دفعت ديناميكية المجتمع الأميركي خلال العقود الأخيرة إلى هجرة ما يقرب من 60 مليون شخص من دول أميركا الوسطى الكاثوليكية بالأساس وآسيا غير المسيحية، لجعل أميركا ومجتمعها أكثر تنوعا واختلافا عما يتوقع كثيرون.
وطبقا لمكتب التعداد الحكومي، يبلغ عدد سكان أميركا حاليا 330 مليون شخص، منهم 60.4% من البيض مقابل 18.3% (61 مليونا) من اللاتينيين، و13.4% (44 مليونا) من السود الأفارقة، و5.9% (19.5 مليونا) من الآسيويين، والبقية متنوعة.
ويصاحب تغير الطبيعة السكانية للبلاد تغير الواقع الانتخابي، ليعكس أهمية متزايدة للأقليات العرقية في انتخابات 2020 وانتخابات المستقبل مع تزايد السكان من الأقليات بنسب أكبر من نسب زيادة السكان البيض، علاوة على قدوم ما يقرب من مليون مهاجر سنويا بطرق شرعية للولايات المتحدة.
تشغيل الفيديو
أحداث استثنائية تخص الأقليات
شهدت سنوات حكم الرئيس دونالد ترامب تشدّد إدارته تجاه قضايا الهجرة النظامية وغير النظامية، وهو ما بعث برسائل سلبية للأقلية اللاتينية، واستخدم ترامب لغة عنصرية في الحديث عن المهاجرين المكسيكيين، وصمم على بناء حاجز فاصل بين الحدود الأميركية والمكسيكية كي يتم منع الهجرات غير الشرعية.
وشهد الصيف الماضي مظاهرات ضخمة وحركة احتجاجات بسبب مقتل جورج فلويد، الرجل الأسود غير المسلح، على يد رجل شرطة أبيض، ومن ثم اندلعت الكثير من أعمال العنف.
وحاول ترامب استغلال الموقف والظهور كمرشح القانون والنظام، واتهم الديمقراطيين بدعم الفوضى والاحتجاجات العنيفة.
من جانبهم عمل الديمقراطيون على التقرب أكثر من الأقليات العرقية، وتبني إصلاحات أجهزة الشرطة.
من ناحية أخرى، دفعت حادثة مقتل جورج فلويد السود ليضاعفوا من جهود تسجيل ناخبيهم كي يكون لهم دور أكبر في انتخابات 2020.، وتدعم آلة الحزب الديمقراطي بشدة جهود تسجيل المواطنين السود في السجلات الانتخابية في الولايات المتأرجحة خاصة.
اعلان
أقليات متزايدة وولايات متأرجحة
يعكس الجدول التالي نسب توزيع الأقليات العرقية في الولايات المتأرجحة، إضافة إلى متوسط نسب استطلاعات الرأي خلال الأسابيع الأخيرة والتي جمعها موقع “270towin”:
ومع تقارب المرشحيْن للرئاسة الديمقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترامب، تزيد أهمية أصوات الأقليات التي يراها البعض حجر الأساس في تقدم بايدن في هذه الولايات المتأرجحة والتي ستحدد مصير المرشح الفائز.
وتمثل الأقليات الثلاث الأهم (السود واللاتينيون والآسيويون) 37.8% من سكان الولايات المتحدة، وتعرف هذه الأقليات تنوعا دينيا وعرقيا وسياسيا بصورة كبيرة، إلا أنها تميل تقليديا للحزب الديمقراطي.
جدير بالذكر أن الرئيس ترامب فاز بانتخابات 2016 على الرغم من تفوق المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون من حيث عدد أصوات المصوتين لها بما يقارب 3 ملايين صوت.
وحصل ترامب على 63 مليون صوت أو 46.1% من أصوات الناخبين، في حين حصدت كلينتون أصوات 65.8 مليون ناخب أو 48.1% من أصوات الناخبين.
