د. نزار السامرائي
ما المقصود من التهجير القسري؟
التهجير القسري هو ” ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها.
وما هو الهدف الأساسي من عمليات تهجير السكان من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى؟
وكيف يتم اختيار المناطق الخاضعة للتهجير؟ وإلى أين يتم ترحيل المشمولين بالتهجير؟ ومن يتول إيواءهم؟
هذه الممارسات مرتبطة نوعا ما بالتطهير الذي كان للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية موقف الإدانة القاطعة كما حصل في يوغسلافيا السابقة أو رواندا حيث سيق المتهمون إلى العدالة الدولية لنيل جزائهم العادل.
ويندرج التهجير القسري للسنة العراقيين المستمر منذ بداية الاحتلال الأمريكي عام 2003 وأخذ درجات عالية من الفعالية من شباط 2006، بهدف إخراجهم من مناطقهم، يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفق قاموس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
يخلط كثير من متابعي المشهد العراقي عن عدم معرفة حينا أو عن سوء قصد في معظم الأحيان بين مفهومين مختلفين من الناحية القانونية وإن التقيا من حيث النتيجة، الأول هو التهجير القسري الذي يعرّفه القانون الدولي الإنساني بأنه “الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها” وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، التهجير القسري جريمة حرب.
الإبعاد أو النفي يعنيان النقل إلى خارج حدود الإقليم، بينما يتعلق النقل القسري بالتهجير داخل حدود الإقليم، وعادة ما يحصل التهجير نتيجة نزاعات داخلية مسلحة أو صراعات ذات طابع ديني أو عرقي أو مذهبي أو عشائري، ويتم بإرادة أحد أطراف النزاع عندما يمتلك القوة اللازمة لإزاحة الأطراف التي تنتمي لمكونات أخرى، وهذا الطرف يرى أن مصلحته الآنية أو المستقبلية تكمن في تهجير الطرف الآخر، ولا يحصل التهجير إلا في حالة وجود طرف يهدد مجموعة سكانية مختلفة بالانتماء الديني أو المذهبي أو العراقي بعدم البقاء في مدينة أو منطقة أو بلد ما، ومقابل ذلك تولد شعور لدى الفريق المستهدف بالتهجير بأن هناك خطرا جديا وفوريا يمكن أن يتعرض له في حالة امتناعه عن الهجرة، ويلتقي المهّجرون في انتمائهم لمكون ديني أو عرقي أو مذهبي أو سياسي واحد.
أما الثاني فهو النزوح الإرادي أو الاضطراري لتجمعات سكانية تنتمي لمكونات مختلفة، من مدينة أو منطقة أو مناطق سكناها إلى مناطق أكثر أمنا، نتيجة شعور عام بوجود خطر مباشر على الجميع أما لنشوب حروب نظامية بين دولتين أو أكثر، أو لحصول كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات والسيول، وعادة ما يحصل هذا النوع من النزوح في المناطق الحدودية في حال نشوب نزاعات خارجية مسلحة بين الدول المتجاورة، غير أن التطور الحاصل في الأسلحة وخاصة في مجال الطائرات والصواريخ العابرة للقارات، لم يبق مكانا لمفهوم المناطق الآمنة من الناحية العملية يمكن أن يلجأ إليها المدنيون الذين لا صلة لهم بالنزاع، في الحروب الحديثة نتيجة القصف الجوي أو الصاروخي، وعلى العموم تهب الدول والمنظمات التي تهتم بشؤون الإغاثة لتلبية متطلبات النازحين والمهجرين على حد سواء، إلا أن تسيس ملف التهجير القسري أيسر من تسيس ملف النزوح، على الرغم من أن حوادث كثيرة لنزوح جماعي حصلت نتيجة كوارث طبيعية لم تخل من التسيس أيضا، إذ تلجأ الدول المتضررة أو المانحة لكسر حاجز الجليد بينهما أثناء المداولات الخاصة بتقديم الإعانات الإنسانية، لكن الحكومات والجماعات المسلحة الداخلة في نزاعات كثيرا ما كانت تعرقل وصول المعونات الإنسانية للمهّجرين ولا تفعل ذلك مع حالات النزوح.
