استمر الطيران الروسي بقصف عدة مناطق في ريفي إدلب الغربي والجنوبي، منذ الرابع من أيلول/سبتمبر، وطال القصف ريف جسر الشغور وسهل الغاب وتركز على البلدات المجاورة لطريق حلب-اللاذقية، فيما طال مركزين للدفاع المدني في خان شيخون شرق إدلب والتمانعة إلى الشرق منها.
وأكد مدير الدفاع المدني في إدلب، مصطفى حاج يوسف لـ»القدس العربي» أن الأهداف التي قصفت «هي أهداف مدنية بالكامل فقد استهدفت مراكز الدفاع المدني والبنى التحتية وأسواقا شعبية وعدة مدارس في ريف إدلب الجنوبي».
وأشار في اتصال «كل الشهداء الذين سقطوا هم من المدنيين، ولا يوجد أي عسكري بينهم» مضيفاً «لم تسجل أي حالة قصف على المقرات أو المواقع العسكرية، ولم نبلغ بذلك».
وعن التخوف من القصف بالسلاح الكيميائي، قال: «رغم قدراتنا المحدودة فأننا نعمل طوال الوقت من أجل تقديم خدماتنا والتخفيف عن المواطنين. والوقاية من السلاح الكيميائي بحاجة لمقدرات دول كبرى، ونعمل ضمن الإمكانيات ومحور عملنا مبني على العنصر البشري».
من الناحية السياسية، لم تسفر قمة طهران عن حل عقدة إدلب، وظهر الخلاف في الاجتماع الثلاثي الذي نقل على الهواء مباشرة على غير عادة القمم الثلاثية.
وتوقع نائب رئيس الهيئة السياسية في محافظة إدلب، المحامي محمد سلامة ان «تتجه إدلب إلى الهدوء بعد القمة الثلاثية» وعزا في تصريح لـ «القدس العربي» ذلك إلى عدة أسباب، أهمها «الموقف التركي الواضح حول إدلب». وقال: «ان إدلب تعتبر العمق الاستراتيجي للأمن القومي التركي ولا يمكن التخلي عنها بسهولة، إضافة إلى توحد الفصائل العسكرية في الجبهة الوطنية للتحرير».
وأضاف «حجم التحصينات الهندسية في عموم الشمال وخصوصا في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الجنوبي أرسل رسالة واضحة إلى الروس وإيران عن صعوبة العملية العسكرية، وأدركت الأطراف أنه لم يبق خيار للسوريين في الشمال إلا المقاومة، وهذا ما سيجعل المعركة بالغة الصعوبة».
الخلاف الروسي التركي الذي ظهر إلى العلن في القمة الثلاثية، يدلل على فشل الوفود الأمنية والعسكرية سواء على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات في اجتماعي 17 و24 من آب/أغسطس في موسكو، أو الاجتماعات السرية التي استمرت خمسة أيام متواصلة من 31 آب/أغسطس حتى الرابع من أيلول/سبتمبر الجاري، على مستوى التقنيين العسكريين والضباط الأمنيين، عدا عن التواصل المكثف بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف. كل تلك الاجتماعات والجهود لم تفض إلى اتفاق يجنب إدلب مصير سابقاتها من مناطق خفض التصعيد الثلاث، حسب الكلام المعلن من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كرر الأسطوانة الروسية المعتادة عن وجود الإرهابيين والخشية من شنهم الهجمات بالسلاح الكيميائي. والذي نوه إلى ان الوثيقة أعدت بشكل دبلوماسي، في إشارة إلى تنصل بلاده منها بشكل أو بآخر.
إيران من جهتها، ركزت على لسان الرئيس حسن روحاني، على قضيتين أساسيتين: وجودها الشرعي في سوريا ورفضها الخروج منها، وعلى انتفاء الحاجة إلى الوجود العسكري الأمريكي في شرق الفرات بعد القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية». وخفف روحاني من تأكيده على عملية عسكرية في إدلب، في محاولة تجنيب التوتر مع الرئيس التركي، الذي بدا غير مرتاح من اعتراض الرئيس الروسي.
الخطوات التركية المنتظرة
يدرك القادة الأتراك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن الوقت بدأ ينفد من بين أيديهم بخصوص الحل على الطريقة التركية، ويترتب على تركيا من أجل إيقاف عملية عسكرية في إدلب التالي:
التدخل المباشر لمنع أي هجوم على مطار حميميم من قبل هيئة «تحرير الشام»(جبهة النصرة).
وقف الهجمات الصاروخية على مدينة حلب بشكل نهائي.
عزل «الإرهابيين» المنضوين في التنظيمات المصنفة على لوائح الإرهاب الدولية والتركية. والعزل هنا يعني حل تلك الفصائل بشكل نهائي وعاجل، وفي حال رفضها فهذا يعني بدء معركة استئصال لها. بذل جهود مع الدول المصدرة للمقاتلين الأجانب من أجل السماح لهم بالعودة إلى بلدانهم.
إضافة بند نزع السلاح من الفصائل التي تقبل التسوية السياسية وعودة سيطرة النظام السوري.
ابعاد الرافضين للتسوية إلى عفرين وشمال حلب.
تلك إجراءات، يمكن أن تعمل بها أنقرة على المديين القصير والمتوسط من أجل إبعاد شبح عملية عسكرية في إدلب. وهذا سيغير استراتيجية التعامل مع الفصائل العسكرية في إدلب ويزيد التواجد التركي على الأرض كما تواجدها في منطقة «درع الفرات» بمعنى أنها ستشهر عصا غليظة ضد هيئة «تحرير الشام» (وضعتها أنقرة على لائحة الإرهاب نهاية الشهر الماضي) واجبارها على حل نفسها. وإن لم تفعل، فان أنقرة ستدفع بـ»الجبهة الوطنية للتحرير» من أجل بدء معركة القضاء على «تحرير الشام» بشكل نهائي.
عملية إنهاء «تحرير الشام» تتطلب بالضرورة اشراك فصائل «درع الفرات»، على اعتبار ان الكثير من الفصائل المنضوية في «الجبهة الوطنية للتحرير» لا تملك إرادة قتال النصرة، وكون أغلب مقاتلي «درع الفرات» يملكون ثأراً بسبب تهجير «تحرير الشام»(النصرة) لهم وطردهم من محافظة إدلب بعد القضاء على فصائلهم عام 2015و2017. إضافة إلى ان تركيا لا تريد معركة طويلة في إدلب وتريد اقناع روسيا بانها قادرة على ضبط الأمور بسرعة كبيرة.
ان قرار مواجهة «جبهة النصرة» الذي تجنبته تركيا مرارا، أصبح محتوما عليها، وتدرك أن عدم تحركها بسرعة للقضاء على التنظيم سينهي الأمل الأخير في بقائها في إدلب. وفي حسابات الربح والخسارة فان عملية القضاء على «تحرير الشام»(النصرة)، ستكون كلفتها على تركيا وأمنها القومي أقل بكثير من حرب تشنها روسيا في إدلب تؤدي إلى نزوح مئات الآلاف إلى داخل حدودها. إضافة إلى شرعنة وجودها وتعزيز نفوذها في إدلب. السيناريو الواضح لمستقبل إدلب القريب، يشير إلى أن الاقتتال قادم لا محالة، وأن الفصائل ممثلة بـ»الجبهة الوطنية للتحرير» ستقوم بدور وظيفي هو القضاء على «تحرير الشام» حاليا، ومن ثم يبقى الموافقون على التسوية السياسية مع النظام، فيما يبعد الآخرون.
كل هذا هو رأي أولي يبنى على الكثير من المعطيات وعلى القمة الثلاثية التي بثت على الهواء مباشرة، واتضح فيها حجم الخلاف بين الأطراف.
على الضفة الأخرى، يبدو أن الرئيس التركي، كان واضحا في تحذيره بوتين وروحاني، عندما قال «مستقبل إدلب لا يتعلق بمستقبل سوريا، بل بمستقبل تركيا» وهذا إشارة واضحة إلى ان أي معركة في إدلب ستكلف العلاقة مع تركيا، وهذا ما لا تريده إيران في الوقت الذي يشتد الحصار عليها. ولا تريده روسيا التي تسعى جاهدة إلى بناء شراكة استراتيجية مع تركيا ودفعها إلى الابتعاد عن حلف شمال الأطلسي «الناتو».
منهل باريش
القدس العربي