أهمية استعادة الرمادي

أهمية استعادة الرمادي

64a57f46-6319-4517-9411-6a88bb24824c

كان العراقيون يحتفلون يوم الاثنين، وقد فعلوا لسبب مفهوم. فبعد أيام من القتال العنيف، ذكرت الأنباء أن قواتهم الأمنية، مدعومة بالضربات الجوية الأميركية، تمكنت من استعادة وسط مدينة الرمادي، العاصمة الإقليمية التي تبعد نحو 60 ميلاً عن بغداد، والتي كانت مجموعة “الدولة الإسلامية” قد استولت عليها قبل سبعة أشهر.
يوم الاثنين، كانت هناك مقاومة متبقية من المجموعة في 20 إلى 30 بالمائة من منطقة الرمادي، والتي قدر المسؤولون الأميركيون والعراقيون أن تأمينها بشكل كامل سيحتاج إلى بعض الوقت. لكن حقيقة أن القوات العراقية استطاعت أن ترفع علم بلدها الوطني فوق المجمع الحكومي الرسمي هو إنجاز استثنائي، ويعطي سبباً للأمل بأن المجموعة الإرهابية البربرية يمكن أن تُهزم في نهاية المطاف.
هناك عقبات كبيرة في الأمام، بالإضافة إلى الأسئلة حول ما إذا كانت استراتيجية أوباما في العراق مرتبطة بالقتال ضد مجموعة “الدولة الإسلامية” في سورية، وعن إمكانية تدخل أميركي أعمق في الصراع. ومع ذلك، يشكل الانتصار في الرمادي أوضح إشارة على أن مجموعة “الدولة الإسلامية”، بعد تمكنها من الاستيلاء على أجزاء كبيرة من العراق وسورية في العام 2014، بدأت بفقدان الزخم والاهتمام. وفي الأشهر الاخيرة، قامت القوات الكردية العراقية بطرد المجموعة من تكريت، وبيجي، والحويجة، وسد تشرين، وسنجار. وتقول التقديرات أن سيطرة المجموعة على المناطق العراقية قد تقلصت بنسبة 40 في المائة منذ العام الماضي.
لاستعادة الرمادي أهمية خاصة لأنها عاصمة محافظة الأنبار، معقل الإسلام السني، وسوف يعطي تحريرها الحكومة العراقية الوسائل لقطع خطوط الإمداد عن الفلوجة، التي تقع أقرب إلى بغداد، وسوف تضعف قبضة “الدولة الإسلامية” على تلك المدينة. وسوف يكون من الأصعب استعادة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، التي استولت عليها “الدولة الإسلامية” في حزيران (يونيو) في العام 2014، وأدهشت العالم بقوتها العسكرية.
شكلت معركة الرمادي على الأقل تبرئة جزئية للجيش العراقي الذي أذل نفسه بتخليه عن الموصل، بينما تقدمت إليها مجموعة “الدولة الإسلامية” السنية. وكشفت خسارة الموصل عن عيوب عميقة في قدرة الحكومة التي يقودها الشيعة على محاربة المتشددين، بما في ذلك عدم رغبتها في تقديم السلاح أو إرسال تعزيزات لمساعدة رجال القبائل السنية الذين كانوا يقاتلون المجموعة الإرهابية. ومنذ ذلك الحين، زاد الرئيس أوباما مستويات القوات الأميركية المتواجدة في العراق ليصل عددها إلى 3.500، والذين عمل البعض منهم في إعادة تدريب وتنظيم القوات العراقية.
أحدث الأميركيون والعراقيون تغييرات عسكرية حاسمة من أجل الهجوم على الرمادي. وعملت القوات العراقية على مدى أشهر لمحاصرة المدينة، وتلقت المساعدة من 360 ضربة جوية ضد أهداف لمجموعة “الدولة الإسلامية”، والتي وجهها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، منذ تموز (يوليو) الماضي، بالإضافة إلى التنسيق المستمر مع القادة العسكريين الأميركيين.
كان الأمر الأكثر أهمية في استعادة الرمادي أن الضباط الأميركيين والعراقيين استثنوا المليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران من المعركة من أجل الرمادي، لتجنب مفاقمة التوترات الطائفية والعرقية. كما تم استثناء القوات الكردية أيضاً، والتي كانت قد قدمت أداء جيداً في المعارك الأخرى، على أساس افتراض أن الجيش العراقي يمكن أن ينجح من دون مساعدتها. وبدلاً من ذلك، ساعد المستشارون الأميركيون في تدريب الآلاف من مقاتلي القبائل السنية المحلية، الذين يعارضون “الدولة الإسلامية”، ليقوموا بتأمين الأحياء التي تتم استعادتها من المتشددين. وفي حال صمد هذا التحالف بين الجيش العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة وبين القبائل السنية، فإنه يمكن أن يقطع الطريق على القبول الذي تتمتع به “الدولة الإسلامية” لدى الأقلية السنية في العراق.
لن يكون أي انتصار عسكري كافياً وحده لإلحاق الهزيمة النهائية بالمجموعة الإرهابية. إن الإصلاحات السياسية هي شأن أساسي أيضاً، لأن المجموعة تستغل غضب الأقلية العراقية السنية التي حُرمت من المشاركة السياسية منذ الإطاحة بصدام حسين في العام 2003.
بالإضافة إلى رفع معنويات قوات الأمن العراقية، ينبغي أن يحسِّن الانتصار في الرمادي من الموقف السياسي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الزعيم الشيعي الأكثر اعتدالاً وميلاً إلى الإصلاح من منافسيه الموالين لإيران، والذين أشعلوا جذوة العنف الطائفي على مدى سنوات. وكان الشخص الأكثر مسؤولية عن ذلك هو سلف السيد العبادي، نوري كمال المالكي، الذي أوقع مظالم هائلة بالسنة، والتي ما تزال تتسبب بالمشكلات. ولإلحاق الهزيمة بمجموعة “الدولة الإسلامية” على المدى الطويل، يترتب على السيد العبادي إقناع الساسة العراقيين بالسماح للزعماء السنة بالمزيد من الحكم الذاتي، وبمنحهم دوراً في الحكومة.
كما يجب على السيد العبادي وبقية السلطات العراقية ضمان سلامة السكان السنة الذين هربوا من القتال، والذين ربما يعودون اليوم إلى ديارهم. وقد قدمت الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف مساهمة كبيرة بالتزامهم بتقديم مبلغ 50 مليون دولار من أجل إعادة إعمار المدينة المحررة حديثاً. وسوف يحتاج قادة العراق إلى استراتيجية سياسية وعسكرية للاحتفاظ بالرمادي بشكل دائم.

ترجمة:علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد