صنعاء – عكس خطاب الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في ذكرى ثورة السادس والعشرين سبتمبر 1962 التي أطاحت بحكم الإمام، موقف الضعف الشديد الذي أصبح عليه إزاء الحوثيين شركائه في الانقلاب.
كما عكس مقدار ضغوطهم عليه والتي دفعته إلى التماهي مع خطابهم وترديد طروحاتهم، خصوصا في ما يتعلّق بالاستعداء المطلق للمملكة العربية السعودية، بعد أن كان يظهر قدرا من التحفّظ في خطابه الموجّه إلى الرياض، مركّزا في أغلب الأحيان على دعوتها إلى الحوار المباشر بشأن الأزمة القائمة في بلاده، في محاولة منه لعدم قطع خطّ الرجوع عن تحالفه مع الحوثيين.
ووصف صالح السعودية بـ”العدو التاريخي للشعب اليمني”، وهي عبارة مستمدة من سجلّ الخطاب السياسي لأنصارالله الحوثيين الملتزمين بنهج الاستعداء الإيراني المطلق للمملكة.
ونفّذ صالح قبل حوالي شهر آخر محاولة انتفاض ضدّ الحوثيين أعدائه التاريخيين، وحلفائه الحاليين، مصعّدا لهجة الخطاب ضدّهم إلى درجة اتهامهم بعرقلة جهود السلام وجرّ اليمن إلى مستنقع الحرب الدائمة، ومستعرضا قوّته الجماهيرية من خلال تجمّع حاشد لأنصاره وسط العاصمة صنعاء بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتولى قيادته.
وتعرّض زعيم المؤتمر منذ ذلك الحين لضغوط شديدة من الحوثيين المسيطرين عمليا على مقاليد السلطة من خلال اللجنة الثورية العليا التي يترأسها محمد علي الحوثي والتي تدير أهم الهياكل السيادية وتتحكّم في المرافق الحيوية، بينما يقاسمونه شكليا بعض مناصب الحكومة الموازية في صنعاء وهي عبارة عن هيكل إداري بسيط لا يمتلك القرار السياسي.
تعليمات إيرانية بتجريد صالح من وسائل قوته وصولا إلى انتزاع مخالبه العسكرية المتمثلة أساسا في فلول الحرس الجمهوري
وخرجت ضغوط الحوثيين على صالح إلى العلن من خلال وثيقة تعمّدوا تسريبها مؤخّرا وتتضمّن مطالبته بالكشف عن ذمّته المالية تحت طائلة التعرّض لحكم قانون كان أقرّه هو نفسه حين كان على رأس الدولة ويتضمّن عقوبة السجن بعد التجريد من الوظيفة لكل من يمتنع عن الإقرار بذمّته المالية.
وقالت مصادر يمنية مطلّعة إنّ ملف الفساد يمثّل إحدى أوراق الضغط الأساسية على الرئيس السابق، وأنّ الحوثيين تمكّنوا من خلال استيلائهم على مؤسسات الدولة ووضع اليد على أرشيفها، من الحصول على وثائق كثيرة تدين صالح بالاستيلاء على المال العمومي وإهدار موارد الدولة.
وتؤكّد المصادر ذاتها أنّ الحوثيين بصدد تطبيق تعليمات إيرانية صارمة بشأن طريقة التعامل مع زعيم المؤتمر وتجريده من مصادر قوّته تدريجيا وصولا إلى انتزاع قوّته العسكرية المتمثّلة أساسا في فلول الحرس الجمهوري.
وفي خطابه بمناسبة ذكرى الثورة تعمّد صالح اعتماد الخطاب التصعيدي المطلوب من الحوثيين -ومن خلفهم إيران- داعيا إلى تعزيز جبهات القتال الداخلية في مواجهة ما وصفه “بالعدوان” في إشارة إلى حملة التحالف العربي الداعم للسلطات الشرعية.
كما تعمّد صالح التركيز على استعداء السعودية قائلا إنّ “العدوان ليس ضد فئة أو مكوّن سياسي، العدوان هو على شعبنا اليمني العظيم، وتحالفت فيه 17 دولة بقيادة السعودية، كنا نتكلم على أن السعودية هي العدو التاريخي، فعلا إنها العدو التاريخي للشعب اليمني”.
وأضاف “هذه ليست المواجهة الأولى، واجهتنا في عام 1934 وواجهتنا في عام 1962 والآن تكرر نفس الطريقة، التي واجهت بها ثورة الـ26 من سبتمبر عام 62، فتواجه اليوم الوطن بعدوان غاشم دمر الشجر والحجر، دمر مؤسسات الدولة، وقتل الأطفال والنساء دون وجه حق”.
ويفهم الرئيس السابق أنّ تصعيد الصراع في اليمن وإطالة أمده مطلب حيوي لإيران الواقفة خلف الحوثيين، ومن ثمّ حرصه في خطابه على نسف جميع أسس الحلّ السلمي بعدم الاعتراف المطلق بالقرار الأممي 2216 ولا بمخرجات الحوار الذي كان انتظم في البلاد بعد تنحيه عن الحكم ولا بالمبادرة الخليجية التي أطّرت ذلك الحوار ورعته.
ويعتبر متابعون للشأن اليمني أنّ علي عبدالله صالح المشهور بدهائه السياسي بدا أضعف من المتوقّع، ولم يستثمر خلافه الأخير مع الحوثيين مضيّعا آخر فرصة له للخلاص من الورطة التي وقع فيها بعقده تحالفا ضدّ المنطق حوّله إلى أداة في مشروع إيران باليمن والمنطقة.
العرب اللندنية