كرس مجلس التنسيق السعودي – العراقي، أهمية وعمق ومتانة العلاقات بين الرياض وبغداد، حيث يأتي في ظل السياسة التي تنتهجها المملكة في علاقاتها العربية والعالمية أيضا. فالسعودية منذ تأسيسها تضع العلاقات مع العرب على رأس الأولويات، ووضعت مبادئ لا تتغير في هذا المجال، وكلها تصب في مصلحة المنطقة العربية، فضلا عن شعوبها. وعلى مدى ثمانية عقود، مارست سياستها هذه واستثمرت موقعها الدولي المهم، من أجل استقرار المنطقة، ودعمت كل المشاريع الرامية إلى ازدهار الدول العربية، ورفد التنمية اللازمة فيها. كل هذه السياسات كلفت المملكة نفسها بها، وعززتها في كل التجارب التي مرت بها المنطقة، ولا سيما تلك الفترات التي يمكن وصفها بالحرجة.
ومن هنا، يمكننا النظر إلى العلاقة السعودية – العراقية، على أنها علاقة استراتيجية بين أشقاء تجمعهم قواسم مشتركة لا تنتهي، ومستمرة بحكم الإخاء والتاريخ والجغرافيا، وهذا ما أكده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن السعودية والعراق تربطهما وتجمعهما روابط كبيرة ومهمة، ولديهما مصالح وتحديات مشتركة. وفي ظل الحكومة الحالية في العراق، واصلت السعودية دعمها لحكومة مصطفى الكاظمي، لتحقيق المصالح المشتركة، ولمساعدة العراق على الوصول إلى المرحلة المستقرة التي يستحقها، لأن تعزيز العلاقات بين الدولتين الشقيقتين، يحقق في حد ذاته الأمن والاستقرار في المنطقة كلها. واللقاء الذي تم بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والكاظمي، في إطار الدورة الرابعة لمجلس التنسيق المشار إليه، عكس معاني ودلالات سياسية، أظهرت إيمان الحكومة العراقية بأهمية العمق العربي والإسلامي، فضلا عن الثقل الذي تمثله السعودية إقليميا ودوليا. وهذا اللقاء يسهم أيضا، كغيره من اللقاءات التي جمعت الطرفين، في دعم جهود بغداد بالتعاون مع التحالف الدولي للتصدي للإرهاب والتطرف، وتأمين الحدود بين البلدين الشقيقين. والأمر يشمل كثيرا من الميادين الاستراتيجية المحورية، السياسية والاقتصادية، فالبلدان كلاهما يتعاونان بصورة كبيرة في المحافظة على استقرار السوق النفطية، وهذه النقطة لا تهم الجانبين فقط، بل تشمل العالم أجمع.
وبالفعل، نجحت الجهود في تأمين الاستقرار اللازم في هذه السوق. والمملكة أعلنت في كل المناسبات، أنها تدعم جهود ومشاريع إعادة الإعمار في العراق، وهي من أكثر الدول التزاما بتعهداتها في هذا المجال، فما يهم القيادة في السعودية، أن يعيش الشعب العراقي في ازدهار وتنمية، بعيدا عن الخراب الآتي منذ عقود من جهة النظام الإرهابي الإيراني، كما أن العطاء السعودي متوافر في أي وقت طالما أن ذلك يصب في مصلحة الأشقاء العراقيين. التوجه السعودي المشار إليه، وغيره من التوجهات حيال العراق، عكسه أخيرا قرار البلدين تفعيل أنشطة مجلس التنسيق السعودي – العراقي، فضلا عن تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين. المشاريع التنموية المشتركة كثيرة، وتشمل ميادين استراتيجية، مثل التجارة والاستثمار والبنى التحتية، وتلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، من خلال تفعيل مشروع الربط الكهربائي بين البلدين. وفي هذا السياق، تدعم المملكة رفع مستوى التبادل التجاري، وليس هذا فحسب، بل تطبيق بنود اتفاقية التجارة العربية الحرة بشكل ثنائي.
وتنظر السعودية بإيجابية إلى الدعوات العراقية برفع مستوى الاستثمارات السعودية في العراق، بما فيها تحلية المياه والطاقة والصناعات الغذائية. المخططات تشمل أيضا إنشاء منطقة اقتصادية خاصة، سترفع من حجم التبادل التجاري بالطبع، وستعزز آفاق مسيرة التعاون بين الرياض وبغداد، وهي تشمل نقطة مهمة أيضا تتعلق بفتح معبر عرعر الحيوي. كل هذا وغيره، يشكل علاقة سعودية – عراقية متميزة، خصوصا في وقت إعادة البناء في العراق، إلى جانب توفير العلاقات المتينة. وهذه أدوات ضرورية على الساحة السياسية، خصوصا في ظل التدخلات الإيرانية التخريبية في هذا البلد الشقيق. إن العلاقات السعودية – العراقية، ماضية قدما إلى الأمام في ظل الظروف الحالية، وفي أوقات الأزمات وفي زمن الازدهار، وهي في النهاية تصب في مصلحة الشعب العراقي الشقيق، الذي يستحق كل دعم ليكون كما كان دائما، جزءا أصيلا من الحراك العربي على مختلف الأصعدة.
الاقتصادية