قد لا تكون أسهم الرئيس دونالد ترامب مرتفعة للغاية في الولايات المتحدة، لكن كل من أمضى مؤخراً بعض الوقت في إسرائيل أو السعودية، كما فعلتُ أنا، يمكنه أن يشهد أن الرئيس الأمريكي هو من المفضلين في أوساط قادة هاتين الدولتين الشرق أوسطيتين.
لماذا؟ لأنه ببساطة ليس باراك أوباما. فالإسرائيليون والسعوديون على السواء كانوا يعتبرون أن الرئيس السابق أوباما لا يفهمهم أو يفهم التهديدات التي واجهوها في المنطقة. فالخطر الذي شكّلته إيران يهدّد بشكل كبير كلا الدولتين، وقد أصبحتا على قناعة بأن أوباما رأى في الإيرانيين حلاً للمشاكل في المنطقة وليس مصدر تلك المشاكل كما هو الحال عليه حقاً. وفي المقابل، يتحدث ترامب بصراحة عن التهديد الذي تشكله إيران على المصالح الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط.
أما المفارقة الكبرى فهي أن ترامب لم يضع بعد أي سياسات عملية تتناسب مع أقواله. صحيح أنه صنّف كيانات إيرانية كمنظمات إرهابية من أجل فرض عقوبات مالية عليها، وكذلك فعل أوباما. فضلاً عن ذلك، كان أوباما – رغم كل استعداده لانتقاد إسرائيل على سياسة المستوطنات التي تنتهجها، وانتقاد السعوديين على عدم رؤيتهم ضرورةً “لمشاركة” المنطقة مع الإيرانيين – متجاوباً للغاية لتلبية الحاجات الأمنية لكلا البلدين. فابتداءً من تمويل نظام “القبة الحديدية” للدفاع الصاروخي في إسرائيل وصولاً إلى بيع السعوديين أسلحة بعشرات مليارات الدولارات، ساعد البلدين على توسيع قدراتهما الدفاعية خلال ولايته الرئاسية. وقد تكون مشاركة المعلومات الاستخباراتية والعمليات المشتركة التي قادتها الولايات المتحدة ضد العملاء الإرهابيين أكثر أهمية حتى من حيث التهديدات الفعلية التي واجهها السعوديون، بما في ذلك من الإيرانيين.
وحتى الآن، يُعتبر دعم ترامب لإسرائيل والسعودية رمزياً في المقام الأول. ويقيناً، أن الأمور الرمزية بالنسبة لكليهما، تكتسي أهمية. فالدولتان تعتبران أن الدعم الرمزي هو بمثابة مؤشر إلى خصومهما على أن الولايات المتحدة ستكون إلى جانبهما – ومن الواضح أن الإسرائيليين يفضلون الاحتضان الرمزي لترامب على الانتقاد العلني لأوباما.
وفي حين تدلّ الرمزية على شيء ما، فلا بدّ من دعمها بمضمون جوهري خشية أن تفقد معناها. فقد تمّ الإعلان عن مبيعات الأسلحة إلى السعوديين وسط قدر هائل من الضجة ولكنها لم تتحقق بعد – وقد لا تحدث في أي وقت قريب. صحيح أن الرئيس الأمريكي أوضح أن إدارته تسعى إلى محاربة إيران أو احتوائها، وخاصة في المنطقة، حيث يتوقّع السعوديون محاولة إيرانية لمحاصرتهم والهيمنة على الأنظمة العربية – ولكن أين فعلت الولايات المتحدة ذلك حقاً؟ ليس في سوريا، حيث يتجلى التوسّع الإيراني بشكل أكثر وضوحاً. وليس في اليمن، حيث وصف المسؤولون السعوديون كيف يقوم الحوثيون باطراد بإطلاق الصواريخ المزوّدة من إيران باتجاه المدن السعودية. وفي حين تسلّط الإدارة الأمريكية الضوء على عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، إلّا أنّها لا تعترض هذه الشحنات بشكل فعال، على الرغم من صدور قرارين من مجلس الأمن الدولي – رقم 2216 و2231 – يحظران عمليات النقل هذه.
أما بالنسبة لإسرائيل، فلا يُعتبر تنامي الوجود العسكري الإيراني ووكلاء إيران من الميليشيات الشيعية تهديداً نظرياً. وقد تحدثت إدارة ترامب عن الحاجة إلى بناء حاجز يفصل إسرائيل عن «حزب الله» والمليشيات الشيعية الأخرى – ولكن حين زرتُ مرتفعات الجولان، أشار القائد المحلي الإسرائيلي في المنطقة إلى مركز مراقبة وقيادة أمامي لكل من «فيلق القدس» الإيراني و«حزب الله» على بعد أقل من 4 أميال. ويثير مسؤولو الأمن الإسرائيليون الآن مسألة مواجهة “جبهة شمالية” تضم لبنان وسوريا على حد سواء.
ويشعر جميع أولئك الذين تحدثتُ إليهم بأن الولايات المتحدة تنازلت عن سوريا لصالح روسيا، تاركةً إسرائيل للتعامل بمفردها مع الوجود الإيراني هناك. وبطبيعة الحال، يعتقد هؤلاء أنه لو كانت الولايات المتحدة مهيأة للإشارة إلى استعدادها لوضع حدّ للتوسّع الإيراني في سوريا، فإن السلوك الروسي قد يتغيّر أيضاً – ولكن على الرغم من تركيز خطاب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بشأن سوريا الشهر الماضي على مواجهة إيران، إلّا أنّ مسؤولي الأمن الإسرائيليين الذين تحدثتُ معهم لم يروا أي مؤشر على أن الإدارة الأمريكية ستقابل أقوالها بأفعال.
لذلك، لا عجب فعلاً من أن تُحذّر إسرائيل بأنها ستعمد إلى اتخاذ خطوات أحادية الجانب إذا قامت إيران ببناء مصانع في سوريا ولبنان لإنتاج المزيد من أنظمة التوجيه الأكثر دقة لآلاف الصواريخ التي سبق أن أرسلتها إلى هذين البلدين. ومن شأن هذه الخطوة أن تشكل تهديداً إستراتيجياً لإسرائيل، نظراً إلى حجمها الصغير وكذلك إلى العدد الصغير من أهداف البنية التحتية الأساسية العسكرية والمدنية. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو من زار روسيا سبع مرات خلال العامين الماضيين للاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوتين، ليس فقط لضمان عدم وجود نزاع بين إسرائيل والقوات الروسية في سوريا، ولكن أيضاً سعياً منه لإقناع الرئيس الروسي بضرورة احتواء انتشار البنية التحتية العسكرية الإيرانية في تلك البلاد. وقد نجح المسعى الأول، في حين فشل الثاني.
ولا شك أن الإسرائيليين يتمنون ألا يكونوا بمفردهم في هذه المسألة. ويتساءل الكثيرون عن سبب عدم قيام الرئيس ترامب بتحذير بوتين بسريّة حول مخاطر ما يقوم به الإيرانيون، وخطر التصعيد نتيجة لذلك، واستعداد الولايات المتحدة لدعم الإسرائيليين في حال اندلاع صراع خطير بين إسرائيل وإيران أو «حزب الله» في سوريا ولبنان؟ ألن يكون للتحذيرات الأمريكية الجدية أثر أكبر على الأرجح على الروس – وبالتالي الإيرانيين – من تعبير الإسرائيليين عن مخاوفهم؟ وألا يجب أن يدرك الروس أن هناك مخاطر مرتفعة لجرّ الولايات المتحدة إلى مثل هذا الصراع، حتى وإن لم يكن أي من البلدين يرغب في ذلك؟
ومن الأرجح أيضاً أن يعير بوتين هذه التحذيرات اهتماماً أكبر لو رأى أن الإدارة الأمريكية تتخذ خطوات فعلية لمواجهة الإيرانيين – ربما من خلال التوضيح بأنه إذا لم يعمل الروس على احتواء أي توسّع إيراني إضافي في سوريا، فإن الولايات المتحدة ستستخدم قوتها الجوية للقيام بذلك. ومن شأن هذه الخطوة أن تعني أكثر من مجرد دعم رمزي للسعوديين والإسرائيليين، وهذا الدعم سيضعف لا محالة. وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب في أن يتقلّص شعور الإسرائيليين والسعوديين بأنهم بمفردهم في هذه المعركة، وأنهم ليسوا بحاجة إلى استباق أي تهديدات متوقّعة، على إدارة ترامب أن تدرك الحدود بين الخطاب والرمزية – وقوة الأفعال.
دينيس روس
معهد واشنطن