من المؤتمرات الصحافية والسجالات، خلال البرامج التلفزيونية الحوارية التي تذاع بشكل يومي من 59 فضائية عراقية مختلفة، إلى “تويتر”، انتقلت حلبة الصراع السياسي فيالعراق. فقد باتت تصريحات الزعماء السياسيين محصورة من خلاله بطريقة الرد والرد المقابل، وهو ما دفع بالعراقيين أيضاً إلى الانتقال إلى “تويتر” بدلاً من “فيسبوك” للمشاركة في التعليقات ومناصرة هذا أو ذاك، وهو ما بدا واضحاً خلال الشهرين الماضيين.
وحول ذلك، يقول القيادي في تحالف “القرار” العراقي أثيل النجيفي، وهو من السياسيين العراقيين على “تويتر”، ويستخدمه ضد خصومه من نظرائه في العمل السياسي، إنّ “تويتر يمثل منصة سهلة الاستخدام، تسمح لأي سياسي لا يملك وسيلة إعلامية جاهزة، أن يعلن رأيه أو قراره. ونحن الذين لا نملك أموالاً كثيرة لشراء محطات تلفزيونية وتأسيس إذاعات وصحف، وتعيين مئات الموظفين من أجل إيصال رسالة من 10 كلمات. عبر “تويتر” يكون الأمر مجانياً، وترى بنفسك مدى تقبل الجماهير رأيك، بالإضافة إلى سرعة وصول هذا الرأي”.
ويُبيّن لـ”العربي الجديد” أنّ “استخدام السياسيين في كل العالم لمواقع التواصل الاجتماعي بات أمراً مفروضاً عليهم، لأن واقع الاتصال بينهم والجماهير يتطلب ذلك، وانطلق الأمر عبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي وجد أن رأيه عبر وسائل الإعلام الأميركية يحرَّف ويضاف إليه، ولكن عبر “تويتر” مثلاً لا يمكن التلاعب به”، على حد قوله، علماً أنّ ترامب يستخدم هذا التبرير لقمع الإعلام الأميركي.
وخلال عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، اشتعل موقع “تويتر” بتغريدات ساخنة، جاء أغلبها من مقتدى الصدر، التي بدأت باتهام مليشيات “الحشد الشعبي” بتزوير الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/ أيار الماضي، ثم الدعوة إلى اختيار رؤساء السلطتين “التشريعية والتنفيذية” بنزاهة وبحسب الاختصاص، وليس أخيراً باتهام الأحزاب السنّية المقربة من إيران بشراء مناصب سيادية وتعيينات وزارية، وتوالت الردود عبر “تويتر” أيضاً، من سياسيين متفرقين.
إلى ذلك، يلفت عضو “ائتلاف الوطنية” حامد المطلك إلى أنّ “عملية التهديد التي يتبناها السياسيون في تويتر، تشير إلى ضعف إمكانية الأحزاب في التوصل إلى حلول بشأن خلافاتهم عبر الجلسات والاجتماعات، وهو أمر في غاية الخطورة، وكأن السياسة في العراق بيد أطفال وليس قادة وزعماء لمكونات وكيانات منتخبة بواسطة الشعب”. ويوضح في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن “مقتدى الصدر هو أول من غرّد من السياسيين العراقيين عبر تويتر، لأنه وجد صعوبة في التعامل مع بقية الأحزاب، لذلك قرر مخاطبة الرأي العام، وكشف نيات بعض الأحزاب التي تريد الفساد وتقسيم المناصب في ما بينها، لا سيما أن بعض السياسيين في الدولة العراقية لا يمتلكون مشروعاً وطنياً أو اقتصادياً، إنما يفكرون بمصالحهم فقط، وكيفية التحكم بالبلاد وسرقتها، لذلك فإن الصدر يعتمد على الشارع وهو يخاطبه بهذه التغريدات، وعبر منصة تويتر يمكن له شحن مؤيديه للتوجه إلى التظاهرات أو الاحتجاجات وهذا ما حصل في السنوات الماضية”.
وفي هذا الصدد، يُبيِّن عضو تيار “الحكمة” محمد اللكاش، أن “توجه السياسيين إلى تويتر هو أمر غير صحيح، لأن العملية السياسية في البلاد لا صداقات فيها ولا عداوات، وأن تثبيت المواقف عبر كتابتها في مواقع يمكن للناشطين من الشعب حفظها وفضح السياسيين في ما بعد”.
ويشير في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “ثقل الكيانات السياسية بما تملك من مقاعد داخل البرلمان العراقي وليس في عدد المتابعين لها في مواقع التواصل، لذا فإن الفرقاء السياسيين عليهم اتخاذ الحوار والبحث، وحل مشاكلهم العالقة عبر اجتماعات أو خطابات سرّية، لأن المواطن العراقي هو بالأساس فاقد الثقة بالحكومة والسياسيين، وقيام قادة الأحزاب بالتناحر عبر تويتر سيفقد شرعية الحكومة من وجهة نظر الشارع العراقي، ولا سيما أن غالبية السياسيين يستخدمون تويتر لا من أجل إعلام الشعب بخفايا الأمور إنما لأغراض التسقيط والفضائح”.
بدوره، يرى أستاذ الإعلام في جامعة بغداد رعد جاسم، أن “النخبة السياسية في العراق بدأت تدرك أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في تسهيل الكثير من الجدل السياسي، وبرغم استخدام أغلبية العراقيين برنامج تويتر لأسباب ترفيهية، إلا أن السياسيين استغلوه كمنصة سياسية”، مبيناً لـ”العربي الجديد” أنّ “السياسيين العراقيين يحاولون بطريقة أو بأخرى استثمار أي شيء واستغلاله لصالحهم، وكان آخرها مواقع التواصل الاجتماعي لزج الجدل السياسي فيها، وقد تكون هذه الوسيلة أكثر سهولة وتأثيراً، خصوصاً أن ما يقارب نصف الشعب العراقي مستخدمون لمواقع التواصل”.