بغداد – سيطرت الصين على قطاع النفط في العراق سيطرة واضحة، ويبدو أن الفرصة الأخيرة التي قد تمكّن الولايات المتحدة والغرب من استعادة بعض النفوذ في العراق تكمن في شركة النفط والغاز الفرنسية، توتال إنرجيز، وصفقتها الضخمة ذات المحاور الأربعة التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار.
ويكمن أحد المشاريع الرئيسية في جمع الشركة الفرنسية للغاز المصاحب وتكريره، ويتم حرق هذا الغاز حاليا أثناء التنقيب عن النفط في خمسة حقول جنوب العراق، وهي غرب القرنة 2 ومجنون والطوبة واللحيس وأرطاوي.
ويطمح الغرب من وراء توتال إلى الحد من اعتماد العراق على إيران مدةً طويلة لتلبية ما يصل إلى 40 في المئة من حاجته إلى الطاقة.
مشكلتان تواجهان شركة توتال؛ كثرة الوعود العراقية، ومنافسة قوية من الشركات الصينية في حرق الغاز
ويمكن توظيف ذلك في إحباط جهود إيران المستمرة لبناء جسر بري يمرّ عبر العراق وصولا إلى ساحل المتوسط، حيث ستستغله طهران لزيادة شحنات الأسلحة إلى وكلائها. كما يمكن توسيع الجهود لفرض ضغوط مالية أكبر عليها؛ فالكثير من ثروتها الاقتصادية تجنيه من النفط الذي تصدّره على أساس كونه من العراق عبر قنوات تعتمدها بغداد.
وتكمن الميزة الكبرى بالنسبة إلى العراق في فرصة تحويل أي فائض من الغاز -الذي لا يُستخدم في تلبية حاجته المحلية إلى الطاقة- إلى مصدر للدخل بتصديره، أو اعتماده في مشاريع البتروكيماويات المربحة مثل مشروع نبراس المتوقف منذ مدة طويلة.
لكنْ هناك مشكلتان تواجهان شركة توتال؛ الأولى هي أن العراق تحدث عن هذه الخطط كثيرا من قبْل إلى درجة تجرّد تصريحاته من كل معنى. وكان يغيّر أسماء المشاركين الأجانب فقط في كل مناسبة. ولم يُحقق أي تقدم ملموس في أي مشروع.
ويدرك مراقبو قطاع النفط أن الوعود المرتبطة بالمشروعين المذكورين أعلاه تتكرر سنويا حين يزور رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني واشنطن لطلب المزيد من الأموال لإنقاذ الميزانية الطارئة. ولا يتحقق أي شيء بمجرد تخزين تلك الأموال بأمان في مكان ما.
أما المشكلة الثانية فتتمثل في أن توتال ستكتشف أن الشركات الصينية الموجودة في الأراضي العراقية بالفعل ستعرقل جهودها الهادفة إلى الحد من حرق الغاز في العديد من الحقول.
وتنشط الشركات الصينية بفضل صفقات استكشاف وتطوير متعددة وعدد لا يحصى من العقود الأصغر التي تشمل الهندسة وصيانة المواقع ومعالجة التخزين والأمان. ويُذكر أن شركة أنتون الصينية لخدمات حقول النفط جددت عقد إدارة وخدمات تطوير حقل مجنون مع شركة نفط البصرة في عام 2021. كما وقّعت شركة جيو جايد بتروليوم العقد في مايو لتطوير حقل الطوبة. يضاف إليهما اشتغال شركة النفط الروسية العملاقة لوك أويل المشغلة الرئيسية في حقل غرب القرنة 2.
وتُبرز بيانات الصناعة أن أكثر من ثلث جميع احتياطيات النفط والغاز المؤكدة في العراق وأكثر من ثلثي إنتاجه الحالي أصبح في أيدي الشركات الصينية.
ويقول الكاتب سايمون واتكينز في تقرير بموقع أويل برايس الأميركي “ثمة فرصة أكبر للنجاح أمام المشروع الرئيسي الثاني من صفقة توتال، وهو المشروع المشترك لإمدادات مياه البحر الحاسم في تمكين العراق من مضاعفة إنتاجه من النفط الخام إلى 6 ملايين، أو 9 ملايين، أو حتى 13 مليون برميل يوميا”.
ويتضمن المشروع معالجة مياه البحر من الخليج ثم نقلها عبر خطوط الأنابيب إلى مرافق إنتاج النفط للحفاظ على الضغط في الخزانات وإطالة عمر الحقول ودورة إنتاجها. وتتمثل خطته الأولية في أن يوفر حوالي 6 ملايين برميل يوميا من المياه إلى خمسة حقول على الأقل في جنوب البصرة وحقل واحد في محافظة ميسان، قبل توسيعه ليشمل حقولا أخرى.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية سيعادل إجمالي احتياجات حقن المياه لبلوغ المستويات الأعلى من إنتاج النفط المحتملة في العراق والحفاظ عليها حوالي 2 في المئة من متوسط تدفقات نهري دجلة والفرات مجتمعة.
ويتساءل واتكينز “كيف يسير المشروع؟” متوقعا أن يتواصل تعطيل تقدم مشاريع الشركة الفرنسية بسبب الجهود العراقية الرامية إلى زيادة حصة البلاد من الصفقة. وتراجعت المحاولات بعد أن أكدت توتال أنها لن تستجيب لهذا المطلب.
العرب