استفاق التونسيون أمس على وقع زيادة مفاجئة في أسعار الوقود، ما أثار مشاعر الاستياء لديهم لا سيما الطبقة الفقيرة ومحدودة الدخل التي تعاني من ضعف في قدرتها الشرائية.
ويقول مواطنون وتجار وسائقو وسائل النقل الخاصة إن الخطوة ستؤدي لزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، بينما يرى اقتصاديون أن الزيادة ستنجر عنها موجة تضخم قد تعجز الحكومة عن تفاديها.
وأقرت الحكومة زيادة في أسعار عدة أنواع من الوقود بنحو 6.7 بالمئة، بعد أيام من قرار مماثل في مصر، في مسعى للحد من الكلفة الباهظة لدعم المواد الأساسية وردم الفجوة في عجز الموازنة التي يتوقع أن تصل لنحو ملياري دولار.
وتعتبر الزيادة التي بدأت تسري منذ منتصف ليل الأحد، هي الأولى منذ تسلم الحكومة التي يقودها يوسف الشاهد للسلطة في أغسطس الماضي حيث شرعت في تنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية مؤلمة يشمل مختلف القطاعات.
وتصل الزيادة إلى 0.1 دينار (0.04 دولار تقريبا). وشملت أصنافا من البنزين والديزل، في حين تم استثناء غاز الطبخ وبترول الإنارة، وفق بيان مشترك أصدرته كل من وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة ووزارة الصناعة والتجارة.
وباحتساب تلك الزيادة وصل سعر لتر البنزين أوكتين 95 إلى 1.75 دينار (0.71 دولار)، بينما بلغ سعر لتر الديزل الممتاز 1.51 دينار (0.61 دولار) والديزل العادي 1.23 دينار (نصف دولار).
2 مليار دولار قيمة العجز الذي تستهدفه الحكومة في موازنة السنة المالية الحالية
ويقول محللون إن الأسعار الجديدة أصبحت تفوق الأسعار العالمية المعتمدة في الدول التي حررت الأسعار مثل دولة الإمارات والمغرب.
ورصدت “العرب” انطباعات بعض المواطنين والتجار وأصحاب وسائل النقل الخاصة حول الإجراء الجديد حيث أجمعوا على أنه سيزيد من معاناتهم وسيرهق موازناتهم، في ظل الظروف الراهنة.
ويقول الموظف عمر الفرشيشي، من سكان ولاية بن عروس جنوب العاصمة، إن اتخاذ هذا الإجراء كان يفترض أن يسبقه رفع الحد الأدنى للأجور لأن “الرواتب الحالية أصبحت لا تفي بتوفير احتياجاتنا في ظل تواصل ارتفاع الأسعار في الأسواق”.
وبدوره يرى محمد، وهو عامل في ميناء رادس التجاري أن القرار الحكومي له انعكاسات سلبية، وهو ما قد يسهم في بروز عجز في ميزانيات الأسر التونسية مع مرور الوقت.
وتمتد آثار القرار على كافة القطاعات بلا استثناء وخاصة تلك المتعلقة بالتجارة والزراعة والمصانع والأسواق وزيادة أسعار النقل التي ستنعكس بدورها بصورة سلبية على الأسر خاصة الشرائح الضعيفة ومحدودة الدخل.
وأبدى التاجر محمد العياري قلقه من تصرف وزارتي الطاقة والتجارة برفع أسعار الوقود الذي يؤثر في قطاع النقل بصورة مباشرة ويمتد تأثيره على المواطنين.
وقال العياري صاحب محل بقالة لـ”العرب” إن “القرار سيعيق إقبال الناس على الشراء مما يؤدي هذا الوضع لتكدس البضائع التي قد تنتهي صلاحيتها ونتحمل نحن الخسائر”.
ويعتقد كريم، وهو صاحب حافلة نقل خاص، أن الزيادة ستضطر أهل القطاع لزيادة كلفة نقل الفرد الواحد والتي تتراوح بين 0.37 دولار و0.6 دولار.
وتأتي موجة رفع أسعار الوقود تماشيا مع مطالبات صندوق النقد الدولي لاستكمال صرف الشريحة المتبقية من القرض الذي تحصل عليه تونس على مراحل والمقدر بنحو 2.9 مليار دولار حيث تحتاج تونس لأموال لسد العجز وتسيير شؤون الدولة.
ورغم تراجع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية طيلة السنوات الثلاث الماضية، إلا أن تونس لم تستفد من الفارق الذي كان يفترض أن يصرف في أوجه الدعم وعدم الاضطرار لزيادة الأسعار للتقليل من عجز الموازنة، كما يقول الخبراء.
وبينما يرى اقتصاديون أن الخطوة كانت معدة مسبقا في موازنة 2017، لكن آخرين ربطوها بتوقف إنتاج النفط في الأشهر الماضية بسبب الاحتجاجات التي ضربت عددا من المناطق.
واستندوا إلى تلويح الحكومة بالإقدام على الخطوة حين قال عماد الحمامي وزير التكوين المهني والتشغيل في مايو الماضي إن “الحكومة قد تجد نفسها مضطرة للترفيع في أسعار الوقود جراء توقف إنتاج وضخ النفط من ولاية تطاوين بسبب اعتصام الكامور”.
ويرى أنيس القاسمي الخبير في التنمية البشرية أن الزيادة متوقعة في ظل خطط الحكومة لتقليص العجز في الموازنة وسيكون على المواطنين التأقلم مع الوضع الجديد. ولم يستبعد أن يؤدي الإجراء إلى شلل في حياة التونسيين الاقتصادية.
وقال القاسمي في تصريح لـ”العرب” إن “آثار الزيادة ستظهر تدريجيا خاصة وأننا في ذروة الموسم السياحي الذي يتزايد فيه الاستهلاك خاصة في المواد الأساسية والتنقل”.
وتعاني تونس من صعوبات مالية كبيرة رغم عودة العديد من القطاعات للتعافي مثل قطاعي السياحة والفوسفات، وقد فاقمت الأوضاع التي عاشتها في السنوات الماضية من لجوئها إلى الاقتراض الخارجي لتغطية العجز.
ويتوقع أن يصل عجز الموازنة إلى 5.9 بالمئة مقارنة مع توقعات سابقة بنحو 5.4 بالمئة، بسبب ارتفاع قيمة واردات الطاقة وهبوط قيمة الدينار.
العرب اللندنية