من جملة التحليلات التي سالت حين استُهل عهد الرئيس الأميركي جو بايدن بإدانة قضائية لقاتل المواطن من أصول أفريقية، جورج فلويد، الشرطي الأبيض ديريك شوفين، واحدةٌ حملت طابعاً خارجياً موجهاً للصين، ومفادها أن عهد بايدن أراد التصالح مع المواطنين السود، لحشد دعمهم في الحرب الأميركية المقبلة، بعد حرب فيتنام والحرب على الإرهاب. وإذا كان هذا البعد التحليلي أكبر مما يحتمل الحدث، إلا أن استعادته تبدو اليوم مناسبةً، مع سيل التقارير التي تخرج عن الصين، منذ فترة، في سياق “الثورة الجديدة” الجارية داخل الحزب الشيوعي الصيني، والتي يواصل إرساءها الرئيس الصيني شي جين بينغ، منذ إطلاق عقيدته وفكره رسمياً، بين عامي 2017 و2018، وتضمين اسمه وفلسفته في الدستور. وبغضّ النظر، عن أن شي نجح في أن يكون الرئيس الأقوى في البلاد منذ عقود، وهو يواصل ذلك صعوداً، بعد تحدي “مكافحة الفساد” مع بداية ولايته الأولى في 2013، فإن أميركا تدخل في صلب حملة التشدد الدائرة التي يخوضها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. ومن ذلك، ليس فقط ما يتعلق بتكريس الحزب وعقيدة شي كبوصلة وحيدة للمجتمع الصيني، بل بمعايير الانتماء للحزب، وآلياتها التي أصبحت أكثر تعقيداً وصعوبة. وليس أدل من ذلك، اعتبار شبكة “سي أن أن” الأميركية، في تقرير لها نشر أمس السبت، أن شي يريد من كل ذلك “حزباً قوياً يستطيع تحشيده بقوة، عندما تدعو الحاجة”، مع تزايد الاستعداء الأميركي لبلاده، وفق منظور صيني.
أصبحت متطلبات الانتماء للحزب أصعب وتركز على النوعية
ويأتي مصطلح “مع الأخذ بالاعتبار الخصائص الصينية”، مُرافقاً دائماً لكل الوثائق والخطط والملاحق، التي يتواصل جمعها، منذ عقد، لتشّكل عقيدة شي جين بينغ، الذي يواصل تعزيز سلطته وسلطة الحزب الشيوعي الصيني، في البرّ الصيني، تمهيداً للمؤتمر الـ20 للحزب، في النصف الثاني من العام المقبل، حيث يتوقع التجديد لشي لولاية ثالثة، بعدما ألغى المؤتمر عام 2018، حصر الولايات للرئيس الصيني باثنين. وبعد ولاية أولى أطلق فيها شي، عهده الأول، كـ”صائد للنمور”، ضمن ما عرف بحملة التطهير داخل الحزب والدولة لمحاربة الفساد، ثم جنوحه في عهده الثاني لتعزيز قبضته من منطلق شيوعي بـ”خصائص صينية”، مع الكشف رسمياً حينها عن “فكره” حول “الاشتراكية ذات الخصائص الصينية لحقبة جديدة”، لا يزال الرئيس الصيني، الذي يعد الأقوى منذ حقبة ماوتسي تونغ، يهجس بتفكك الاتحاد السوفييتي، في 1991. لكن هذا الهاجس، ليس وحده ما يفسّر الحملة المشددة اليوم، لإدماج عقيدة الرجل في كل شيء تقريباً في الصين، بحيث تهدف إلى جعل الحزب الحاكم مركزاً لحياة المجتمع الصيني، وتعزيز قبضة شي، التي تبدو اليوم منيعة، بعدما ظلّلتها المخاوف في 2013، من تمرد عسكري.
أخبار
الجيش الأميركي يحذر من توسع الصين ببناء صوامع الصواريخ النووية
وأصدرت اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني، في يناير/كانون الثاني الماضي، خطة جديدة لبناء “حكم القانون”، يفترض أن تتبلور مع بداية 2025، وتطبيقها كاملة مع حلول 2035. وتدعو الخطة إلى الالتزام بشكل حازم، بمسار حكم القانون الاشتراكي “مع خصائص صينية”، مع التمسك بقيادة مركزية وموحدة للحزب الحاكم، على أن تكون “أفكار” شي حول حكم القانون إحدى أهم العقائد المرشدة. وتقول الخطة إنه “بينما سيلعب مؤتمر الشعب الوطني (السلطة التشريعية) دوراً في العملية التشريعية (للخطة)، ولكنه يجب أن يتبع تعليمات القيادة المركزية، وهو ما يجب أن يفعله أيضاً المسؤولون عن القوانين المحلية”. وإذ رأى محللون، أن شي يدفع سريعاً نحو “القانون الأوتوريتاري”، اعتبر آخرون أنه يهدف إلى الإسراع بتنفيذ خطته الاستراتيجية التي تتضمن “الشوامل الأربعة”، لكي تكون حجر الأساس للسياسات الصينية، ومنها إدارة الحزب بـ”انضباط صارم”.