وفاز ترامب بسبب طبيعة نظام المجمع الانتخابي التي تفتت انتخابات أميركا الرئاسية لتصبح 51 عملية انتخابية مستقلة (الولايات الخمسون+ العاصمة واشنطن)، وكان لترامب التفوق طبقا لحسابات المجمع الانتخابي، حيث حصل على 306 أصوات مقابل 232 لكلينتون.
ويعطي ذلك دورا كبيرا للأقليات في حسم المعركة الانتخابية من خلال القدرة على حسم معارك الولايات المتأرجحة التي يعود إليها الفضل في ترجيح كفة مرشح على آخر.
انتماء الأميركيين السود الحزبي
للسود الأميركيين تاريخ طويل من الانتماء والاقتراب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وعقب انتهاء الحرب الأهلية عام 1865، اعتبر السود أنفسهم جمهوريين، فقد كان حزب الرئيس أبراهام لينكولن الجمهوري هو من بادر بالإعلان عن إلغاء العبودية وبداية الحرب الأهلية لتحرير العبيد.
وعارض الديمقراطيون منح أي حرية أو حقوق سياسية للسود لمئة عام عقب انتهاء الحرب الأهلية، ولم يسمح لأي أسود بالمشاركة في المؤتمر العام للحزب حتى عام 1924.
ولولا ارتباط تشريعات الحقوق المدنية بداية بالرئيس جون كينيدي ومن بعده الرئيس ليندون جونسون لما اقترب السود من الحزب الديمقراطي في منتصف ستينيات القرن الماضي، وهو ما استمر حتى الآن.
ومنذ منتصف ستينيات القرن الماضي، يصوّت السود للديمقراطيين، وحصل الرئيس جونسون على أصوات 94% من السود في انتخابات 1964، وخلال انتخابات عام 2016 لم يصوت لترامب سوى 8% من السود، في حين صوّت 88% منهم لصالح هيلاري كلينتون.
تشغيل الفيديو
خريطة انتشار الناخبين السود
ينتشر السود في كل الولايات الأميركية، لكن تختلف نسبة انتشارهم من ولاية إلى أخرى بصورة كبيرة.
ولا يعني وجود نسبة كبيرة من السكان السود أن تصوت الولاية للديمقراطيين بالضرورة، إذ تلعب طبيعة التركيبة الإثنية العرقية لبقية السكان دورا مهما في تحديد هوية الولاية الانتخابية.
وتصوّت بعض ولايات الجنوب المعروفة باسم “الحزام الإنجيلي” للجمهوريين بأغلبية مريحة، على الرغم من وجود أغلبية كبيرة من السود كما هي الحال في ولايات مثل ميسيسبي ولويزيانا وألاباما.
أصوات السود قد تحسم الولايات المتأرجحة
لكن يظل للصوت الأسود دور كبير في ترجيح كفة الفائز في عدد من الولايات التي تتقارب فيها أصوات الجمهوريين والديمقراطيين، والتي تتأرجح نتائجها بين الحزبين.
وفي الوقت الذي لا تتخطى فيه نسبة السكان السود في ولايات عدة 1% مثل مونتانا وأيداهو، ترتفع نسبتهم من إجمالي السكان في ولايات متأرجحة عدة هذا العام مثل كارولينا الشمالية بـ22%، وفلوريدا بـ17%، وميشيغان بـ14%، وبنسلفانيا بـ12%.
ولا يمكن لأي مرشح جمهوري الفوز في الانتخابات الرئاسية دون الفوز بولايتين على الأقل من الولايات الأربع.
ويبلغ عدد السكان السود في ولاية فلوريدا 3.8 ملايين أو 17% من نسبة السكان، وذهبت أصوات الولاية لدونالد ترامب في عام 2016، إذ حصل على 49.2% من الأصوات مقابل 47.8% لهيلاري كلينتون.
وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى تقدم الديمقراطي جو بايدن بنسة 49% مقابل 47% لترامب، وحال حدوث تعبئة للمصوتين السود بنسب تفوق نسب مشاركتهم في انتخابات 2016 ستزيد فرص بايدن في الفوز بفلوريدا.
