بغداد – أعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء أنها سترسل قوات إضافية لحماية سفارتها في بغداد بعدما أن هاجمها آلاف المحتجين من أنصار الحشد الشعبي محاولين اقتحامها احتجاجا على الغارات الجوية التي استهدفت ليل الأحد قواعد تابعة لكتائب حزب الله العراقي الموالي لإيران.
وقال وزير الدفاع الاميركي مارك اسبر ان البنتاغون سيرسل “فورا” حوالي 750 جنديا اضافيا الى الشرق الاوسط “ردا على الأحداث الأخيرة في العراق”.
وأفادت وكالة الأنباء العراقية بوقوع إصابات في صفوف المتظاهرين قرب السفارة الأميركية نتيجة إطلاق الغاز المسيل للدموع.
وقال شهود عيان الاربعاء إن القوات المكلفة بحماية مبنى السفارة الأمريكية أطلقت الغازات المسيلة للدموع لتفريق المحتجين من أتباع قوات الحشد الشعبي وكتائب حزب الله العراقي المعتصمين أمام مقر السفارة الأميركية بالمنطقة الخضراء في بغداد .
وقال الشهود إن الغازات المسيلة للدموع تسببت بحدوث حالات اختناق كما أشعل عدد من المحتجين النيران في السياج الخارجي للسفارة .
كما شوهدت أعداد كبيرة من القوات الأميركية فوق أسطح السفارة الاميركية مدججين بالسلاح.
ووصلت أعداد كبيرة من المحتجين الأربعاء إلى ساحة الاحتجاج على شكل أفواج وأفراد بينهم نساء ومعممين للانضمام إلى المعتصمين في ظل انتشار كبير لقوات الحشد الذين يرتدون الزي العسكري دون حمل السلاح.
ويستمر اعتصام المئات من أنصار كتائب حزب الله العراقي أمام مبنى السفارة الأميركية، للمطالبة بإنهاء الاتفاقية الأمنية وخروج القوات الأميركية من العراق.
وامتلأ السياج الخارجي للسفارة بالشعارات المنددة بالإدارة الأميركية، فضلا عن رفع العشرات من أعلام كتائب حزب الله.
وتمثل الاحتجاجات، التي تقودها فصائل مسلحة مدعومة من إيران، منعطفا جديدا في صراع بالوكالة يدور بين واشنطن وطهران في مناطق مختلفة بالشرق الأوسط.
ويقول متابعون إن “بقاء المعتصمين مرهون بقرار من قيادات كتائب حزب الله، وحتى تتحقق المطالب بإغلاق السفارة الأميركية وخروج القوات الأمريكية باعتبارها أصبحت تشكل خطرا على أمن العراق”.
وفي حين حمّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران مسؤولية الوقوف وراء الهجوم، نّددت طهران بـ”وقاحة” واشنطن، داعية إياها إلى إعادة النظر في سياساتها في المنطقة.
وقال ترامب الثلاثاء ان طهران ستدفع “ثمنا باهظا” بعد اقتحام الاف العراقيين المؤيدين لايران السفارة الاميركية في بغداد.
واضاف أن “ايران ستتحمل المسؤولية الكاملة عن اي خسائر بالارواح او اضرار لحقت بمرافقنا”، شاكرا للقادة العراقيين “استجابتهم السريعة” لحماية السفارة.
وتابع “سيدفعون ثمنا باهظا! هذا ليس تحذيرا، انه تهديد. عام سعيد!”.
وأجرى ترامب اتصالا برئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي أكد خلاله “ضرورة حماية المنشآت الاميركية في العراق والاشخاص العاملين فيها”، بحسب البيت الأبيض.
وكان ترامب قد اتّهم إيران بالوقوف وراء الهجوم على السفارة الأميركية، قائلا عبر تويتر، “إيران دبّرت هجوما ضد السفارة الأميركية في العراق، وسيُحمّلون مسؤولية ذلك بشكل كامل”، داعيا العراق الى “استخدام قواته لحماية السفارة”.
إلا أنه عاد ليعلن أنه لا يريد ولا يتوقع حربا مع إيران، ولدى سؤاله عن احتمال تصاعد التوتر إلى حرب مع إيران، قال ترامب للصحفيين “هل أريد؟ لا. أريد السلام وأحب السلام. ويجب أن ترغب إيران في السلام أكثر من أي شخص آخر. لذلك أنا لا أرى ذلك يحدث”.
ويتصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، وهما حليفتين لبغداد، وسط مخاوف من تحول العراق إلى ساحة صراع بين الدولتين.
ورفضت إيران، اتهامات المسؤولين الأميركيين لها بالمسؤولية عن الهجوم على السفارة بغداد.
النفي الإيراني جاء على لسان متحدث وزارة خارجيتها، بهرام قاسمي، بيان صادر عنها ردًا على الإدارة الأميركية التي تتهم طهران بالوقوف وراء تلك الاعتداءات.
وقال قاسمي في بيانه “لقد وصل المسؤولون الأميركيون إلى مثل هذه الوقاحة المذهلة لدرجة أنها تستطيع أن تنسب لإيران احتجاجات الشعب العراقي ضد هذه الهجمات الوحشية التي شنتها واشنطن ضد الأراضي العراقية متسببة في مقتل 25 شخصًأ على الأقل من ذلك الشعب”.
