بغداد – تتسابق الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق على توظيف الخطوة التي أقدم عليها أكراد البلاد برفعهم علم إقليمهم فوق المباني الرسمية لمحافظة كركوك المتنازع عليها، في تلميع صورتها وتقديم نفسها حامية لوحدة البلد ومدافعة عن حقوق القوميات المشكّلة لمجتمعه، وفي مقدمتها المكوّن العربي، وذلك على الرغم ممّا تلبّس بصورة تلك الأحزاب منذ مجيئها إلى الحكم بعد الغزو الأميركي من اتهامات بتفكيك المجتمع العراقي وتقسيمه طائفيا وعزل البلد عن محيطه العربي وإلحاقه بالمدار الإيراني.
ودعا عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني المكوّن من أبرز الأحزاب الشيعية في العراق، الأربعاء، إلى إنزال علم الإقليم الكردي من على الأبنية الحكومية في محافظة كركوك بشمال البلاد، والإبقاء على العلم العراقي فقط.
وأقدم كريم نجم محافظ كركوك أواخر شهر مارس الماضي على رفع علم إقليم كردستان إلى جانب العلم العراقي فوق المباني الحكومية، قبل أن يبادر مجلس المحافظة إلى إضفاء شرعية قانونية على الخطوة بالتصويت عليها.
وحاول رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجرفان البارزاني، الأربعاء، خفض التوتر الذي سببته قضية رفع العلم مع تركيا التي تعارض بشدّة أي نوازع استقلالية للأكراد في أي من بلدان المنطقة لمعرفتها بأنّ ذلك سينعكس على وضعها الداخلي حيث يمثّل الأكراد نسبة هامّة من سكانها.
وقال البارزاني إن كركوك ليست مدينة كردية فقط وإنما مدينة لجميع مكوناتها.
وأكّد في إجابته خلال مقابلة مع التلفزيون الكردي “روداو” عن سؤال حول اعتبار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كركوك مدينة غير كردية “أنا أيضا أعتقد مثله أن كركوك ليست مدينة كردية فقط، وإنما مدينة للأكراد والتركمان والعرب وجميع مكوناتها”، قائلا “كركوك الآن ومستقبلا، يجب أن تكون مدينة للتعايش السلمي لجميع المكونات التي تعيش فيها”.
ورغم ما تضمّنه رفع العلم الكردي في كركوك من محاولة لفرض الأمر الواقع في المدينة التي يفسّر ثراؤُها الشديدُ بالنفط شراسةَ الصراع المستمر حولها بين أربيل وبغداد طيلة عشريات من الزمن، إلاّ أن شرائح واسعة من العراقيين تبدو أقّل اكتراثا بالقضية من السياسيين، على اعتبارها ليست من أولوياتها في الوقت الراهن قياسا بقضاياها الأكثر إلحاحا من انعدام الأمن إلى استشراء البطالة وتهالك البنى التحتية وانعدام الخدمات الأساسية، وتفشي الفساد الحكومي.
نيجرفان البارزاني: كركوك مدينة للأكراد وللتركمان والعرب ولجميع مكوناتها
ومن هذه الزاوية لم يتردّد عراقيون في وصف قضية رفع العلم الكردي في كركوك بالاعتبارية والرمزية إلى حدّ كبير قياسا بقضايا المعيش اليومي.
بل ذهب مثقّفون وقادة رأي إلى اعتبار القضية الكردية وسعي الأكراد إلى الاستقلال وعملهم على توسيع حدود إقليمهم، لا تمثّل التهديد الوحيد لوحدة العراق، وليست أقل خطورة من الشرخ الاجتماعي الذي أحدثته التجربة السياسية القائمة في البلد على المحاصصة العرقية والطائفية.
وتجد الأحزاب الشيعية المسؤولة بشكل مباشر عن تلك الأوضاع باعتبارها قائدة للدولة، في قضايا مثل قضية العلم، مهربا مناسبا من مواجهة تلك القضايا الحيوية والانصراف عنها ولو إلى حين.
وقال عمّار الحكيم خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع الحكومة المحلية في محافظة ديالى شمال العاصمة بغداد “نعتقد أن رفع علم الإقليم الكردي في كركوك بمعزل عن إرادة المكونين العربي والتركماني وتجاوز مبدأ التوافق في مجلس المحافظة لم يكن بالشكل المناسب والملائم وكان إجراء متسرّعا”.
وأضاف الحكيم الذي يتزعّم أيضا المجلس الأعلى الإسلامي، أحد أكبر الأحزاب الشيعية في العراق “نحن ندعو محافظ كركوك ومجلس المحافظة إلى إنزال هذا العلم والإبقاء على العلم العراقي مرفوعا”.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، القيادي في حزب الدعوة الإسلامية، قد دعا الحكومة المحلية في محافظة كركوك إلى “احترام دستور البلاد وعدم اتخاذ قرارات فردية”، في إشارة إلى عملية رفع العلم الكردي في كركوك.
ولم تستجب الحكومة المحلية في المحافظة لقرار البرلمان العراقي الذي رفض رفع العلم وطالب بإنزاله.
وتنص المادة الـ140 من الدستور العراقي على تطبيع الأوضاع في محافظة كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها في نينوى وصلاح الدين وديالى ومن ثم إحصاء عدد السكان الذين سيقررون في الخطوة الأخيرة تحديد مصير مناطقهم بالإبقاء عليها تابعة لبغداد أو الانضمام إلى الإقليم الكردي. وكان من المقرر الانتهاء من مراحل تنفيذ المادة حتى نهاية 2007 لكن المشاكل الأمنية والسياسية حالت دون ذلك.
وتسيطر البيشمركة، القوات المسلحة لإقليم كردستان العراق، على كركوك باستثناء جيب بجنوب غربي المحافظة لا يزال في قبضة تنظيم داعش منذ 2014.
ويشعر العبادي بحرج استثنائي من قضية رفع العلم لمعرفته بأنها ستوظّف ضدّه في إطار الصراع الشيعي-الشيعي على المراكز القيادية بالدولة.
ولم تتأخّر أطراف سياسية شيعية في اتهام رئيس الوزراء بالضعف والتفريط في وحدة العراق. وجاء الهجوم على العبادي من داخل الكتلة السياسية التي ينتمي إليها ويقودها رئيسه في الحزب وأبرز منافسيه على رئاسة الحكومة نوري المالكي.
واتهمت عواطف نعمة القيادية في ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي، العبادي بالضعف في التعامل مع قضية كركوك ورفع علم الإقليم فوق مبانيها.
وقالت في تصريح صحافي إنّ القرارات التخبطية والتصريحات المتناقضة لرئيس الوزراء فتحت المجال أمام محافظ كركوك لرفع علم الإقليم فوق المباني الحكومية التابعة للحكومة الاتحادية. كما اتهمت جهات خارجية بالتخطيط لـ”إبعاد العراق عن مسار الانتصارات وخلق فتن وأزمات للتأثير على سير المعارك في الموصل”.
العرب اللندنية