أما ولاية كارولينا الشمالية فيبلغ عدد السود فيها 2.4 مليون نسمة أو 22% من إجمالي سكانها، وصوتت الولاية لترامب عام 2016 بنسبة 49.8% مقابل 46.2% لكلينتون.
ويشير آخر استطلاعات الرأي إلى تقدم بايدن بـ3 نقاط على ترامب.
أما ولاية ميشيغان -التي فاز فيها ترامب بفارق ضئيل بلغ 0.02% أو أقل من 11 ألف صوت- فيبلغ عدد السود فيها 1.6 مليون شخص أو 14% من إجمالي سكانها، وتشير آخر استطلاعات الرأي إلى تفوق بايدن بـ50% مقابل 43% لصالح ترامب.
وينطبق الشيء نفسه على ولاية بنسلفانيا، إذ ظفر بها ترامب عام 2016 بنسبة 48.1% مقابل 47.5% لكلينتون.
ويبلغ عدد السود في الولاية 1.7 مليون شخص أو 12% من إجمالي سكانها، ويشير آخر استطلاعات الرأي إلى تقدم بايدن محققا 49% مقابل 44% لترامب.
ويعطي المعلقون أهمية كبيرة إلى نسبة مشاركة الناخبين السود في انتخابات 2020، خاصة وأن بيانات الانتخابات السابقة تُظهر تصويتهم بنسب مرتفعة عامي 2008 و2012 عندما كان الرئيس السابق باراك أوباما يخوض الانتخابات، لكن النسبة كانت أقل في انتخابات عام 2016.
فقد بلغت نسبة مشاركة الناخبين السود 65% في عام 2008، و67% في عام 2012، بيد أنها انخفضت إلى 60% فقط في انتخابات عام 2016، وفقا لبيانات مركز بيو للأبحاث.
وأضر انخفاض إقبال الناخبين السود بفرص كلينتون كثيرا في عام 2016، حيث خسرت ولايات متأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا، وبنسب قليلة جدا.
وفي حين أن نسبة الإقبال على التصويت من السود أمر بالغ الأهمية في الانتخابات المقبلة، فإن وحشية الشرطة والظلم العنصري ضد الأميركيين الأفارقة وما ارتبط بها من احتجاجات واسعة النطاق في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، قد تكون عاملاً حاسما في قرارهم الذهاب إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ودفع اختيار بايدن السيدة السوداء كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس إلى ضخ الحماس في جهود تسجيل الناخبين السود.
يبلغ عدد الأميركيين من أصول آسيوية حوالي 19 مليونا وفقا لبيانات مكتب التعداد الأميركي (الفرنسية)
أصوات الآسيويين الأميركيين
تشير بيانات مكتب التعداد الأميركي لوصول عدد الأميركيين من أصول آسيوية منتصف هذا العام إلى ما نسبته 5.9% أو 19.5 مليون أميركي.
وينتشر الآسيويون في كل الولايات الأميركية، إلا أنهم يتركزون بالأساس في ولايات ديمقراطية الهوى بصورة شبة مؤكدة مثل كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن وهاواي.
وقدم أغلب الأميركيين ذوي الأصول الآسيوية من 5 دول هي: الصين والهند والفلبين وكوريا وفيتنام.
ويبلغ متوسط عدد الآسيويين الأميركيين في الولايات المتأرجحة 3.5% من إجمالي السكان، وهو ما يمنحهم قوة كبيرة قد تساهم في تحديد المرشح الفائز في هذه الولايات التي تتقارب فيها نسب تأييد كلا المرشحين.
وكشف استطلاع للرأي أجري من 15 يوليو/تموز إلى 10 سبتمبر/أيلول الماضيين على 1569 ناخبًا مسجلا من الأميركيين الآسيويين، وأجرته مؤسسة الأميركيين الآسيويين للتقدم والعدالة، عن تأييد 55% منهم جو بايدن، في حين حصل ترامب على تأييد 29%، ولم يحدد 16% منهم لمن ستذهب أصواتهم.