ولأجل ذلك، بدأ الحزب الشيوعي الصيني تغييرات بداخله، تشي بأن التوجّه هو لـ”النوع” على حساب الكمية. ويتبلور ذلك، وفق تقارير عدة، مع جنوح الحزب نحو تعزيز سيطرته الأيديولوجية على نحو مليار ونصف المليار من الصينيين، مع إصداره بحلول منتصف يوليو/تموز الماضي، “دليلاً جديداً” حول العمل الحزبي والأيديولوجي، يستهدف ليس أعضاءه فقط، بل “كل المجتمع”. وكان الحزب قد أطلق منذ وصول شي إلى السلطة، إحدى أشد حملاته للتحشيد القومي منذ عقود، بالتزامن مع حملة قمعية قاسية ضد من يعتبرهم من المعارضين أو المنشقين، محذراً من “تغلغل” الأفكار الغربية. ورغم ذلك، فإن قلقاً داخلياً يترافق مع فورة الإنترنت، يدفع الحزب اليوم لمضاعفة “التثقيف والتعليم الحزبي” على كل الجبهات.
وتقوم الحملة، بشكل أساسي، على الترويج لـ”عقيدة شي للحقبة الجديدة”، التي يتم تدريسها للكادرات في الحزب خلال الاجتماعات، وتملك تطبيقاً خاصاً على الهواتف الذكية، لتعلمها والترويج لها. وبحسب الدليل الجديد، فإن الحزب “يريد للمجتمع الأوسع تعزيز حسّهم الهوياتي السياسي والأيديولوجي والنظري” بـ”عقيدة شي”. وبحسب وزارة التعليم الصينية، فإن الحملة “بدأت العمل على إدخال” هذه العقيدة في “النصوص المدرسية، وفي الصفوف التعليمية في المدارس، وفي عقول التلاميذ”، بعدما بدأت مؤسسات جامعية في البلاد، منذ الخريف الماضي، إطلاق محاضرات تعريفية بـ”عقيدة شي للحقبة الجديدة”.
لا يعني التخلص من حزبيين، مجرد طردهم، بل ملاحقتهم ومعاقبتهم
وتحدث التقرير الجديد لـ”سي أن أن”، عن مدى الصعوبة التي يواجهها الصينيون للانتساب للحزب، الذي بلغ مئويته العام الحالي، ومنهم كثيرون بدافع التسلق الوظيفي. ورأى التقرير أن شي “يريد أن ينهي هذا الوضع”، ويجعل هدف المنتسبين “الإيمان بعقيدته”. وبحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون في واشنطن، والخبير في الحزب الشيوعي الصيني، بروس ديكسون، فإن “عدد الاجتماعات للراغبين بالانتساب، بالإضافة إلى العمل التطوعي، في ازدياد، بعدما كان الانضمام لتكون عضواً في الحزب، قبل عقد، يتطلب شروط الحد الأدنى، ما جعل عدد المنتسبين يقل خلال السنوات الخمس الماضية (قبلت عضوية 4.7 ملايين صيني جدد بين يناير 2020، ويونيو/حزيران الماضي)”. وأكد نوس غرونبرغ، المحلل في “معهد مركاتور للدراسات الصينية”، للشبكة، أن الحزب يريد “مؤمنين حقيقيين” به، و”التخلص من كل أولئك الذين يستخدمونه لصعود السلالم”.
ولا يعني التخلص من حزبيين، مجرد طردهم، بل ملاحقتهم ومعاقبتهم. ورأى غرونبرغ أن “النظام أصبح يراقب بشكل أكثر دقة، وفي تفاصيل ما يفعله الناس وكيف يتصرفون”. وأفاد بأن فكرة أشدّ لـ”تطهير” الحزب، قد جرى التخلي عنها، بعدما وجد النظام أن ذلك قد يؤدي إلى تقلص عدد المنتسبين، ما يوجب عليه دائماً “عقد نوع من الموازنة بين الحصول على النخبة الأكثر تعليماً، والتمثيل الواسع في المجتمع”. وبحسب صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست”، فإن الحزب وضع في العام 2013، سقفاً سنوياً للنمو بمعدل 1.5 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة منذ ذلك العام.
ويشدد الحزب قبضته ومعاييره ليخرج أيضاً منتصراً في المعركة التكنولوجية، والتي جعلها شي في رأس سلم أولوياته، وذلك عبر التركيز على الأيديولوجيا في كافة مناحي الحياة الصينية، من الحكومة إلى الشركات إلى المناطق الريفية، وصولاً إلى الإنترنت، بحسب الدليل الجديد. ومثال على ذلك، فإن الشركات مجبرة على دمج العمل الأيديولوجي والسياسي بالإنتاج اليومي وتطوير الإدارة. وفي القرى، تجري مضاعفة الترويج الحزبي من مكبرات للصوت وضعت وفق أسطح المنازل. ففي مقاطعة هيبي، قرب بكين، تجري “تلاوة” عقيدة شي “3 مرات في اليوم”. وفي آنهوي، وضعت مكبرات فوق حوالي 10 آلاف منزل لـ”أدلجة المزارعين”.
العربي الجديد