شهدت مشاورات تشكيل الحكومة العراقية تطورات جديدة، فإلى جانب رفض الإطار التنسيقي نتائج الانتخابات، وانتظاره قرار المحكمة الاتحادية العليا في 22 ديسمبر على الطعون المقدمة لإلغاء نتائج الانتخابات، فإن المحاولات لتجاوز الخلافات داخل الكتل السنية والكردية قد أخفقت، وذلك في الوقت الذي تم تأسيس فيه تكتل جديد معارض عابر للانقسامات الطائفية العربية – الكردية تحت مسمى “من أجل الشعب”.
تحولات المشهد السياسي:
شهدت الساحة العراقية خلال الأيام القليلة الماضية عدداً من التحركات السياسية، وهو ما يمكن إبرازه في النقاط التالية:
1- عجز الأكراد عن تجاوز خلافاتهم البينية: لا تزال القوى السياسية الكردية الرئيسية، ممثلة في الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عاجزة عن تجاوز الخلافات فيما بينها، وهو ما يتضح في إخفاقهما في الائتلاف لتشكيل تحالف سياسي موحد، وذلك لكي يتفاوضوا مع القوى السياسية الأخرى في بغداد حول مرشحهم القادم لرئاسة الجمهورية، وبقية المناصب التي تعد من حصة الأكراد.
فقد قامت وفود كردية محسوبة على الحزبين الرئيسيين بالتفاوض مع القوى السياسية العراقية بشكل منفرد، من دون أن تعلن عن التوصل إلى أي تفاهمات، والتي من بينها لقاء وفد من الديمقراطي الكردستاني بائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر في 12 ديسمبر الجاري كل على حدة. وإن كان من الملحوظ أن الديمقراطي الكردستاني كشف أن تفاهماته مع التيار الصدري، بشأن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة أكثر تقدماً من التفاهمات مع الإطار التنسيقي.
ويرجع السبب الرئيسي للخلاف الكردي الداخلي إلى رغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني في تجاوز التفاهمات السابقة مع الاتحاد الوطني الكردستاني حول منصب رئيس الجمهورية، فقد توافق الحزبان، في الماضي، على تقاسم المنصبين السياديين الأولين في كل من بغداد وأربيل منذ عام 2005، وذلك على قاعدة تقلد الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، ممثلاً في جلال الطالباني آنذاك، رئاسة العراق، مقابل تولي زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني رئاسة إقليم كردستان العراق.
ويصر الاتحاد الوطني الكردستاني على أن يتولى مرشح الحزب منصب رئيس الدولة، في حين يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن تولي هذا المنصب بات حقاً له، خاصة بعدما تمكن من حصد أغلب أصوات أكراد العراق.
وشهدت الفترة الأخيرة محاولة لحل الخلاف، إذ بات الديمقراطي الكردستاني يميل إلى منح المنصب للاتحاد الوطني؛ شريطة ترشيح شخصية أخرى لتولي لهذا المنصب من قياديي الاتحاد الوطني مع استبعاد الرئيس الحالي برهم صالح، غير أن رئيس الاتحاد، بافل طالباني، لا يزال يصر على ترشيح صالح لمنصب رئيس الجمهورية.
وحتى في حالة إخفاق الحزبين الكرديين على التوافق، فإنه يمكنهما العودة إلى “صيغة 2018″، حينما طرح كلا الحزبين مرشحهما لرئاسة الجمهورية، وتم انتخاب برهم صالح، حينها، رئيساً للدولة، في حين أن مرشح الديمقراطي الكردستاني الخاسر، فؤاد حسين، تسلم حقيبة الخارجية.
2- استمرار الخلافات السنية: يهيمن على المشهد السني تحالفين رئيسيين، وهما تحالف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، والذي حل في المرتبة الأولى عن العرب السنة بحصوله على 43 مقعداً في انتخابات أكتوبر 2021، فضلاً عن تحالف “العزم”، والذي أعلن خميس خنجر عن تأسيسه في 11 ديسمبر، من تحالف يضم خمس قوى سياسية هي تحالف عزم (14 مقعداً)، وكتلة حزب الجماهير، وحركة حسم للإصلاح، ونواب من كتلة العقد الوطني، والتحالف العربي في كركوك، ويبلغ عدد نواب التكتل الجديد حوالي 34 نائباً.
وشهدت الأيام الماضية توافقات مبدئية بين الجانبين على تشكيل تحالف واحد يتفاوض مع القوى السياسية الأخرى، غير أن هذه التفاهمات تواجه تحديات. ويبدو أن أحد أسباب الخلاف هو إخفاق التفاهم حول هوية منصب رئيس البرلمان، إذ يبدي الحلبوسي رغبة في الاحتفاظ بالمنصب، وهو ما يعارضه تحالف العزم صراحة، والذي يرغب في استبدال الحلبوسي بشخصية أخرى محسوبة على تحالف العزم.
ومن جانب آخر، يلاحظ أن هناك انقسامات في المواقف السياسية بين الجانبين. ففي حين أن تحالف العزم يعد أقرب للإطار التنسيقي المقرب من طهران، فإن تحالف تقدم هو الأقرب إلى التيار الصدري.
3- تأسيس تحالف عربي – كردي معارض: سعت القوى المدنية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على توحيد موقفها داخل البرلمان العراقي الجديد خلال الفترة القادمة، وهو ما تبلور في تأسيس تحالف مدني سياسي معارض باسم “من أجل الشعب” في 15 ديسمبر 2021، والذي يعد الأول من نوعه، والذي يتألف من 28 عضواً فائزاً في الانتخابات الأخيرة.