وأعلن البنتاغون ارسال “قوات اضافية” لضمان امن البعثة الدبلوماسية ووصلت مروحية تقل عناصر من مشاة البحرية (المارينز) الى المكان في وقت لاحق.
وفي محيط السفارة اعتصم مئات من مناصري المعسكر الموالي لإيران احتجاجا على الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت ليل الأحد مواقع لكتائب حزب الله في غرب العراق وأسفرت عن مقتل 25 مقاتلا.
وجاءت الغارات ردا على مقتل أميركي في هجوم بـ36 صاروخا استهدف قاعدة في شمال العراق فيها جنود أميركيون.
والهجوم على الأميركيين هو الأحدث في سلسلة هجمات صاروخية ضد مواقع توجد فيها قوات أميركية في العراق.
وكان مناصرون ومقاتلون في الحشد الشعبي تجمّعوا في محيط السفارة لتشييع القتلى، وهي المرة الأولى التي يتمكن فيها المحتجون من الوصول إلى السفارة الأميركية المحمية إجمالا بشكل مشدد بسلسلة من حواجز التفتيش وهي تقع داخل المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد.
يأتي هذا التطور في خضم حركة احتجاجية شعبية غير مسبوقة يشهدها العراق منذ أكتوبر ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، وضد النفوذ الإيراني الواسع في العراق.
ويدعو العراق منذ أشهر حليفيه الكبيرين الأميركي والإيراني إلى عدم تحويل أراضيه إلى ساحة معركة بينهما. وتدفق رجال يرتدي عدد كبير منهم زي قوات الحشد الشعبي وعدد من النساء في اتجاه السفارة الأميركية واجتازوا الحواجز الأمنية وصولاً إلى الجدار المحيط بالسفارة، وقاموا بتحطيم كاميرات المراقبة المثبتة على السور الخارجي، ورشقوا أبراج المراقبة بالحجارة وأحرقوا بعضها.
ثم اقتحموا البوابة الرئيسية للسفارة وصولا الى المدخل حيث يقوم عناصر أمن السفارة بتفتيش الزوار.
وأطلقت قوات أميركية بعض العيارات النارية في الهواء، ثم قنابل الغاز المسيل للدموع وأخرى دخانية لتفريق المتظاهرين.
ودعا رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي المتظاهرين إلى إخلاء المنطقة.
وقد امتثل لندائه قسم من المحتجين الذي خرجوا من المنطقة الخضراء فيما تمركزت وحدات خاصة عراقية في محيط السفارة.
ونصب عدد من المحتجين خياما قرب السفارة وبدؤوا اعتصاما مفتوحا.
وطالبت كتائب حزب الله العراقي والفصائل الموالية لإيران المنضوية في إطار الحشد الشعبي الذي يساند القوات العراقية، بعد الضربات الأميركية الأخيرة، بطرد “العدو الأميركي” من البلاد.
وكان المحتجون قبل مهاجمة السفارة يشاركون في تشييع المقاتلين الذين قتلوا في الضربات الأميركية.
وحملوا لافتات كتب على إحداها “الى البرلمان: يجب إخراج القوات الأميركية وإلا سيتم طردها”، فيما كتب على أخرى “أغلقوا السفارة الأميركية في بغداد”، و”الى أميركا.. سنردّ بقوة”.
كما كتب المحتجون على جدار السفارة الخارجي عبارات بينها “قائدي سليماني”، في إشارة الى قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني المسؤول عن العمليات الخارجية ومهندس الاستراتيجية العسكرية الإيرانية في المنطقة.
وشارك عدد من أبرز قادة الحشد الشعبي في الاحتجاجات، بينهم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ونائبه أبو مهدي المهندس وزعيم فصيل عصائب أهل الحق قيس الخزعلي.
وأصدرت كتائب حزب الله في العراق بيانا جاء فيه أن “الصولة على سفارة الشر والتجسس والتآمر الأميركي هي الدرس الأول من الفصل الأول للصفحات القادمة من صفحات العزة والإباء”.
وتابع البيان “الخطوة المقبلة ستتمثل بإقرار قانون إخراج القوات المحتلة وتوابعها من العراق”.
وتنشر الولايات المتحدة حوالى 5200 جندي في العراق لتدريب قوات الأمن ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ومنع عودته الى البلاد.
وكانت الضربات الأميركية الأخيرة تسببت بتوتر في العلاقات بين واشنطن وبغداد.
وأعلنت الحكومة العراقية الاثنين أن الضربات التي حصلت على الحدود العراقية-السورية تدفعها الى “مراجعة العلاقة” مع الولايات المتحدة. وقال بيان رسمي “اعتمدت القوات الأميركية على استنتاجاتها الخاصة وأولوياتها السياسية، وليس الأولويات كما يراها العراق حكومة وشعباً”.
ودعا نواب في البرلمان العراقي حكومة بلادهم إلى مراجعة الاتفاق مع الولايات المتحدة الذي يسمح بنشر جنود أميركيين في البلاد، وقالوا إن تلك الضربات ترقى إلى انتهاك للسيادة.
العرب