الحديث عن وضع المسيحيين في المشرق العربي يثير العديد من الجدل في الوقت الراهن خاصة في ظل التغيرات السياسية وتعاقب الانظمة الحاكمة، واثار الربيع العربي الذي ترك بصمة واضحة في اغلب البلدان.
ونلاحظ ان هذا المكون الذي كان له مشاركة كبيرة في بناء المجتمع العربي واسهم في تدعيم حضارته، ونشر الافكار العربية الاصيلة والدفاع عن حقوق الامة العربية واهدافها من خلال مجموعة كبيرة من المفكرين والادباء, يقف اليوم امام مأزق لأثبات وجوده والدفاع عن تاريخه العريق في هذه الارض؛ اذ ان الصعاب و التحديات التي تواجهه افقدته ابسط حقوقه الا وهي المواطنة.
ولو أخذنا نموذجا لهذا المكون في العراق وما حل به بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 لوجدنا ان كثيرا من العوائل المسيحية غادرت وطنها، وبعضها هاجر بسب العمليات العسكرية وسيطرة تنظيم القاعدة على بعض مناطق العراق وما تعرضت له دور العبادة ورجال الدين المسيحيين من اخطار، ومؤخرا اجتياح “داعش” لمدينة الموصل.
اذن نحن الان امام مكون رئيسي من مكونات المجتمع العربي يشعر بافتقاده لحقوقه التي تجعله يعيش كريما بعيدا عن الطائفية الدينية، التي اصبحت تستخدم سببا من اسباب الحروب و تداعياتها, وعند الحديث عن حال هؤلاء نرى ان “داعش” طردت و شردت اكثر من مليون مسيحي من مناطق سهل نينوى، وصولا الى سنجار, تاركين وراءهم ممتلكاتهم؛ ومنهم من هاجر الى الشتات. هذا الواقع الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم يلح على المجتمع الدولي للتدخل الفوري واعادة حقوقهم .
ونستنتج ان هذا المكون يجب ان لا يكون ورقة سياسية تستخدمها منظمات المجتمع المدني والنقاشات التي ترعى من قبلها دون جدوى على حساب وجودهم.
وبالانتقال الى لبنان نرى انه اصبح ملاذا للكثير من المسيحيين السوريين و العراقيين الذين اتخذوه محطة للانطلاق الى بلدان الهجرة وهذا بحد ذاته نجاح للمخطط الذي وضع لا فراغ الشرق العربي من احد مكوناته وهم ابناؤه المسيحيون، وبالتالي على الجميع ان يعمل على ان تكون جميع الاقليات متعايشة في وطن واحد وان تتبنى شعار الايمان بالعيش الواحد وتقديم حسن المواطنة على اي انتماء اخر و ترسيخ المفاهيم الوطنية والانتماء للوطن في نفوس شباب المسيحيين.
وفي فلسطين يعد الحضور المسيحي تراثا وتاريخا وثقافة تمتد على مدى اكثر من الفي عام، حيث انطلقت منها الديانة المسيحية الى انحاء العالم, ومن المعروف ان النكبة اثرت على جميع فئات الشعب الفلسطيني الا ان المسيحيين كان ضررهم اكبر فانتقل الكثير منهم الى دول اوروبية دون تفكير بالعودة الى اراضيهم, وتقلصت اعدادهم من حوالي 15-18% الى نحو 2-3% من السكان.
ومع تصاعد الاحتلال الإسرائيلي والانتفاضة الثانية عام 2000 توقعوا ان كنائسهم ستصبح في السنوات المقبلة مجرد متاحف مشيرين الى ان ما تعرضت له كنيستا المهد والقيامة من تدنيس وتخريب زاد من مخاوفهم بهذا الصدد
اذن، وضع المسيحيين في فلسطين يقع في هامش الخطر ويطالبون بتفعيل العمل السياسي والاعلامي وتشكيل مجموعات ضغط مسيحية واسلامية؛ لنشر ثقافة التعددية و التسامح والعيش المشترك, وزيادة انخراط المسيحيين في مؤسسات المجتمع المدني والدولة، كما يطالبون بتشكيل مجلس علماني من اجل بلورة موقف المسيحيين واعتباره من القضايا المدنية.
اما في مصر, فوضع المسيحيين فيها افضل من وضعهم في العراق وسوريا الا انه الفترة ما بعد ثورة 25 يناير, نلاحظ ان الاقباط لم يهجروا بلادهم بالرغم من التمييز الممنهج والانتهاكات التي تلاحق كنائسهم وممتلكاتهم الا انهم يسيرون مع ما نص بالانجيل” سيكون لكم ضيق في هذا العالم”.
وما يعانيه الاقباط حاليا هو ان مشكلاتهم موجودة منذ نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك اذ بالرغم من التعديلات على الدستور المصري عام 2007 وتأكيد حق المواطنة الا انه لم يطبق على المستوى الدستوري القانوني لهم, وشهدت محافظة “قنا” عام 2011 احتجاجا على تعيين محافظ مسيحي بحجة:” لا ولاية مسيحي على مسلم”.
وهنا نرى ان مشكلة الاقباط مثيرة للقلق خاصة بعد احداث ثورة 25 يناير اذ زادت الطائفية و التوتر الديني , مطالبين باستعادة الدولة هيبتها واعادة تشكيل المنظومة القانونية، والاجتماعية والثقافية وترسيخ مبدأ المواطنة كاول بند في الدستور الجديد.
اماني العبوشي