ويضم هذا التحالف الجديد حركة “امتداد” المدنية برئاسة علاء الركابي، فضلاً عن أعضاء حركة “جيل جديد” بزعامة شاسوار عبد الواحد التي تنشط في إقليم كردستان العراق. ويلاحظ أن مثل هذا التكتل هو أول تكتل عابر للانقسامات الإثنية العربية – الكردية في العراق منذ عام 2003، والذي يسعى أن يكون نواة معارضة برلمانية تتبنى شعارات “انتفاضة أكتوبر” ومطالبها.
4- استمرار تصعيد الإطار التنسيقي: تواصل القوى المنضوية تحت الإطار التنسيقي، والتي خسرت الانتخابات الأخيرة، وفي مقدمتها تحالف الفتح، الممثل لميليشيات الحشد الولائي التابعة لإيران، إلى دعوة أنصارها إلى التظاهر والاحتجاج قرب المنطقة الخضراء في بغداد لتأكيد مواصلة رفضهم نتائج الانتخابات، وممارسة ضغط على القوى السياسية المناوئة لهم، ممثلة في التيار الصدري للقبول بتشكيل حكومة توافقية معهم، أو الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لإلغاء الانتخابات.
فقد أعلنت المحكمة الاتحادية العليا تأجيل النظر في الشكاوى والطعون المقدمة لإلغاء نتائج الانتخابات، والتي قدم بعضها رئيس تحالف الفتح، هادي العامري، إلى 22 ديسمبر، في ثاني تأجيل من نوعه، ويمكن إرجاع هذا التأجيل إلى وجود رغبة من جانب المحكمة لإتاحة المجال لتهدئة الأزمة السياسية القائمة، حتى لا يكون قرارها، سواء بتأكيد نتائج الانتخابات، وهو المرجح، أو إلغائها سبباً في تفجير الصراع بين الأحزاب الشيعية العراقية.
الانعكاسات على تشكيل الحكومة:
تنعكس التطورات السياسية السابقة التي تشهدها الساحة العراقية على جهود تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يتضح في التالي:
1- اقتراب تحالف العزم من الإطار التنسيقي: يتوقع حدوث مزيد من التنسيق والتوافق بين تحالف “العزم” برئاسة خميس الخنجر، وبعض مكونات الإطار التنسيقي، وذلك في ضوء تلاقيهم حول رفض التجديد للرئاسات الثلاث، إذ إن بعض القوى المنضوية تحت الإطار التنسيقي ترفض التجديد لولاية ثانية لمصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، في حين أن تحالف “عزم” السني يبدي رفضه لتسمية الحلبوسي لولاية ثانية في رئاسة البرلمان.
وقد يتجه الإطار التنسيقي لتوسيع تحالفه الحالي، بحيث لا يقتصر على القوى الشيعية، ولكن تضم كذلك القوى السنية القريبة من توجهاته ممثلة في تحالف العزم، ويدعم ذلك إعلان الإطار عن تأسيس مؤسسة سياسية تضم قوى الإطار التنسيقي والقوى السياسية المستقلة وقوى المكونات الأخرى لتشكيل الحكومة المقبلة، وذلك في محاولة لسرقة استحقاق تشكيل الحكومة القادمة من التيار الصدري، أو على الأقل حرمان الصدر من الأصوات اللازمة لتشكيل حكومة الأغلبية، بما يدفعه في النهاية إلى القبول بتشكيل حكومة توافقية بالتعاون مع الإطار التنسيقي.
2- تبلور تفاهمات بين الصدر والحلبوسي والبرزاني: يعد التيار الصدري (73 مقعداً) قريباً من تحالف تقدم بزعامة الحلبوسي (43 مقعداً) والحزب الديمقراطي الكردستاني (31 مقعداً)، أي أن هذا التحالف في حالة إعلانه رسمياً سوف يمتلك نحو 147 مقعداً، أي أنه يحتاج إلى حوالي 18 مقعداً فقط، لكي يصل إلى عدد المقاعد اللازمة لتشكيل حكومة أغلبية، والمقدرة بنحو 165 مقعداً في البرلمان.
وحتى في حالة اصطفاف الاتحاد الوطني الكردستاني (18 مقعداً) مع الإطار التنسيقي، ورفضه الانضمام للتيار الصدري، وهو أمر مستبعد، فإن الإطار التنسيقي لن يتمكن من تشكيل الحكومة العراقية، نظراً لأن قائمة “من أجل الشعب” تمتلك نحو 28 مقعداً، فضلاً عن كونها الأقرب للتيار الصدري في المواقف السياسية من الإطار التنسيقي، نظراً لأن بعض مكوناتها انبثقت عن ثورة تشرين، التي تهدف إلى إضعاف النفوذ الإيراني على بغداد.
وفي الختام، تشير معظم التطورات التي شهدتها الساحة الساسية العراقية على مدار الأيام الماضية، إلى إخفاق الإطار التنسيقي حتى الآن، في تعزيز فرصه في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، أو الضغط على الصدر لتشكيل حكومة توافقية لا تستبعده، وهو ما يعني أن الإطار التنسيقي سوف يعول على المحكمة الاتحادية لإلغاء نتائج الانتخابات.
وفي حالة إقرار الأخيرة بصحة الانتخابات العراقية، فإنه لن يكون أمامه، سوى خيارين، وهما إما اللجوء إلى العنف، أو التفاوض مع الصدر، ولعل رفض الصدر لقاء ممثلي الإطار التنسيقي إلا بعد إعلان المحكمة الاتحادية العليا لحكمها مؤشر على أن الصدر يبدي استعداده للتوصل لتفاهمات مع الإطار التنسيقي، ولكن بعد تقديم الأخير لمطالب واقعية تأخذ في الاعتبار تراجع وزنه الشعبي، بما يعنيه ذلك التخلي عن مطلبه برفض ترشيح رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، لفترة ولاية ثانية.
المستقبل للدراسات