لندن – تعمل السعودية على تغيير طبيعة الصراع مع إيران من خلال بعد جغرافي آخر يتمثل في الرد على الاستراتيجية الإيرانية، المتمثلة في تطويق السعودية عبر دعم الحوثيين في اليمن والتحالف مع قطر، بتبني سياسة تطويق استراتيجي مقابلة لإيران، هذه المرة عبر القوقاز.
وهدف السعودية من هذه الخطة هو بناء تحالف مع أذربيجان، الواقعة على الحدود الشمالية، بمحاذاة أقلية أذرية مؤثرة في إيران. وغالبية سكان أذربيجان من الشيعة، ورغم ذلك ظلت الحكومات الأذرية المتعاقبة حذرة من تنامي النفوذ الإيراني في بلدانها، حتى تغير الأمر عام 2013، عندما رفعت باكو حظرا على أنشطة رجال الدين المرتبطين بإيران، في مسعى لصد موجة متسارعة بين الأذريين السنة للانضمام إلى صفوف تنظيم داعش.
لكن هذه السياسة ساهمت في تعزيز الوجود الإيراني في أذربيجان. وتقول دراسة مستقلة، نشرتها مؤسسة “توران” المستقلة، إن 22 مدرسة من إجمالي 150 مدرسة دينية في أذربيجان باتت تحت الهيمنة الإيرانية.
ويقول الصحافي الأذري كينان روفشانغولو، في دراسة عن الحريات الدينية في أذربيجان، إن “الأنشطة الدينية الإيرانية في البلد حققت نجاحا”.
وتحاول السعودية مقاومة هذا النفوذ المتنامي، الذي أثار في الوقت ذاته قلقا رسميا في باكو، عبر تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع الرئيس الأذري إلهام علييف، الذي زار الرياض في نوفمبر الماضي، بدعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، لنقاش مقاومة المقاربة الإيرانية في أذربيجان.
وقالت وسائل إعلام في أذربيجان إن وفودا عسكرية سعودية وأذرية عقدت اجتماعات خلال الشهر الجاري “وناقشت إمكانية تعزيز التعاون العسكري وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة”.
ومنذ ذلك الحين يتراجع مؤشر العلاقات بين أذربيجان وإيران بشكل ملحوظ.
وأذربيجان دولة علمانية نظرا لتاريخها الطويل ضمن الاتحاد السوفييتي، وظلت مرتبطة ارتباطا وثيقا بروسيا خلال عهد الرئيس فلاديمير بوتين، إذ ساعدت حدود ممتدة بين الجانبين في الحفاظ على تعاون استراتيجي وثقافي واقتصادي وعسكري.
جيمس دورسي: العرب دفعوا ثمن التدخلات الإيرانية في العراق وإيران ستدفع الثمن في أذربيجان
ويقول مراقبون إن الأزمة الهادئة التي مازالت تتصاعد وتيرتها بين إيران وأذربيجان ستتحدد ملامحها وفقا للمقاربة الروسية لهذا الصراع.
ولعقود ظلت الهواجس المتبادلة تتحكم في العلاقات بين إيران وأذربيجان، إذ يخشى كل بلد من إمكانية قيام البلد الآخر باستخدام نفوذه الديني أو العرقي لخلق قلاقل وزعزعة استقرار البلد الآخر. وتمثل الأقلية الأذرية قرابة ربع سكان إيران.
وقالت مصادر دبلوماسية إن حكومة أذربيجان بدأت العمل على برنامج يهدف إلى رفع الشعور القومي لدى الأذريين الإيرانيين، الذين يعانون من عنصرية وتمييز متزايدين، خصوصا من قبل الفرس، الذين يشكلون أكثر من 40 في المئة من إجمالي حجم سكان إيران.
ويقول الهان شاهين أوغلو، مدير مركز الدراسات في جامعة غرب قزوين في باكو، إن “أذربيجان لا تمتلك أجندة للتدخل في شؤون إيران الداخلية، لكن في نفس الوقت لا يمكنها تجاهل مستقبل الأقلية الأذرية داخل إيران”.
كما يسود قلق في أذربيجان من العلاقات العميقة التي تجمع إيران بأرمينيا، التي مازال نزاع طويل حول جيب “ناغورنو كاراباخ” يتحكم في علاقتها بأذربيجان.
وتدرك السعودية هذه العلاقة المعقدة بين الجانبين، وتحاول قلب الطاولة من الناحية الاستراتيجية على إيران عبر تبني نفس سياساتها القائمة على “الالتفاف والتطويق” للسعودية في منطقة الشرق الأوسط.
وقالت مصادر دبلوماسية إن مسؤولين سعوديين حذروا نظراءهم في باكو من أن النفوذ الإيراني “سيحول أذربيجان إلى نسخة قوقازية من العراق”.
وقالت مصادر إن السعودية توصلت إلى اتفاقات أمنية مع أذربيجان تتضمن وضع الأقلية الأذرية في شمال إيران.
وفي نوفمبر الماضي، قالت قوات الحرس الثوري الإيراني إنها “فككت خلية إرهابية في شرق إقليم أذربيجان كانت مرتبطة بقوى التكبر العالمي”، في إشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية.
وجاء الإعلان عن “الخلية الإرهابية” بعد أسابيع من إعلان مماثل قالت إيران فيه إنها “قضت على مجموعة مسلحة كانت تعمل على الحدود في منطقة غرب أذربيجان”.
وتمهد مخاوف أذربيجان من نفوذ إيران الطريق أمام السعودية لتثبيت نقاط استراتيجية للتضييق على إيران من الشمال، عبر أذربيجان وامتدادها الإثني داخل الأراضي الإيرانية، ومن الشرق والجنوب من خلال تحالف راسخ مع باكستان، مازال يمثل حجر زاوية بالنسبة للنفوذ السعودي في جنوب غرب آسيا.
لكن الأمر سيحتاج إلى وقت وحجم استثمارات اقتصادية وأمنية وعسكرية كي يقود في النهاية إلى إحكام الحصار على إيران.
وقال جيمس دورسي “إذا كانت السعودية ودول الخليج تدفع ثمن السياسات الإيرانية في العراق، فكثير من الخليجيين باتوا يعتقدون أن إيران من الممكن أن تدفع الثمن نفسه في أذربيجان”.
العرب اللندنية