركية على بعض المنتجات الواردة من الاتحاد الأوروبي (21% من الاقتصاد العالمي)، والصين (15%) وكندا (2%) والمكسيك (1,5%). وهدّد بفرض عقوبات على اليابان (5,9%) وكوريا الجنوبية (1,9%). وهناك عقوبات قائمة أصلا على دول عديدة أخرى، من فنزويلا إلى كوريا الشمالية، وصولا إلى باكستان التي يشدّد ترامب الحملة عليها هذه الأيام. أي أن ترامب فرض عقوبات، أو يهدّد بفرضها على نحو 60% من اقتصادات العالم، و63% من سكانه.
واضح أن الرئيس ترامب يرقب العالم، وفق نظرة تبسيطية ضيقة تقوم على ثنائية أميركا في مواجهة العالم (America v. the Rest)، وربما (Trump v. the Rest) هي نظرة يأخذ عليه كثير من نقاده، بمن فيهم المتعصبون لرؤية وجود صراع حضاري- قيمي بين الغرب وبقية العالم (The West v. The Rest)، بأنها رؤية ساذجة، تسهم في تقويض أسس التحالف الليبرالي الغربي، وتخدم أعداءه، من أجل مكاسب مادية صغيرة نسبيًا وقصيرة الأجل. ويحتج هؤلاء بأن الصين التي تقود المعسكر الخصم اقتصاديا، وروسيا التي تقوده سياسيا وعسكريا، تحاولان الاستفادة من التصدّعات التي يُحدثها ترامب في جسد التحالف الغربي. فها هي الصين تستغل استياء أوروبا وتقترح اتفاقية للتجارة الحرّة معها لمواجهة سياسات ترامب الحمائية، وتلك روسيا تسعى إلى اختراق المجتمعات الأوروبية عبر ركوب المد اليميني الصاعد فيها بتأثير ترامب تارة، وبمحاولة استمالة حلفاء في حلف شمال الأطلس (الناتو)، مثل تركيا، تارة أخرى، بتأثير ترامب أيضاً.
يستغلّ الرئيس ترامب مركزية الاقتصاد الأميركي، وثقله في الاقتصاد العالمي (24,3%)، وسيطرته على النظام المالي والمصرفي فيه، سواء عبر الدولار أو عبر أنظمة التحويل وغيرها من أدوات، لزرع الخوف في نفوس الخصوم والحلفاء على السواء، ودفعهم إلى الرضوخ لمطالبه، فما إن يطلق تغريدة على “تويتر”، أو يعلن عن حزمة عقوبات على بلدٍ ما حتى تنهار العملة المحلية، تتداعى البورصات، وتبدأ عملية هروب رؤوس الأموال نحو الخارج. إنها ببساطة عمليات تدمير شامل، إنما بوسائل اقتصادية.
قد يرضي هذا المشهد غرور ترامب ونرجسيته، على المدى القصير، لكن السياسات التي يتبعها تؤدي، في نهاية المطاف، إلى توحيد خصومه، وتحفيزهم في البحث عن استراتيجيات مواجهة، وتقويض قدرة الولايات المتحدة على التأثير في النظام الاقتصادي والمالي الدولي الذي أشرفت على وضع أسسه وقواعده بعد الحرب العالمية الثانية. واقع الحال أن ما يقوم به الرئيس ترامب يعبر عن جهل مطبق بحقيقة أن الولايات المتحدة لم تتربّع على قمة هرم القوة في العالم، نتيجة عوامل قوتها الذاتية فحسب، إنما من خلال تحالفاتها الاقتصادية والأمنية أيضًا، سواء في أوروبا، الشرق الأوسط، أو شرق آسيا. وهي شعرت بالحاجة إلى فعل ذلك، عندما كانت حصتها تمثل نصف الناتج الإجمالي المحلي للعالم، فكيف بها الآن، وقد انحدرت حصّتها إلى الربع، وفوق ذلك تريد أن تواجه العالم بمفردها.
واضح أن الرئيس ترامب يرقب العالم، وفق نظرة تبسيطية ضيقة تقوم على ثنائية أميركا في مواجهة العالم (America v. the Rest)، وربما (Trump v. the Rest) هي نظرة يأخذ عليه كثير من نقاده، بمن فيهم المتعصبون لرؤية وجود صراع حضاري- قيمي بين الغرب وبقية العالم (The West v. The Rest)، بأنها رؤية ساذجة، تسهم في تقويض أسس التحالف الليبرالي الغربي، وتخدم أعداءه، من أجل مكاسب مادية صغيرة نسبيًا وقصيرة الأجل. ويحتج هؤلاء بأن الصين التي تقود المعسكر الخصم اقتصاديا، وروسيا التي تقوده سياسيا وعسكريا، تحاولان الاستفادة من التصدّعات التي يُحدثها ترامب في جسد التحالف الغربي. فها هي الصين تستغل استياء أوروبا وتقترح اتفاقية للتجارة الحرّة معها لمواجهة سياسات ترامب الحمائية، وتلك روسيا تسعى إلى اختراق المجتمعات الأوروبية عبر ركوب المد اليميني الصاعد فيها بتأثير ترامب تارة، وبمحاولة استمالة حلفاء في حلف شمال الأطلس (الناتو)، مثل تركيا، تارة أخرى، بتأثير ترامب أيضاً.
يستغلّ الرئيس ترامب مركزية الاقتصاد الأميركي، وثقله في الاقتصاد العالمي (24,3%)، وسيطرته على النظام المالي والمصرفي فيه، سواء عبر الدولار أو عبر أنظمة التحويل وغيرها من أدوات، لزرع الخوف في نفوس الخصوم والحلفاء على السواء، ودفعهم إلى الرضوخ لمطالبه، فما إن يطلق تغريدة على “تويتر”، أو يعلن عن حزمة عقوبات على بلدٍ ما حتى تنهار العملة المحلية، تتداعى البورصات، وتبدأ عملية هروب رؤوس الأموال نحو الخارج. إنها ببساطة عمليات تدمير شامل، إنما بوسائل اقتصادية.
قد يرضي هذا المشهد غرور ترامب ونرجسيته، على المدى القصير، لكن السياسات التي يتبعها تؤدي، في نهاية المطاف، إلى توحيد خصومه، وتحفيزهم في البحث عن استراتيجيات مواجهة، وتقويض قدرة الولايات المتحدة على التأثير في النظام الاقتصادي والمالي الدولي الذي أشرفت على وضع أسسه وقواعده بعد الحرب العالمية الثانية. واقع الحال أن ما يقوم به الرئيس ترامب يعبر عن جهل مطبق بحقيقة أن الولايات المتحدة لم تتربّع على قمة هرم القوة في العالم، نتيجة عوامل قوتها الذاتية فحسب، إنما من خلال تحالفاتها الاقتصادية والأمنية أيضًا، سواء في أوروبا، الشرق الأوسط، أو شرق آسيا. وهي شعرت بالحاجة إلى فعل ذلك، عندما كانت حصتها تمثل نصف الناتج الإجمالي المحلي للعالم، فكيف بها الآن، وقد انحدرت حصّتها إلى الربع، وفوق ذلك تريد أن تواجه العالم بمفردها.
مروان قبلان
العربي الجديد