كانت الشمس قد شارفت على المغيب، حين رأى خمسة أفراد مسلحين، يخفون وجوههم بلثام أسود، ترجلوا سيارة فضية اللون مظللة بالكامل يقتحمون حديقة منزله في بلدة حارم بمحافظة إدلب (شمالي سوريا)، وفي ظرف ثوان معدودة وجد نفسه معصوب العينين مكبل اليدين والرجلين.
يعتدل القاضي محمد نور حميدي (53 عاما) في جلسته، وبصوت خافت ومتعب يروي للجزيرة نت قصة اختطافه على يد مجهولين.. “احتجزت في غرفة مظلمة بمكان مجهول مدة 21 يوما، تعرضت للإهانة والتعذيب بطرق وحشية”، ويضيف “البقاء على قيد الحياة كلفني دفع مبلغ خمسين ألف دولار للخاطفين”.
هذه الواقعة ليست حدثا نادرا في شمال سوريا، فالخطف مقابل مبلغ مالي كبير قد يصل لنحو 500 ألف دولار بات أمرا اعتياديا، ومن لا يتوفر لديه المال يُعثر عليه جثة على قارعة الطريق، إذ سُجّلت في الأشهر الثلاثة الماضية فقط عشرات الحالات، معظمها في محافظة إدلب.
فشل الأجهزة الأمنية التابعة للمعارضة بمكافحة عصابات الخطف والسطو والسرقة كان له أثر سلبي على الحركة التجارية في عموم الشمال السوري، بحسب تاجر المجوهرات أحمد العلي الذي أبدى تذمره من الانفلات الأمني الرهيب والمتصاعد في مدينته إدلب.
وأضاف أحمد العلي (44 عاما) للجزيرة نت “نجوت من محاولتي اختطاف خلال أسبوع واحد، قررت إغلاق الدكان والعزوف عن تجارة المجوهرات استعدادا للسفر خارج سوريا. ربما ينجح الخاطفون في المرة الثالثة وعندها سأدفع كل ما أملك لقاء إطلاق سراحي، أنا على ثقة بأن جميع التجار سيغلقون محالهم ومصانعهم قريبا في حال استمرت هذه الفوضى”.
عمر سلخو القيادي في حركة نور الدين الزنكي أكد فشل الفصائل المقاتلة حتى الآن بمكافحة العصابات وتوفير الأمان لملايين المواطنين في معقل المعارضة الأخير شمال سوريا.
وقال في تصريح خاص للجزيرة نت “هناك خلايا موجودة في إدلب وما حولها تتبع للنظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية هدفها زعزعة استقرار المنطقة من خلال تفجير السيارات المفخخة والعبوات الناسفة في مناطق مدنية”.
وأضاف سلخو “أطلقنا منذ مدة حملة واسعة ضد عصابات الخطف والسرقة في شمال حلب وحققنا تقدما ملحوظا في هذا الملف، لكن الاستقرار التام يحتاج وقتا وجهودا مضاعفة من الجميع”.
ارتفاع معدل الاغتيالات
تستجيب منظمة الخوذ البيضاء عادة لبلاغات تتعلق بحوادث أمنية مثل العثور على جثث لأشخاص مجهولي الهوية أو الاشتباه بوجود سيارات مفخخة وعبوات ناسفة، لكن بحسب إبراهيم الحاج، مدير المكتب الإعلامي في مركز الأتارب التابع للخوذ البيضاء، فإن هذه البلاغات زادت نسبتها بشكل مخيف في الآونة الأخيرة.
ويضيف الحاج “خلال أسبوع واحد عثرنا على 14 جثة لأشخاص مجهولي الهوية كانوا قد اختفوا في وقت سابق، وهو رقم مخيف وغير مسبوق في المنطقة”.
ووفق إحصائية غير رسمية صادرة عن مجالس محلية، جرى إحصاء نحو 93 حالة اختطاف و300 محاولة اغتيال استهدفت مدنيين وناشطين وقادة عسكريين تابعين للمعارضة المسلحة في الشمال السوري خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط.