الرباط تدعم خيار الوحدة في علاقتها بمدريد

الرباط تدعم خيار الوحدة في علاقتها بمدريد

الرباط – على خلفية إعلان إقليم كتالونيا استقلالا أحادي الجانب عن الحكومة المركزية بمدريد، أكد المغرب بشكل قاطع أنه لن يتعامل مع كتالونيا إلا في إطار الوحدة والسيادة الإسبانيتَيْن، ولن يعترف بالإعلان أحادي الجانب لاستقلال الإقليم، معبرا عن تضامنه المطلق مع الحكومة الإسبانية.

وقالت وزارة الخارجية، في بيان صدر الجمعة 27 أكتوبر، غداة إعلان برلمان إقليم كتالونيا الاستقلال عن إسبانيا، إنه في ظل هذه الظروف الخاصة التي تجتازها الجارة إسبانيا، فإن المملكة المغربية تقدم دعمها المطلق للحكومة الإسبانية، من أجل فرض احترام الدستور والحفاظ على الوحدة الوطنية وسيادة البلاد.

ومردّ الموقف المغربي لا فقط العلاقات المتميزة بين المغرب وإسبانيا، بل أساسا تجربة المغرب مع الانفصاليين الذين عطلوا الكثير من مشاريع تنمية وتطوير الصحراء المغربية. وتعدّ المملكة المغربية من الدول التي حذرت مبكرا من خطورة الانفصال وما يمثله من تهديد إقليمي ودولي على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

ويتسق موقف المغرب مع خطه الدبلوماسي الداعي إلى الحفاظ على سيادة الدول وحماية أراضيها، الشيء الذي يصب في تقوية الدول ويحمي أمنها واستقرارها والذي ينعكس بدوره على منطقتها الإقليمية. وتأكيدا لدعم المغرب لحكومة مدريد قال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، إن “المغرب له ثوابت تحكم سياسته الخارجية، والموقف الذي سيعلن على مستوى إسبانيا إزاء هذا الاستفتاء نحن معه”.

ويرى محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن بواشنطن، أن المغرب يذهب في اتجاه المواجهة الاستباقية للشرعية المضادة وهي مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير الذي انتعش منذ بداية القرن بعد إجراء استفتاء الاستقلال في تيمور الشرقية عام 1999، واستقلال جنوب السودان عام 2011، وتفكير اسكتلندا في الانفصال عن المملكة المتحدة هذا العام، واستفتاء كردستان قبل شهر.

وينشغل المغرب بالدّلالات السياسية والاستراتيجية لمشروع استقلال كتالونيا وتطوّر الخطاب الدولي سواء بين عواصم المنطقة أو لدى المنظمات الدولية خاصة الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا والأمم المتحدة.

وحذّر السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في 10 أكتوبر 2017 أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، من تنامي النزعة الانفصالية المقوضة للاستقرار في بعض بلدان أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. واعتبر هلال أن تصاعد النزعة الانفصالية يؤكد أن التوظيف والاستغلال السياسيين لمبدأ تقرير المصير يشكلان خطرا على العديد من البلدان، ويهددان استقرارها ويعرقلان تنميتها ويجزئان مناطقها ويزرعان الفرقة بين شعوبها.

ويقول محمد الشرقاوي لـ”العرب” إن تصويت المشرّعين الكاتالونيين بفارق 70 صوتا أيدت و10 أصوات عارضت الاستقلال، بمثابة مقدمة لتأجيج المعركة المفتوحة دوليا بين دعاة الحفاظ على التركيبة البنيوية للدول وتماسك سردية الحكم “من أعلى إلى أسفل” وأنصار التغيير بإرادة الشعوب وسردية الاحتكام إلى الأخلاقيات السياسية والقانونية حسب القاعدة الشعبية “من أسفل إلى أعلى”.

إذا واصلت مدريد تبنّي منطق القوة وفرض الأمر الواقع على غرار ما فعلت يوم إجراء التصويت، فإن ذلك سيكون بمثابة من يرمي السّماد على أرض خصبة لتنامي القومية الكاتالونية
ويرتفع التأييد المغربي لمدريد إلى مستوى الدعم المطلق للحفاظ على الوحدة الوطنية وسيادة إسبانيا، حسب الشرقاوي، الذي أكد أن موقف المغرب طعن ضمني في أحادية الفعل السياسي من قبل تيار الاستقلال فوق إرادة مدريد. وفسر هذا التوجه بأنّ المغرب يتمسك بمبدأ الحفاظ على الوحدة الوطنية وسيادة الدولة المركزية كشرعية تاريخية منذ قيام الدولة الحديثة عقب اتفاقية وستفاليا الموقعة عام 1648.

ويرى الشرقاوي في دعم الرباط لمدريد استثمارا مضاعفا في تعزيز خطاب الوحدة الوطنية بما يصبّ بشكل غير مباشر في استمالة مساعي الأمم المتحدة نحو خيار الحكم الذاتي لسكان الصحراء ضمن إطار وحدة وطنية متماسكة، مع التقليل في الوقت ذاته من عدم واقعية التلويح بإجراء الاستفتاء من أجل حق تقرير المصير وهي قناعة تترسخ في النقاشات بين أروقة الأمم المتحدة في نيويورك.

وعرفت علاقات المغرب وإسبانيا مدا وجزرا حسب تموقع مدريد من قضايا تهم مصالح المغرب ومنها ملف الصحراء المغربية. وتكشف طبيعة الموقف المغربي من قضية كتالونيا حاليا، حسب الشرقاوي، خروج العلاقات المغربية الإسبانية عن مسار “الردّ بالمثل” أو “ردّ الصّاع صاعيْن” إذا وضعنا تعهّد الرباط بتقديم “الدعم المطلق” لمدريد على ميزان التفاعل المتوازي بين موقف الرباط إزاء كتالونيا وموقف مدريد بشأن الصحراء المغربية منذ انسحابها من المنطقة عام 1975.

وأيدت عدة حكومات متعاقبة في إسبانيا تيار الانفصال في الصحراء قبل أن ترى مدريد قبل أسابيع إعلان تأييدها للتوصل إلى حل “متفق عليه ودائم” بين المغرب وجبهة البوليساريو.

ويتوقع الشرقاوي أن تزداد النبرة الإيجابية في تجسير الفجوة بين مصالح الدولتين بعد الموقف المغربي الأخير من انفصال كاتالوني، مشيرا إلى أن تقاطع المصالح المتبادلة سياسيا واستراتيجيا وأمنيا بين مدريد والرباط يظل رهينا بمآل المعركة الدستورية بين برشلونة ومدريد إذا اتجه رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي نحو ابتكار صيغة جديدة وهي التوافق على صيغة مرضية للحكم الذاتي لإقليم كتالونيا. وهذا هو أفضل سيناريو سيفيد الرباط أكثر مما يريح راخوي في معركته الداخلية.

لكن إذا واصلت مدريد تبنّي منطق القوة وفرض الأمر الواقع على غرار ما فعلت يوم إجراء التصويت، فإن ذلك سيكون بمثابة من يرمي السّماد على أرض خصبة لتنامي القومية الكاتالونية، وهذا السيناريو المحتمل، كما يرى محمد الشرقاوي، لا يؤرق المسؤولين في مدريد فحسب، بل يلقي بظلاله أيضا المغرب.

العرب اللندنية