إن النزاعات الداخلية والحروب الأهلية والكوارث الطبيعية كانت أكثر تأثيرا في وقوع عمليات النزوح الجماعي من الحروب والنزاعات الخارجية، غير أن الحالتين يمكن أن تحصلا في وقت واحد بسبب نشوب نزاع مسلح يجعل الحياة الآمنة شيئا مستحيلا، إلا أن الفصل بين الفريقين يبدو محفوفا بصعوبات جمة، ثم إن القليل من النازحين هم الذين سيقدمون أنفسهم بهذه الصفقة وخاصة في حال الحروب الداخلية، إما لعوامل اجتماعية تتعلق بعدم رغبة الإنسان بالظهور أمام الملأ بمظهر الخائف أو الضعيف، أو لعوامل اقتصادية تتعلق بالفرص المتاحة أمام المهجرين للحصول على بعض المزايا والامتيازات من دول أو منظمات دولية مثل الصليب الأحمر أو الدول التي تقدم تسهيلات الإقامة فوق أراضيها، لتخفيف جانب من المعاناة المعاشية والنفسية التي يستشعرونها نتيجة إجبارهم على ترك منازلهم بما فيها من ممتلكات، وأحيانا سلبهم بعض مقتنياتهم مما يمكن أن نطلق عليه وصف “ما خف وزنه وما غلا ثمنه”، من قبل أحد أطراف النزاع.
ما حصل في العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 وما زال مستمرا حتى اليوم، يعطي الإجابة الشافية عن هذه الأسئلة، ذلك أن السيطرة على الواقع العراقي سياسيا واجتماعيا من قبل الفريق الذي سلمته قوات الاحتلال مفاتيح العراق، لا يتم إلا بالتغيير الديموغرافي الطائفي المصمم بعناية من قبل قوى سياسية ذات توجهات طائفية متزمتة ترفض الآخر أو القبول بمجرد التعايش معه، وتسعى الجهات الحاكمة اليوم في العراق مدعومة بقوة الفتوى الدينية إلى إحداث تخلخل في التوازن السكاني في المجتمع العراقي، والهدف من وراء التهجير هو إحداث أغلبية طائفية حقيقية بعد تقليص وجود المكوّن الذي يراد تهجيره وهنا يبرز المكون السني كمكون يراد تقليص وجوده في مناطق محددة، وخاصة بعد أن تعرض الكلام عن الأغلبية المفترضة المطروحة على ألسنة السياسيين الشيعة إلى لازمة تفتقد إلى المصداقية وإلى شكوك جدية ليس على مستوى الشارع فقط وإنما على مستوى الكتل الشيعية التي لم تعد تستطع مواصلة الانفراد بالحكم تحت هذه اللافتة من دون أن تواجه بمعارضة من المكونات المهمشة التي قد تقبل بالظلم لفترة وجيزة ولكنها لن تواصل صمتها إلى ما لا نهاية.
لم تأخذ عمليات التهجير خطا بيانا مستقرا منذ عام 2003 وحتى الوقت الحاضر، بل كانت انعكاسا للأوضاع الأمنية السائدة، ففي تقرير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين أشارت فيه إلى أن عدد المهجرين والنازحين بلغ 2.764.111 في عام 2009 داخل العراق فقط من غير الذين غادروا العراق إلى الخارج واختاروا منافي في سوريا والأردن ومصر وتركيا وأوربا والولايات المتحدة وكندا، وقدّرت تقارير دولية أن عددهم زاد على أربعة ملايين شخص خلال الأعوام 2006 و2007 و2008 وهذه السنوات كانت الأشد وطأة على الأمن والاستقرار في العراق، ومع أن سنة 2009 كانت من السنوات الأقل عنفا إلا أن رقم المهجرين فيها كان عاليا.
