الشرق الأوسط يتغيّر. هل سيتخلّف الفلسطينيون عن الركب؟

الشرق الأوسط يتغيّر. هل سيتخلّف الفلسطينيون عن الركب؟

في 15 أيلول/سبتمبر وفي البيت الأبيض، أضفت إسرائيل الطابع الرسمي على السلام مع الإمارات العربية المتحدة، ووقّعت إعلان سلام مع البحرين. وبالنسبة إلى البعض، رمز ذلك الحدث إلى بزوغ يومٍ جديدٍ في المنطقة، بينما تحسّر البعض الآخر عليه لأنه منح إسرائيل مكافأة ولن يسهم كثيراً في إنهاء احتلال الفلسطينيين.

ويميل المتحسّرون إلى التجاهل بأنه على الأقل في حالة الإمارات، أوقف قرارها عملية الضم الإسرائيلي الأحادي الجانب للأراضي المخصصة لها بموجب اتفاق ترامب للسلام. وعلى هذا النحو، تغاضوا عن [واقع] كونه يطبّق بوضوحٍ كبير مفهوم الارتباط في أي خطوات عربية تجاه إسرائيل: فمقابل قيام الدول العربية بالتطبيع الجزئي أو الكلّي، سيتعيّن على إسرائيل اتّخاذ خطوات إيجابية – أو تفادي الخطوات السلبية كما في حالة الإمارات – تجاه الفلسطينيين.

ويمكن استخدام قدوة الإمارات لتعزيز استئناف الدبلوماسية التي يمكن أن تُغيّر واقع الطريق المسدود بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكنّ النقّاد فوّتوا هذه النقطة. كما فوّتوا نقطة أخرى وهي رفض جهود “السلطة الفلسطينية” لإدانة تصرف الإمارات من قبل “جامعة الدول العربية” و”منظمة التعاون الإسلامي”. فمن الناحية التاريخية، كان يتمّ تبنّي أي قرار يدفع به الفلسطينيون لإدانة أي خطوة تجاه التطبيع مع إسرائيل أو انتقادها بشكلٍ بديهي تقريباً. لكن ليس في الوقت الحالي. ما السبب؟ ما الذي يمكننا استنتاجه من ذلك، ومن قرار البحرين بجعل السلام مع إسرائيل رسميّاً أيضاً ، حول كيفية تغيّر المنطقة؟

لم تعد القضية الفلسطينية أولويةً كالسابق بالنسبة لمعظم الدول العربية. فهذه الدول ليست منشغلة بالفلسطينيين بل بالتهديدات التي تواجهها من إيران ومن جماعة «الإخوان المسلمين»، وهي ترى إسرائيل حصناً ضدّ كلتيهما. كما ترى أنّ المنافع تتحقق من التعاون مع إسرائيل في مجال الأمن. لكنها لا ترى أنّ قيمة التعاون تكمن في مجال الأمن فقط. فجائحة “كوفيد-19” وظروف الجفاف المتفاقمة تجعل الدول في المنطقة تواجه تحديات جديدة هائلة لتلبية احتياجات الصحة والمياه والأمن الغذائي. وتبدو إسرائيل التي تتمتع بقدرات طبّية وبحثيّة، وخبرة فنّيّة في مجالات الحفظ والري بالتنقيط واستخدام مياه الصرف، والتي طوّرت محاصيل مقاوِمة للجفاف – من بين أمورٍ أخرى – كشريك طبيعي بشكل متزايد للعديد من الدول في المنطقة.

وعلى غرار الإمارات والبحرين، ستشكّل المصالح الوطنية الخاصة دافعاً للآخرين في المنطقة. والخطر بالنسبة للفلسطينيين هو أنهم سيُتركون لمصيرهم. [لذا]، من الضروري أن يعمل الفلسطينيون على إصلاح سلوكهم، لكن ليس من خلال التخلي عن الدولتَين. وأولئك الذين يرون ضعف الفلسطينيين وعزلتهم حجة للتخلي عن دولة فلسطينية مستقلة والسعي بدلاً من ذلك إلى إرساء حقوق متساوية في دولة عربية – يهودية ثنائية القومية، يتجاهلون واقع عدم كوننا في حقبة ما بعد القومية. وهم يتغاضون أنّ تلك الدول في الشرق الأوسط التي تتمتع بأكثر من هوية قومية أو طائفية أو قبليّة (مثل سوريا والعراق وليبيا ولبنان) تميل إلى الانهيار في النزاع أو الشلل. فلا تشكّل الدولة الواحدة للإسرائيليين والفلسطينيين وصفةً للسلام بينهما بل لنزاع لا نهاية له. وعلى أي حال، فإن إسرائيل ليست على وشك التنازل عن هويتها القومية.

وبدلاً من تبنّي وهم الدولة الواحدة، على الفلسطينيين أن يتكيّفوا ويدركوا بأنّ التواصل العربي مع إسرائيل يمكن أن يعزز فعليّاً بناء نفوذهم. وبدلاً من الإصرار على اتخاذ الموقف الأقصى المتمثل بعدم اتخاذ خطوات تجاه إسرائيل من دون انسحاب إسرائيلي كامل – وهو أمرٌ لن يحصل – فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا تشارك الدول العربية في نقاشٍ يقترح فيه الفلسطينيون قائمة من الإجراءات التي يجب على إسرائيل اتخاذها رداً على التواصل العربي العام مع الدولة اليهودية. ألم يكن من الأفضل للفلسطينيين أن يفاتحوا البحرين ويقترحوا عليها السعي للحصول على بعض الخطوات من إسرائيل استجابةً للتطبيع؟ إذاً، فكما هو مرجح، قد يفكر الآخرون في اتخاذ خطوات أقل شأناً تجاه إسرائيل، مثل قرار تنفيذ عمليات تبادل مفتوحة للخبراء الحكوميين في مجال حفظ المياه أو الأمن الغذائي، بإمكان تلك الدول أن تطلب من إسرائيل إقرار مشاريع جديدة ومهمة متعلقة بمياه الصرف للفلسطينيين في الضفة الغربية.

أو إذا ستجري زيارات لمسؤولين رفيعي المستوى، فبإمكان هذه الدول أن تطلب من الإسرائيليين إقرار بناء مساكن فلسطينية في المنطقة “ج”، وهي المساحة البالغة 60% من الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل. ولن تؤدي عملية البناء هذه إلى سد النقص الحاد في المساكن فحسب، بل ستوفّر أيضاً فرص عمل كبيرة. وكلما كانت الخطوات التي تتخذها الدول العربية تجاه إسرائيل أكثر وضوحاً وذات مغزى من الناحية السياسية، كلما زادت الأهمية السياسية لـ “طلباتهم” من إسرائيل – ومن الأمثلة الجيدة على ذلك هو مطالبة إسرائيل بإيقاف بناء المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية، وهي خطوة يمكن أن تحافظ على احتمال الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وقيام الدولتَين.

ليس من الضروري على الفلسطينيين وحدهم العمل على إصلاح سلوكهم أو التخلف عن الركب على الأرجح. من الضروري على المدافعين عن قضيتهم [أيضاً] أن يعيدوا النظر ثانية في ما يحدث في المنطقة. فالافتراضات القديمة هي كالعادات: من الصعب التخلي عنها. لكنّ مجالات التقدّم المحرزة على الصعيد الإسرائيلي-الإماراتي-البحريني هي تذكير بأنّ المشهد السياسي للشرق الأوسط والقضية العربية-الإسرائيلية آخذان في التغيّر. لقد حان الوقت للتغيّر معهما.

دينيس روس

معهد واشنطن