قبل أن ينهي الزعماء الثلاثة بوتين وروحاني واردوغان مؤتمرهم الصحافي القصير عن نتائج قمة طهران حول إدلب، غرد وزير الخارجية محمد جواد ظريف على حسابه في تويتر قائلاً: «اتفقنا في قمة طهران على إنهاء الإرهاب بشكل كامل في سوريا».
ولم يتفق الزعماء الثلاثة على آلية محددة، وتُرك لتركيا التفاوض مع الجماعات المسلحة، وبدا واضحاً حجم الخلاف بينهم عندما عارض بوتين المقترح التركي بوقف إطلاق النار في إدلب «لأن جبهة النصرة وتنظيم داعش ليسا طرفاً في المحادثات» ولا يوجد من يضمنهما، في إشارة إلى انتقاد لاذع وجهه اردوغان إلى اتفاقات خفض التصعيد في أستانة بقوله «غالبية الاتفاقات في مناطق خفض التصعيد لم يتم الالتزام بها».
من وجهة نظر روحاني الذي يواجه في الداخل تحديات خطيرة كادت تطيح به وما زال سيف الإقصاء على رقبته فإنه شدد بشكل لافت على مسألتين تريحان منافسيه في الحرس الثوري خصوصاً :
الأولى: الحصول على إجماع يرفض «التدخل الخارجي غير الشرعي في شؤون سوريا» ومتحدثاً بإسهاب عن أمريكا وإسرائيل بقوله «اتفقنا في قمة طهران على أن التدخل الأمريكي الإسرائيلي في سوريا يعقد الأمور هناك» ومشدداً على الإعلان «وجهتنا التالية بعد إدلب هي شرق الفرات، وعلى القوات الأمريكية أن ترحل».
والثانية، إشارته إلى أن تعاون الدول الثلاث في حل الأزمة السورية يمكن أن يكون مثالاً لحل أزمات أخرى في المنطقة، ويعني العراق واليمن.
ولم يتمكن الزعماء الثلاثة رغم خطاباتهم المفرطة بالدبلوماسية، من إخفاء خلافاتهم التي برزت في القمة الثلاثية خصوصاً بين روسيا وإيران، وبين وتركيا حول عموم الملف السوري، خصوصاً إدلب ومصيرها، بين رفض تركي لعمل عسكري، وإصرار روسي إيراني على حسم معركة إدلب.
لكن ما يمكن قوله أيضاً إن قمة طهران التي لم تختلف كثيراً عن سابقاتها في شكل الخلافات ومضمونها، خاصة القمة الأخيرة في أنقرة، كانت الأكثر إحراجاً لتركيا التي سبقت القمة بخطوة هامة عندما أدرجت هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة سابقاً» على لوائح الإرهاب، بعد رفضها التحول إلى فصيل مسلح قادر على المشاركة في مفاوضات الحل السياسي كما تريد تركيا، لذلك طلبت من روسيا تأجيل معركة إدلب، وهو ما لم تحصل عليه بشكل كامل كما يبدو، لكنها بالمقابل حصلت على (هدن) لكل ظروفها وشروطها مع (مسلحين) عليهم في النهاية تسليم أسلحتهم على حد تعبير الرئيس الروسي الذي وصفهم بالإرهابيين.
مرونة وانحناءات
كان الرئيس الأمريكي ترامب وجّه خطاباً غير مباشر إلى الرئيس التركي في محاولة لليّ ذراعه قبيل القمة الثلاثية، عندما قال في مقابلة مع وكالة «بلومبرغ» «إن خيبة أمله الشخصية من اردوغان جاءت بعدما توسطت الولايات المتحدة لدى إسرائيل لإطلاق مواطنة تركية كانت تحتجزها «لقد أعدت له شخصا. أنا محبط جدا منه (اردوغان)، لكن سنرى كيف ستسير الأمور».
وقبل ذلك كانت واشنطن أرسلت إشارات عن استعدادها التفاهم والتوصل إلى صفقة أو صيغة لتمرير معركة إدلب دون اعتراض، كما حصل في الجنوب السوري عندما وافقت إيران على سحب مستشاريها بعيداً عن الحدود مع فلسطين المحتلة، وذلك رغم كل ما تقوله الإدارة الأمريكية وحلفاؤها عن استخدام سوريا المرتقب للسلاح الكيميائي في هذه المعركة وتهدد مع بريطانيا وفرنسا بضرب النظام.
فقد سبق الرئيس الأمريكي ترامب القمة ووجه تغريدة لبشار الأسد، حول معركة إدلب، أن تكون غير شديدة كيلا تحدث مأساة بحق المدنيين فيها، الأمر الذي يعني اعترافاً أمريكياً واضحاً بالرغبة في التوصل إلى تفاهمات في مناطق أخرى وأن معركة إدلب قد تكون المفصل نحو التحول بشكل كامل إلى الحل السياسي، وهناك ستكون أم المعارك للحصول على ما يمكن الحصول عليه من «الكعكة السورية». إذ استقبل الأسد قبل القمة بأيام، السيناتور الجمهوري الأمريكي ريتشارد بلاك وبحث سياسات واشنطن إزاء سوريا وقضايا المنطقة، بعد تقارير عن زيارة وفد أمني أمريكي إلى دمشق ونفي واشنطن لذلك. وتعمد بلاك خلال لقائه الأسد التأكيد أن السياسات التي انتهجتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة في الشرق الأوسط أفقدت شعوب المنطقة الثقة بكل سياسة واشنطن، مؤكدًاً أن تحقيق المصالح الأمريكية يتطلب من إدارة البيت الأبيض العمل على تغيير هذا الأمر.
إدلب: الرسالة وصلت
وفي ضوء ما يقوله مسؤولون في دمشق من وجود ليونة خليجية وأكثر من 20 اتصالاً أمنياً وسياسياً من مسؤولين غربيين وعرب بينهم سعوديون، بعضهم بحث المشاركة في إعادة الإعمار، والتغيّر الملموس في خطاب الأمم المتحدة، يمكن القول إن معركة إدلب باتت حتمية، وإنها بدأت بالفعل بالغارات التي يقوم بها سلاح الجو الروسي على مواقع المسلحين، ولن يختلف سيناريو إدلب كثيراً عن باقي مناطق خفض التصعيد السابقة، والرسالة وصلت!
القدس العربي