وأشارت الأرقام التي قدمتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” إلى أن عدد النازحين في الداخل انخفض في عام 2010 إلى 1.343.568 نازحا في الداخل، لكن علينا أن نتحلى بأكبر درجات الحذر أثناء تعاملنا مع تقارير “يونامي” التي تعكس على الدوام صورة وردية عن أوضاع حقوق الإنسان في العراق نتيجة تحيز رؤساء مكتب “يونامي” في العراق إلى جانب وجهات النظر الرسمية لأسباب ترتبط بفساد سياسي ومالي ارتبط بأكثر من اسم في هذا المكتب، مما أثار عليهم نقمة المكون السني في أكثر من واقعة.
ثم يطرح مكتب “يونامي” رقما جديدا عن منتصف عام 2011 إذ يشير إلى أن عدد النازحين في 30 حزيران من عام 2011 انخفض إلى 1.258.934 نازحا فقط، لكن الحراك الشعبي الذي انطلق من محافظة الأنبار في نهاية عام 2012 ثم انتشر إلى خمس محافظات أخرى، أعاد أجواء الشحن الطائفي، بسبب ضيق أفق الحكومة ونتيجة ركون رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، إلى المعالجات الأمنية في التعامل مع الأزمة السياسية ورفضه للمطالب التي قدمتها ساحات الحراك ولجوئه إلى القوة المسلحة لفض الاعتصامات بعد أن أطلق عليها أوصافا عكست عقلية ساذجة في التعاطي مع المطالب الشعبية، وأدى ذلك الذي أدى إلى رفع عدد النازحين إلى 1.332.382 في حزيران عام 2012، ولم يتوقف تدفق النازحين عن مناطق سكناهم بسبب انعدام الأمن فيها والبحث عن ملاذات آمنة وخاصة في إقليم كردستان الذي استقبل مئات الألوف من المناطق السنية، وعلى الرغم من أنه أضاف قيودا صارمة على دخولهم، فقد وصل الرقم إلى 1.900.810 وفقا لتقرير “يونامي” عن حقوق الإنسان في العراق الصادر في تموز 2013.
فما هي صورة الوضع الراهن في العراق بعد أن تحول الحراك السلمي إلى ثورة مسلحة اندلعت نهاية عام 2013؟ ثم تطور المشهد بصورة دراماتيكية في مطلع حزيران 2014 إلى ما هو عليه الآن؟
تعرّف اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 جرائم الحرب بأنها الانتهاكات الجسيمة للقواعد الموضوعة إذا تعلق الأمر بالتهجير القسري، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.
كما أن المادة (7/1 د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تجرم عمليات الترحيل أو النقل القسري، حيث تنص على أن “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية”. وبموجب المواد 2 و7 و8 من نظام روما الأساسي، فإن “الإبعاد أو النقل غير المشروعين” يشكلان جريمة حرب، وتعتبر المادة المتعلقة بحظر نقل السكان من مناطقهم جزءً من القانون الدولي الإنساني العرفي.
تعرّض سنة العراق ابتداءً من عام 2003 بشكل مفرط إلى عملية التهجير القسري وعمليات الإبادة الجماعية بما يتطابق مع ما نصت عليه المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية” التي أقرتها الأمم المتحد في 9 كانون الأول/ ديسمبر عام 1948 وأصبحت سارية المفعول في 12 كانون الثاني/ يناير عام 1951، والتي تعتبر الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بمثابة إبادة جماعية:
أ -قتل أعضاء من الجماعة.
ب -إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ج -إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
د -فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
هـ -نقل أطفال من الجماعة عنوة، إلى جماعة أخرى.
وكل الأفعال المشار إليها آنفا تم ارتكابها من قبل أجهزة الأمن الحكومية وقواتها المسلحة، والمليشيات الشيعية المرتبطة بالأحزاب الحاكمة ولعل ما ارتكبه طيران الجيش والقوة الجوية من جرائم من قبيل ضرب المدن بالبراميل المتفجرة، إنما كان يهدف إلى إفراغ المناطق السنية مما تبقى لها منسكان وإمكانات مادية بهدف إخضاع العراقيين السنة لظروف معيشية يراد بها تدميرهم أو إجبارهم على ترك بيوتهم والهجرة قسرا، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم حسب اتفاقية (عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية) لعام 1968.
التهجير القسري وصراع الإرادات
ديالى مثالا
أفرزت سنوات العنف الطائفي في العراق وعمليات التهجير الممنهجة القائمة على أساس الهوية والعرق وخاصة بعد تفجير القبة الذهبية في سامراء في 22 شباط 2006، أفرزت مناطق مُشَكلة مذهبياً بلون واحد بعد إجبار كثير من المواطنين غير المدعومين بمليشيا مسلحة ولم يحصلوا في الوقت نفسه على مساندة الحكومة لهم للبقاء في مناطق سكناهم الأصلية.
ولعل من أبرز دلالات الفصل الطائفي مناطيقاً هو الصراع المستمر للسيطرة على مركز القرار في بغداد وديالى بين قوى سياسية متناحرة تنتمي إلى مكونات مختلفة مستندة إلى مبدأ القوة المسلحة، كما أن التعامل مع المشهد الطائفي في كل من البصرة ومناطق شمال بابل أدى إلى استمرار النزاعات المسلحة بين مليشيات مسلحة مدعومة بقوات الأمن الحكومية، وقوى ظلت تدافع عن نفسها وبقائها في مناطق كانت موجودة فيها منذ مئات السنين، ولكنها توشك أن ترّحل منها وتفقدها إلى الأبد.
إن الصراع على هوية بغداد وديالى ربما ينذر بمؤشرات عنف واضحة لاسيما مع تمسك طرفي الصراع (السنة والشيعة) بمحاولة انتزاع هوية المحافظة من الطرف الشيعي والتمسك بالأرض من الجانب الآخر، ويمكن تلّمس مفردات ذلك من خلال إطلاق الحكومة لمليشيا بدر التي يرأسها هادي العامري وزير النقل في حكومة المالكي، هذه المليشيا التي ظلت تتحدث لزمن طويل عن تغير مهماتها إلى الوظائف الاجتماعية، إذا بها وفي ساعة الصفر المقررة تنفذ عمليات عسكرية عجزت أجهزة الأمن عن تنفيذها، إذ أنها عندما شعرت بأن ميزان القوى لم يعد لصالحها كشفت عن أسنان وأنياب مسلحة فقامت بأكبر عملية تطهير عرقي في معظم مدن محافظة ديالى ذات الأغلبية الساحقة للمكون السني، ويمكن أن نرد هذه العملية الممنهجة في محافظة ديالى وبصورتها الراهنة إلى بداية الولاية الثانية لنوري المالكي عام 2010 عندما جاء بهادي العامري قائد فيلق بدر وزيرا للنقل بعد أن نجح في إقناعه على الانشقاق عن المجلس الأعلى الإسلامي، ويبدو أن شرط العامري كان تسليمه مفاتيح محافظة ديالى لحسابات إيرانية بالمرتبة الأولى وطائفية متعصبة داخليا، وجاء في تقرير نشرته جريدة الزمان الدولية الصادرة في لندن في 14 تموز 2013، أن المليشيات المتنفذة في ديالى باشرت حملة تطهير عرقي غير مسبوقة في قرى شرق قضاء المقدادية التابع لها، حيث قصفت بمدافع الهاون قرى الخيلانية والشاخة والجف والعكيدات وجميلات يومي الثالث والرابع من رمضان (11 و12 تموز 2013) بشكل مكثف قبل أن تدهم القرى وتقوم بتهجير أهلها وإخلاء القرى ومنعت الأهالي النازحين من تلك القرى الزراعية من اصطحاب مواشيهم وممتلكاتهم التي أصبحت نهباً للمليشيات، وقال مراسل الزمان في ديالى إن تسعة آلاف نسمة أصبحوا في العراء، وناشد وجهاء المقدادية الحكومة المحلية والحكومة المركزية في بغداد التدخل لمنع هذه الجرائم ضد الإنسانية التي تقع أمام أعين القوات الحكومية، وتمثل ديالى أهمية خاصة للمليشيات الممولة من إيران التي تقع على حدودها وتعد من خطوط إمداداتها.
