يحث التوتر الحدودي الحادّ الذي نشأ هذا الأسبوع بين إسرائيل و”حزب الله” على إلقاء نظرة عن كثب إلى الموقف الشعبي من الميليشيا في لبنان – لا سيّما في حالة الحرب. ولحسن الحظ، يُظهر استفتاء جديد موثوق للرأي العام اللبناني أن بعض الشيعة يعربون الآن عن تحفظات بشأن سياسات “حزب الله”- فيما يبقى السّنّة سلبيين بشدّة وينقسم المسيحيون بشأن التنظيم. وتجدر الإشارة بشكلٍ خاص إلى الشهادات عن هذه الشكوك حول “حزب الله” بين الشيعة نظرًا إلى المحظورات الاجتماعية والمخاطر الشخصية الحقيقية التي يواجهونها في انتقاد حركتهم السياسية/العسكرية “الخاصة”.
ما يثير الانتباه بحسب البيانات هو أن ثلث الشيعة فحسب يريدون من قوات “حزب الله” “أن تبدأ بمواجهة إسرائيل بنشاط”. حتى أن عددًا أقل من الشيعة يبلغ الربع فحسب يقول إن حل المشكلة الفلسطينية يجب أن تكون الأولوية الإقليمية الأهم. وفي ما يخص مسألة مختلفة إنما على صلة بالموضوع، لا يوافق الثلث كلّيًّا على “أن يعمل ’حزب الله‘ لحماية لبنان ومقاومة إسرائيل فحسب، بدلًا من خدمة أي جدول أعمال خارجي”. أما نسبة الشيعة اللبنانيين الذين يعربون عن نظرة “إيجابية جدًّا” إزاء “حزب الله” اليوم، ففيما تبقى مرتفعة بمعدّل 77 في المئة، انخفضت نوعًا ما بعد أن كانت 83 في المئة في الاستطلاع السابق الذي أُجري تحديدًا منذ سنة.
ما يثير الدهشة أكثر بعد، هو أن أغلبيةً صغيرةً – تبلغ 53 مقابل 47 في المئة – من عامة الشعب اللبناني بمجمله (الشيعة والسنّة والمسيحيين بالإضافة إلى الأقلية الدرزية الصغيرة) تحتفظ الآن في الحقيقة بوجهة نظر غير مؤاتية إزاء “حزب الله”. وتستمر الآراء السنّية المتشابهة تقريبًا من ناحية سلبيتها في عدم إظهار أي علامة تليين. ويقف المسيحيون اللبنانيون في الوسط كما اعتادوا في العقد الأخير؛ فتنقسم مواقفهم تجاه “حزب الله” بين إيجابية وسلبية.
كما تتضح القطبية المذهبية الملحوظة في المواقف تجاه الرئيس ترامب والسياسات الأمريكية في المنطقة، التي تحظى بالميل الإيجابي الأكبر من جانب السنة. فمن بين السنّة، يعطي 36 في المئة تقييمًا مؤاتيًا لترامب؛ ومن بين الشيعة، يبلغ هذا الرقم بالكاد 3 في المئة. ويقف المسيحيون مجدّدًا في الوسط، مع إعراب 23 في المئة عن آراء إيجابية حول الرئيس الأمريكي. ويظن نصف السنّة، إنما بالكاد 11 في المئة من الشيعة، أنه من المهم أن يحافظ لبنان على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة. وهذه النسبة متوسطة (ومنخفضة على نحوٍ غير متوقَّع) مرّة أخرى في الأوساط المسيحية، إذ تبلغ 38 في المئة.
كذلك، عند طلب اختيار الأولوية الأهم بالنسبة إلى سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تتجمّع الآراء إلى درجةٍ ما ضمن خطوطٍ مذهبية. فيختار حوالى 30 في المئة من كل طائفة مكافحة الإرهاب الجهادي على أنها سياستهم الأمريكية المفضّلة. لكن في ما يخص احتواء إيران، تتشعّب الآراء بشكلٍ صارخ: فبين السنّة، يختار 45 في المئة إيران على أنها الأولوية الأمريكية الفضلى؛ لكن بين الشيعة، يبلغ هذا الرقم صفر بالتحديد، ولا يتعدّى 12 في المئة بين المسيحيين. وفي المقابل، لا يضع إلا 9 في المئة من السنة حل المشكلة الفلسطينية على أعلى هذه اللائحة، مقارنةً بحوالى ربع كلٍ من الشيعة والمسيحيين. وتريد النسبة ذاتها من كلا الشيعة والمسيحيين من الولايات المتحدة ببساطة “أن تخفف تدخلها في المنطقة” – لكن لا يقول إلا 10 في المئة من السنّة الأمر نفسه.