ويصوّت الأميركيون الآسيويون بنسب تفوق أبناء العرقيات الأخرى، وذلك لارتفاع مستوى تعليمهم بالمقارنة بالآخرين، ومن شأن أصواتهم أن تؤثر في نتيجة عدد من الولايات المتأرجحة.
وطبقا لبيانات مكتب التعداد القومي، يبلغ عدد الآسيويين 600 ألف شخص في ولاية فلوريدا منهم 250 ألف ناخب، وفي ولاية بنسلفانيا يبلغ عددهم 440 ألف شخص وما يقرب من 200 ألف ناخب، وفي ولاية جورجيا 400 ألف شخص وما يقرب من 150 ألف ناخب.
اللاتينيون يتقدمون الأقليات
من المتوقع أن يكون هناك 32 مليون أميركي من أصول لاتينية مؤهلين للتصويت في انتخابات الشهر القادم، وهي المرة الأولى التي يتجاوز فيها عددهم عدد الناخبين السود المؤهلين للتصويت.
وبلغ عدد الأميركيين من أصول لاتينية هذا العام 61 مليون شخص، أو ما نسبته 18.5% من إجمالي السكان.
وتقوم حملتا بايدن وترامب بجهود كبيرة لجذب المزيد من الناخبين اللاتينيين إلى صفوفهما، ويتقدم بايدن في متوسط استطلاعات الرأي بين الناخبين اللاتينيين بنسبة تأييد تبلغ 54%، في حين حصل ترامب على تأييد 37% منهم، ولم يقرر 19% منهم وجهة أصواتهم.
كما أشار استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث خلال الفترة من 30 سبتمبر/أيلول إلى 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري على 1347 ناخبا من أصول لاتينية، إلى منح أغلبية الثلثين منهم تأييدا وثقة للمرشح جو بايدن.
ويقول حوالي ثلثي الناخبين اللاتينيين المسجلين إنهم واثقون إلى حد ما أو جدا من بايدن لمعالجة القضايا الهامة على النحو التالي:
التعامل مع تبعات فيروس كورونا على الصحة العامة بنسبة 71% مقابل 62% في يونيو/حزيران الماضي.
القدرة على تقريب الأميركيين من بعضهم بعضا وإنهاء الانقسام بنسبة 70% مقابل 55% في يونيو/حزيران الماضي.
الثقة في اتخاذ بايدن قرارات اقتصادية سليمة بنسبة 66% مقابل 58% في يونيو/حزيران السابق.
مظاهرة تندد بسياسات ترامب الخاصة بالمهاجرين (الأوروبية)
أصوات حاسمة للاتينيين
ترتفع نسبة الناخبين اللاتينيين في عدد من الولايات المتأرجحة، مما يضاعف من أهميتهم كقوة انتخابية يُعمل لها حساب من الحزبين.
ودفعت الزيادة السكانية الكبيرة والسريعة للأقلية اللاتينية في عدد من الولايات إلى تغيير المشهد الانتخابي فيها ونقلها إلى مصاف الولايات المتأرجحة بعدما بقيت لعقود ولايات مضمونة للحزب الجمهوري.
وتجيء ولاية أريزونا على رأس هذه الولايات، إذ بلغ عدد سكانها اللاتينيين هذا العام 2.3 مليون شخص بنسبة 32%، ويتقدم بايدن بنسبة 50% مقابل 46% لترامب، ويعكس ذلك مدى قوة الصوت اللاتيني في هذه الولاية التي تصوت تقليديا للمرشح الجمهوري.
ويتعقد الأمر قليلا في ولاية فلوريدا التي تبلغ نسبة اللاتينيين فيها 27% أو ما يقرب 6 ملايين نسمة. وتبلغ نسبة ذوي الأصول الكوبية ثلث هذا العدد، ويميل تصويتهم للجمهوريين ولترامب بصورة كبيرة، وعلى العكس يصوت اللاتينيون ذوو الأصول المكسيكية والبروتوريكية للمرشح الديمقراطي.
محمد المنشاوي
الجزيرة