وفي تصريح له لـ(السومرية نيوز) في 26 كانون الأول/ ديسمبر 2013 أستنكر رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية سليم الجبوري (أصبح رئيسا لمجلس النواب) حرق قرى في محافظة ديالى، واصفاً الأمر بجريمة “تطهير عرقي منظم”، وطالب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي بإعلان حربه على الميلشيات كما اعلنها على “القاعدة”.
وقال الجبوري في بيان تلقت “السومرية نيوز”، نسخة منه، “نستنكر جريمة حرق قرية شيخ عموم عشائر الجبور الشيخ سعدون العواد وقرية عشيرة جميلة في المحافظة ديالى”، واصفاً الأمر بأنه “عملية تطهير عرقي منظم حصل تحت مرأى ومسمع قوى الأمن”، وأضاف إن “حرق القرى تم بعد انسحاب قوات الأمن من القرية مباشرة لتقوم مليشيات معروفة “بحرقها”.
وأكد الجبوري أن “عشائر الجبور وجميلة في عموم العراق تعد هذا العمل إساءة لقبائل عربية وعراقية أصيلة، وأكد أن صبر أبناء العشائر على المليشيات “لن يطول” مطالباً القائد العام للقوات المسلحة بـ”إعلان” حربه على المليشيات في ديالى وبغداد والبصرة كما اعلن حربه على القاعدة في صحراء الأنبار.
أما محافظ ديالى عمر الحميري فقد اتهم الميليشيات (وهذا المصطلح ينصرف إلى المليشيات الشيعية) بإحراق منازل العديد من الأسر المهجرة في ثلاث قرى زراعية في قضاء المقدادية، داعياً القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي إلى شن عملية عسكرية ضد هذه المليشيات.
وكان عمر الحميري قد قال في تصريح لوكالة الأناضول التركية في 19/4/2013 إن أكثر من 7 آلاف أسرة تعرضت للتهجير بالقوة خلال الأشهر الماضية، داخل المحافظة، جراء نشاط ما وصفه بالمليشيات الطائفية”، معتبرا أن الأخيرة تحظى بدعم جهات أمنية أو حكومية، وتابع أن “المليشيات بدأت في ممارسة جريمة التطهير العرقي لأهالي قرى جنوب قضاء المقدادية شمال شرق بعقوبة مركز المحافظة، وسرعان ما تحول نشاطها إلى بعقوبة وأطرافها” وأوضح الحميري أن “أكثر من 7 آلاف أسرة نزحت من مناطقها في ديالى (إلى أماكن غير محددة)، بفعل أنشطة الميلشيات الطائفية التي أصبحت تمارس نشاطها في وضح النهار وتحت مرأى ومسمع القيادات الأمنية للأسف” ولفت إلى أن “تنامي خطر الميلشيات في ديالى حقيقة لا يمكن نكرانها، ونأسف لادعاء بعض الساسة عدم وجودها لأنهم ببساطة جزء من منظومتها” واتهم الحميري هذه “المليشيات الطائفية” بتنفيذ عمليات إعدام جماعية في بلدة بهرز بالمحافظة، وحرق وتدمير عشرات المنازل السكنية إضافة إلى المساجد.
وهكذا بدأ التطهير بأقسى درجات العنف في معظم المحافظات السنية والمحافظات المختلطة ولم يكتف بتهديد الطرف الآخر بمغادرة الممتلكات والبساتين العامرة في محافظة ديالى، بل استهدفت الشباب خطفا وقتلا مما لم يعرفه تاريخ العراق من ذي قبل بهدف إجبار السكان على النجاة بجلودهم.
