هل يكون 2022 عام الحرب بالنسبة للصين؟

هل يكون 2022 عام الحرب بالنسبة للصين؟

أجرى الجيش الصيني قبل أيام تدريبات على الإنزال على الشاطئ ومناورات هجومية قبالة جزيرة تايوان. وأفادت صحيفة “جيش التحرير الشعبي” اليومية، في تقرير نُشر يوم الإثنين الماضي، على حسابها بموقع “ويبو”، بأن التدريبات جرت في الجزء الجنوبي من مقاطعة فوجيان الساحلية. وكانت تايبيه قد شكت أخيراً من زيادة الضغط العسكري والسياسي من بكين، لإجبارها على الاتحاد مجدداً مع البر الرئيسي، وقد شمل ذلك اختراقات جوية مكثفة وغير مسبوقة للصين في منطقة تحديد الدفاع الجوي في تايوان.
على جبهة أخرى، اختبرت القوات العسكرية البرية في إقليم شينجيانغ، موطن الإيغور، قدراتها القتالية في المناطق المرتفعة. وذكرت وسائل إعلام رسمية، مطلع الأسبوع الحالي، أن أرتالاً من الدبابات عبرت بالقرب من الحدود الهندية، في الوقت الذي انهارت فيه الجولة الـ13 من المحادثات الحدودية على مستوى القادة العسكريين بين الهند والصين يوم الأحد الماضي. ولام كل طرف الآخر وحمله مسؤولية تسخين الأجواء على طول الحدود الجبلية المتنازع عليها بين البلدين.

وأمس الأربعاء، ذكر مكتب شؤون تايوان في الصين أن التدريبات العسكرية الصينية بالقرب من تايوان تستهدف القوات التي تسعى لاستقلال الجزيرة الرسمي عن الصين، وأنها “مجرد” خطوة لحماية السلام والاستقرار. وقال المتحدث باسم المكتب، ما شياو جوانغ، خلال إفادة صحافية دورية في بكين، إن سبب التوترات الحالية هو “تواطؤ” الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان مع قوى أجنبية و”الاستفزازات” المتمثلة في سعي تايوان للاستقلال. وأضاف أن المناورات الصينية تستهدف هذا التواطؤ، في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة لتايوان، والأنشطة الانفصالية، إضافة إلى حماية سيادة البلاد وسلامتها الإقليمية وكذلك السلام والاستقرار في مضيق تايوان.

لم تخض الصين حرباً منذ عام 1979 في فيتنام

طرحت هذه التحركات تساؤلات حول مدى جدية استعداد الصين لخوض حرب قد تكون الأولى لها منذ 42 عاماً، خصوصاً أنها تأتي بعد فصل جديد من التوتر في المنطقة، شهد توغّل 39 طائرة صينية في المجال الجوي التايواني في خطوة غير مسبوقة. كما تأتي إثر اصطدام غواصة أميركية بجسم تحت الماء في بحر الصين الجنوبي قبل أيام. وهي أحداث تزامنت مع تواتر تقارير تحدثت عن قيام عسكريين أميركيين بتدريب جيش تايوان سراً لمواجهة أي غزو صيني محتمل، الأمر الذي أثار غضب واستنكار بكين. مع العلم أن الصين لم تخض حرباً منذ عقود، بعد الحرب الأخيرة في فيتنام في عام 1979. لكن بعد سنوات من الالتزام بمبادئ التعايش السلمي التي قامت عليها السياسة الخارجية الصينية، بدأ الحديث في الإعلام الصيني صراحة عن الردع العسكري إزاء التهديدات المستمرة، وأفول مرحلة ضبط النفس ودبلوماسية النفس الطويل.

وحول التحول الجديد في النهج الصيني، وما إذا كان يستند إلى إقدام من بكين أو انكفاء في السياسة الخارجية الأميركية، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تايبيه الوطنية غوان مينغ، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إن تحفظ الصين خلال السنوات الماضية والتزامها ضبط النفس تجاه العديد من الملفات الشائكة والقضايا المضطربة والحساسة، لا علاقة له بمبادئ التعايش السلمي كما تدعي. وذكّر بأن الصين خاضت فعلياً عدة حروب بعد إعلان هذه المبادئ في مؤتمر باندونغ عام 1955، منها حربها مع الهند عام 1962، وإرسال قواتها للقتال في فيتنام في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك شن هجوم بالقذائف المدفعية على جزيرة تايوان عام 1958.

وأوضح غوان أن ما استجد هو تطوير قدراتها القتالية وتحديث ترسانتها العسكرية مقارنة بالعقود الماضية، وهو ما دفعها إلى استعراض قوتها على نحو غير مسبوق، معتبراً أن ذلك بات يشكل تهديداً أمنياً لجيرانها في المنطقة. وأضاف أن انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عزز انطباعاً عاماً بأن الولايات المتحدة ليست وفية لحلفائها، وقد ظهر هذا الانطباع أكثر لدى سكان جزيرة تايوان، على اعتبار أنها تعتمد بصورة أساسية على الدعم الأميركي لمواجهة التهديد الصيني.

وعن مدى جدية الصين في خوض حرب لاستعادة الجزيرة، رأى الأستاذ الجامعي أن التحرك الأميركي نحو تدريب أفراد من الجيش التايواني للتصدي لغزو محتمل، لم يأت من فراغ، بل يستند إلى معلومات استخباراتية مؤكدة ترجح احتمال قيام بكين بتوجيه ضربة عسكرية لتايبيه مطلع العام المقبل. ولفت إلى أنه في العامين الماضيين نشطت الاستخبارات الأميركية في منطقة بحر الصين الجنوبي لجمع معلومات حول قدرات القوات البحرية الصينية، ومدى استعدادها لشن حرب تستعيد فيها الجزيرة بالقوة.

وفي ختام حديثه، أشار غوان إلى أن لجوء خبراء عسكريين لتدريب الجيش التايواني، ربما يؤكد مخاوف سكان الجزيرة من أن القوات الأميركية لن تشارك في أي حرب مقبلة، وقد تكتفي بتقديم الدعم العسكري من حيث توفير التكنولوجيا والمعدات، وقد ينتهي الأمر بفرض عقوبات على بكين، كما حدث بعد أحداث ساحة تيان آنمن في بكين عام 1989.

من جهته، قال الباحث في معهد لياونينغ للدراسات السياسية وانغ تشي يوان إن الصين لم تستبعد الخيار العسكري في كافة المواجهات التي خاضتها، سواء ما يتعلق بالنزاع الحدودي مع الهند أو في مسألة استعادة تايوان. وأضاف في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنه منذ البداية كان اللجوء إلى القوة مشروطاً بإعلان الاستقلال من القوى الانفصالية في الجزيرة، ولطالماً هدد القادة الشيوعيون بأن أي محاولة للاستقلال عن البر الرئيسي ستواجه برد عسكري ساحق.

وحول التطورات الأخيرة، شدّد الباحث الصيني على أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة بالنسبة لبكين، من بينها الخيار العسكري. وأشار إلى أن الصين جادة تماماً حين تتحدث عن الردع العسكري، وأن وسائل الإعلام الرسمية باتت تتحدث بشكل واضح وصريح عن قدرات الجيش القتالية، معتبراً أن الهدف من ذلك هو تعزيز الوعي لدى الشعب الصيني بحجم المخاطر وتهيئة الأجواء قبل إطلاق أي عملية عسكرية.

توجّه قائد الجيش التايواني أمس إلى الولايات المتحدة

هذا، وكانت وسائل إعلام حكومية قد أفردت مساحة كبيرة للحديث عن المناورات التي أجرتها القوات البرية في شمال غربي البلاد، وكذلك عن تدريبات القوات البحرية قبالة جزيرة تايوان. ونشرت بيانين منفصلين صادرين عن جيش التحرير الشعبي الصيني (الاسم الرسمي للجيش الصيني)، حملا تحذيرات شديدة اللهجة للقوات الهندية، وللقوى السياسية التي تطالب بالاستقلال في تايوان. وفي افتتاحيتها، وصفت صحيفة “غلوبال تايمز”، الناطقة باسم الحزب الشيوعي باللغة الإنكليزية، الهند بأنها “دولة تمشي وهي نائمة بسبب انجرارها وراء الولايات المتحدة”، محذّرة نيودلهي من الاستهانة بعزيمة وإصرار بكين على حماية السيادة الوطنية. كما حذّر الجيش الصيني من عزمه على سحق أي محاولة للانفصال في تايوان، وذلك في أعقاب المناورات العسكرية الأخيرة. واعتبرت صحيفة الجيش، أن القوات الصينية واثقة وقادرة على إحباط كل التدخلات الخارجية والأعمال الانفصالية المتعلقة باستقلال الجزيرة. وأضافت “إذا تجرأت القوى الانفصالية على فصل تايوان عن الصين بأي اسم وبأي وسيلة، فسوف يسحقها الجيش بحزم شديد مهما بلغ الثمن”.

وفي خضمّ هذه التوترات، تمّ الإعلان، أول من أمس الثلاثاء، عن توجه قائد الجيش التايواني هسو ين بو إلى الولايات المتحدة. وأفادت صحيفة “تايوان فوكوس” بأن وزير الدفاع شيوو كوو ـ شنغ وصف الرحلة بأنها “ضرورية للعلاقات الثنائية”، بينما وضعها مسؤول كبير في وزارة الدفاع التايوانية في إطار أنها “جزء من برنامج التبادل السنوي” بين جيشي تايوان والولايات المتحدة. وترأس هسو وفداً من ثمانية من كبار ضباط الجيش التايواني إلى واشنطن، من المتوقع حضورهم الاجتماع السنوي لرابطة جيش الولايات المتحدة “إيه يو أس إيه”، الذي بدأ أول من أمس الثلاثاء.

العربي الجديد