عند طرح السؤال حول الزعماء الآخرين حول العالَم، تُظهر البيانات أيضًا قطبيةً مذهبيةً حادّةً، إنما من نوعٍ آخر إلى حدٍ ما. فيحظى الرئيس الروسي بوتين بتأييدٍ تبلغ نسبته 85 في المئة بين الشيعة في لبنان، إنما بالكاد 13 في المئة بين السنّة – والسبب المفترَض هو الدعم الروسي الكبير لنظام الأسد المذهبي في سوريا المجاورة. وينقسم المسيحيون مجددًا: فينظر 41 في المئة إلى بوتين بشكلٍ إيجابي، على عكس الباقين. وتتوزع الأرقام بشكلٍ مشابه في ما يخص روسيا ككل: إذ يقول كافة الشيعة تقريبًا (92 في المئة) إنه من المهم أن يتمتع لبنان بعلاقاتٍ طيّبة مع ذلك البلد، مقارنةً بمجرّد 28 في المئة من السنّة و53 في المئة من المسيحيين.
في صورة تعكس هذا الانقسام الطائفي، ينظر ثلثا السنّة في لبنان بشكلٍ إيجابي إلى الرئيس التركي السنّي أردوغان، مقابل 7 في المئة فحسب من الشيعة. غير أن ما يصعب تفسيره أكثر هو الفارق المذهبي الشاسع في ما يتعلق بالرئيس الصيني شي. فهو يلقى تأييدًا يبلغ 71 في المئة بين اللبنانيين الشيعة، إنما 13 في المئة فحسب بين السنّة – ربما لأنهم يعتبرون الصين كحليف للنظام الشيعي في إيران. وينقسم المسيحيون بالتساوي تقريبًا بشأن هذين الزعيميْن أيضًا.
في ما يرتبط ببعض المسائل الداخلية البارزة، يُظهر الشعب اللبناني على العكس إجماعًا قويًّا عبر الخطوط المذهبية – ولو بطريقة لا تُشعِر حكومة بيروت بكثيرٍ من الراحة. فيقول 95 في المئة تمامًا من إجمالي السكّان، والأغلبية الساحقة من كل طائفة، إن ما تقوم به حكومة لبنان “ضئيل جدًّا” على صعيد “تخفيف مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية”. كذلك، يقول مجموعٌ موازٍ إحصائيًّا يبلغ 92 في المئة إن حكومته لا تقوم بالكثير أيضًا لضمان “مشاركة عبء الضرائب والالتزامات الأخرى… بطريقة عادلة”. وفيما يمكن أن يتفق كافة اللبنانيين تقريبًا على هذه الانتقادات، يبدو أن الشلل السياسي والمصالح الخاصة المترسخة والمتكاثرة بفعل اختلافاتهم الطائفية حول عددٍ كبيرٍ من المسائل الأخرى يعيقان كثيرًا على الأرجح إحراز التقدّم في معالجتها.
هذه النتائج هي حصيلة دراسة استقصائية أجرتها وجهًا لوجه شركة تجارية إقليمية على عيّنة وطنية تمثّل 1000 لبناني خضع للاستجابة في تشرين الثاني/نوفمبر 2018. واتّبعت عملية اختيار العيّنة تقنيات العينات العشوائية الجغرافية المعيارية، من دون إضافة أي ملاحظات إلى البيانات الناتجة. ويبلغ هامش الخطأ الإحصائي لكل عيّنة فرعية مذهبية أساسية ما يقارب 4.5 في المئة. وتتوافر التفاصيل المنهجية الكاملة بناءً على الطلب.
معهد واشنطن