أما بالنسبة لبغداد فقد تعرضت لعمليات فرز سكاني استنادا إلى المذهب خلال أكثر من مرحلة، وبغداد عاصمة الدولة العراقية تحولت إلى كانتونات مقفلة على مذهب واحد تقريبا إلا مع الاستثناءات النادرة، ولكن المرحلة الأخطر التي تنتظر العاصمة هي التي لم تبدأ بعد، وهي التي تتلخص بإخراج السنة منها نهائيا بهدف إعطائها طابعا شيعيا مغلقا، وذلك ضمن خطة تم الحديث عن تفاصيلها من قيادات التحالف الشيعي الحاكم لجعل بغداد مدينة شيعية بالكامل، أي أن توجيه ثقل المليشيات المدعومة بقوات الجيش والأجهزة الأمنية، ستنفذ المرحلة المذكورة والتي تتلخص بإخراج سكان المناطق التي تنتمي إلى المكون السني منها إلى خارج محافظة بغداد، مثل الأعظمية والعامرية والغزالية والجامعة والدورة وإخراج من تبقى من السنة في مناطق العدل والكرخ وغيرهما.
هذه الخطة مرسومة منذ زمن يعود لما قبل الاحتلال الأمريكي من أطراف “المعارضة الشيعية” التي حضرت مؤتمرات المعارضة في لندن وصلاح الدين وغيرها والتي أرست شكل نظام الحكم لمرحلة ما بعد الاحتلال، وأخذت هذه الخطة قوة دفع بعد الاحتلال بسبب تولي مسؤولين من أحزاب شيعة متطرفة لمقاليد السلطة والمدعومين من سلطات الاحتلال، ومن الذين يحملون موروثا طائفيا حاقدا ونفسا ثأريا يريد استئصال السنة من المشهد السياسي والاجتماعي، عبر سلسلة من الخطوات تبدأ بقطع مصادر الرزق عنهم ومصادرة ممتلكاتهم من أجل إفقارهم وتحويلهم إلى طبقة معدمة تماما، لكن ما رافق الاحتلال من مقاومة مسلحة ضارية كانت المحافظات السنية مناطقها التقليدية قلب الحسابات الأمريكية وأعطى قوات الاحتلال ومن بعدها سلطات الحكومة المنصبة الحافز لتجريد المناطق السنية من آخر ما بقي لها من سلاح بما فيها سلاح الدفاع الشخصي عن النفس، فأصبح السني أعزلا لا يستطيع الدفاع عن نفسه بوجه كم هائل من السلاح المبذول للطرف الآخر خاصة بعد أن تحولت السلطة إلى أداة لقمع السني وليس للدفاع عنه.
ونظرا لما تتمتع به هاتان المحافظتان من عمق استراتيجي مهم فبغداد وحزامها السني الاستراتيجي ربما يكون خط المواجهة الأول ثم تأتي ديالى ذات الغالبية السنية في المرحلة الثانية.
إذن فمحافظتا بغداد وديالى تشكّلان بؤرة العنف الطائفي، ومن ثم فإنهما شهدتا الكم الأكبر من عمليات النزوح القسري وذلك بسبب ضراوة التهديدات التي تطال سكانهما، سواء بسبب عمليات التهجير القسري المباشرة، أو بسبب الخوف على الحياة، أو حتى بسبب الخوف من الاعتقال العشوائي، أما سكان الرمادي والفلوجة فقد تم تهجيرهم بقوة السلاح نتيجة القصف المدفعي والجوي وبالبراميل المتفجرة، واختار قسم كبير منهم أربيل والسليمانية، كل هذا كان يجري قبل سنوات من أحداث حزيران 2014 وما رافقها من هجرة من تلعفر وسنجار وسهل نينوى، لكن المجتمع الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة لم تحرك ساكنا للتصدي لجرائم حكومة نوري المالكي والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وعندما وقع ما وقع في سنجار تحرك العالم وكأنه يكتشف العراق لأول مرة، وهذه الازدواجية في المكاييل تدفع بسنة العراق إلى النظر إلى العالم من دون استثناء على أنه شريك في جريمة التهجير القسري التي ظل يتعرض لها منذ عام 2003.
وقد تعاطت الحكومة العراقية مع موضوع التهجير القسري باعتبارها طرفا منحازا أو مشاركا في تهيئة مسرح العمليات لجعل حياة من يراد تهجيرهم مستحيلة تماما، فقد تبنت الحكومات المتعاقبة موقفا مستندا على أسس طائفية وعرقية، ولم تتعامل مع الموضوع على أساس إنساني أو حتى قانوني بما يمليه عليها واجبها.