لم تعد لدى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي فرص للبقاء في الواجهة في ظل الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد ووضعت البلاد في مزاج جديد يتجاوز الغنوشي وفوضى البرلمان ويبحث عن حلول جديدة بوجوه جديدة، في وقت بدأت حركة النهضة بدورها تفكر بأن وقت استبعاد رئيسها قد حان.
وقالت أوساط سياسية تونسية إن التطورات القادمة في البلاد لم تعد تتحمل بقاء الغنوشي في الواجهة، سواء أكانت من خلال خارطة طريق يعرضها الرئيس سعيد، أو عبر حوار وطني، خاصة أن رئيس حركة النهضة مرفوض من أصدقائه كما من خصومه، وهو ما كشفت عنه مساعي سحب الثقة منه في الأشهر الماضية.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن المرحلة القادمة ستكون لوجوه جديدة لم تكن متورطة في الأزمة الحادة التي عاشتها البلاد، وهو ما يعني أن الغنوشي بات من الماضي، لافتة إلى أن تحركاته الإعلامية لا تعدو أن تكون محاولات يائسة لاستعادة وضعه القديم.
وبعد تجميد البرلمان وإطلاق رئيس حركة النهضة تصريحات تستجدي الدعم الخارجي وتلوّح بالاعتصامات وتحريك الشارع، انطلق الغضب على الغنوشي إلى داخل حركة النهضة، حيث طالب قياديون وبشكل علني بتنحي الغنوشي عن رئاسة الحركة محملين إياه مسؤولية ما وصلت إليه من أزمة سواء ما تعلق بتراجع شعبيتها أو توتير الأجواء السياسية التي قادت إلى قرار سعيد بتجميد البرلمان.
ولا يقف الأمر عند الدعوة إلى تنحي الغنوشي كفرد، فهناك دعوات إلى تغييرات جذرية في القيادة، وهو ما أشار إليه زبير الشهودي المدير السابق لمكتب الغنوشي حين أكد في تصريح لـ”العرب” بأن “النهضة تحتاج إلى تغيير عميق وجذري في السياسات والأشخاص”.
واعتبر الشهودي أن “التصريحات التي تُطلق من هنا وهناك لا تمثل سياسات حركة النهضة التي تمت المصادقة عليها”، في إشارة إلى تصريحات الغنوشي التي تحث على التصعيد أو تلك التي قللت من تظاهرات الخامس والعشرين من يوليو الماضي، والتي مهدت للإجراءات الأخيرة لقيس سعيد.
وانضم، وهو زعيم “عريضة المئة” من أعضاء نافذين في النهضة طالبت بمنع التمديد للغنوشي على رأس الحركة، إلى قائمة الداعين إلى إجراء تغييرات كبرى في القيادة، حيث أكد في تصريحات إعلامية أن “أغلبية القيادات الحالية في حركة النهضة ساهمت بشكل كبير في تردي الأوضاع و تفاقم الصراعات والانقسامات داخل الحزب”.
ورفض قياديون بارزون تصريحات للغنوشي أكد فيها رفضه التعاطي مع المرحلة الجديدة وتلويحه بالاحتجاجات لمواجهة ما يسميه “انقلاب” قيس سعيد، وخاصة تحذيره لأوروبا من هجرات واسعة النطاق للآلاف من التونسيين نحو السواحل الأوروبية في ظل خطر توسع عدم الاستقرار في البلاد.
انتهى دوركم وحان وقت المحاسبة
انتهى دوركم وحان وقت المحاسبة
ووصفت يمنية الزغلامي، وهي نائب من البرلمان من المحسوبين على صف الغنوشي، خطاب رئيس حركة النهضة بأنه يهدد السلم الاجتماعي وأنها لا توافق على ما جاء فيه، مشددة على أن الخلاف في تونس داخلي ولن يكون هناك حل يأتي من الخارج.
وأجّل الغنوشي جلسة لمجلس شورى الحركة كانت مقررة اليوم الأحد خوفا من أن تتحول إلى فرصة لإظهار خلاف واسع مع رغبته في التصعيد لمواجهة تدابير قيس سعيد.
وحث العشرات من شباب النهضة في عريضة تحمل عنوان تصحيح المسار “مجلس الشورى على تحمل مسؤوليته وحلّ المكتب التّنفيذي للحزب فورا وتكليف خلية أزمة” لإدارة الحركة في هذا الوضع المعقد.
وقال الشهودي في تصريح لـ”العرب” إن “الدعوات إلى تعبئة الشارع (كتلك التي وجهها الغنوشي) وغيرها لن تجد صداها داخل قيادات النهضة لأن اللحظة تقتضي حوارا وتهدئة وتقديم المصلحة الوطنية وتجاوز الصعوبات المالية التي تعانيها البلاد، والصوت الأقوى في النهضة يدفع نحو هذا التوجه”
وأضاف أن “السواد الأعظم داخل النهضة باختلاف تياراتهم مع التهدئة مع الرئيس سعيد”، و أن “المواقف المعلنة لا يجب أن تُحمل على أنها للنهضة ” لأن تلك المواقف لم تبن على أساس مؤسساتي، وحديث الغنوشي هو باعتباره رئيسا للبرلمان وليس كرئيس للنهضة”.
ويضع هذا التوجه في الحسبان تجربة المواجهة في التسعينات التي قادت إلى تفكيك الحركة والزج بأعداد من أنصارها في السجون فيما فرت قيادات بارزة إلى الخارج. وإلى الآن يتهم شق كبير من هؤلاء الأنصار الغنوشي بأنه تركهم يواجهون مصيرهم فيما عاش هو وعائلته حياتهم بالخارج في ظروف مريحة.
واعتبر سامي براهم وهو جامعي وسجين سابق أن دعوة الغنوشي للنزول إلى الشارع من “أجل حماية الديمقراطية” لن تكتمل أو تكون واقعية إلا إذا شارك فيه هو وزوجته وأبناؤه وبناته وأنسباؤه (أصهاره) وأحفاده (…) حتّى تكون ضريبة الدّفاع عن الحريّة قسمة عادلة بين الجميع لا قسمة ضيزى”.
وكان الغنوشي قال لوكالة أسوشيتيد برس في مكالمة فيديو منذ أيام إن الهدف بالنسبة إلى حركة النهضة هو الضغط على الرئيس سعيد لأجل “العودة إلى النظام الديمقراطي”، واصفا الآلاف من الذين خرجوا الأحد للتظاهر ضد الحركة بأنهم “أقرب إلى الجماعات الفوضوية”.
وأضاف الغنوشي أنه وحركته يتجهان “نحو تصعيد الضغط على الرئيس سلميا”، ملوّحا بالاحتجاجات والاعتصامات كعنصرين من بين عناصر هذا الضغط. كما كشف عن التخطيط لبناء “أوسع جبهة ممكنة من أجل إقناع الرئيس في نهاية المطاف بالخضوع لإرادة الشعب والعودة إلى النظام الديمقراطي”.
صحيفة العرب